تعاني عدة قرى في محافظة المنوفية خلال الفترة الحالية من ضعف مستمر وانقطاع متكرر لمياه الشرب، مما دفع بعضهم لشراء جراكن المياه وآخرون عادوا لاستخدام الطلمبات الحبشية. أسبوع وأكثر معاناة وسخط بين الأهالي وفي المقابل حالة من التجاهل التام من رئيس شركة مياه الشرب والصرف الصحي المهندس محمد نجيب، الذي اكتفى مسؤول الإعلام بشركته بنشر صوره وهو يحتفل بالعيد مع الموظفين ولم يفكر في تهدئة المواطنين الغاضبين من انقطاع المياه ووعدهم على الأقل بحل الأزمة، الوضع في المنوفية ازداد سوءًا وعلى الرغم من ذلك، مازالت البعض يتغنى بانجازات زائفة للقابضة في المنوفية، ويكفي أن أعطالا في محطات المياه بالقري تظل الشركة عاجزة عن حلها لأسبوع وأكثر.
قرى المنوفية تصرخ من العطش
انقطاع مفاجيء لمياه الشرب في قرى مختلفة بمراكز شبين الكوم وتلا وغيرها، الأهالي ظلت تعاني لمدة تتخطى الأسبوع من انقطاع المياه وضعفها، وشركة مياه الشرب تكتفي بالصمت وإن ردت تقول: ” أعطال”.
قرى “قشطوخ – والبندارية – وكفر الشيخ شحاته” التابعة لمركز تلا بمحافظة المنوفية، ظلت تنتظر المياه أياما متواصلة لكنها لم تصل إلى الأدوار العليا في أغلب المناطق، ما دفعهم للاعتماد على “الطلمبات الحبشية” وشراء مواتير الرفع.
انقطاع المياه عن هذه القرى لم يعلم به أحد ولم يفكر أحدا في إخطار الأهالي بأن هناك أعطال وسيتم قطع المياه عنهم حتى يستطيعوا أن يوفروا مياه لتلبية احتياجاتهم، وعدوهم بحل الأزمة خلال يومين لكن كالعادة “يومهم بسنة”، والمهندس نجيب أكد للأهالي أن ضعف المياه جاء نتيجة لعطل في الخط الحامل بمحطة مياه تلا، مؤكدا أنه لا توجد انقطاعات لمياه الشرب، ولكن الكميات التي يتم ضخها لا تصل إلى الأدوار العليا نتيجة للعطل الذي حدث.
وفي قرية شنوان التابعة لمركز شبين الكوم، يعاني المواطنون من ضعف وانقطاع مياه الشرب لمدة أسبوع وأكثر نتيجة عطل لم يعلموا به سوى بعد أن ضجوا من الشكوى.
وأكد محمد صبحي، أحد أهالي القرية أنه يسكن الطابق الثالث بمنزل أسرته وصباح كل يوم لا يجد المياه، لافتا إلى أن شركة المياه لم تنوه عن انقطاعها مثلما يفعلون أيام تطهير الخزانات، موضحا أن لا أحد بالقرية يعلم سبب انقطاع المياه لساعات طويلة، بالإضافة إلى ضعف المياه طوال اليوم سوى بعد أسبوع.
وأشار عادل حسن، موظف، إلى أنهم اضطروا خلال الأيام الماضية إلى تخزين المياه من الطلمبات الحبشية، للتغلب على الانقطاع المستمر.
الغريب أن قرى المنوفية فجأة حدثت فيها أعطال في وقت واحد، وذلك وفقا لتصريحات المهندس محمد نجيب رئيس الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي في المنوفية، ولم تخطر الشركة أحدا بهذه الأعطال، ولماذا حدثت هي الأعطال مرة واحدة في هذه القرى، هل لغياب الصيانة الدورية أم بسبب الإهمال؟.
مركز الباجور يعاني
كارثة بيئية تهدد معظم قري مركز الباجور، فقد ازدادت المشكلات التي تواجه الأهالي والمسئولون غائبون، فاختلاط مياه الشرب بالصرف الصحي “خطر جثيم” ويجعلها غير صالحة للاستهلاك الآدمي، مما أدي إلي زيادة الأمراض عن المعتاد، وأصبحت محافظة المنوفية الأكثر في عدد المصابين بأمراض الكبد والفشل الكلوي وذلك لعدم الإشراف علي المحطات ومتابعة أعمال النظافة وتغيير المعدات والفلاتر، وعند مواجهة “المسئولين” تكون الإجابة “المياه مطابقة للمواصفات واللي عنده مشكلة يقدم شكوي ومعامل الشركة هتفحصها”، فاختفي حلم الحصول علي كوب ماء نظيف.
بالنظر إلى قري الباجور نجدها تدق جرس الإنذار كل يوم لتنافي وقوع الكارثة ولكن دون مجيب، وعلى المتضرر تغيير محل الإقامة لحماية نفسه وأسرته من خطر الأمراض، فالمياه مليئة بالشوائب ولا تصلح لأي شئ، وإذا تركت كوب ماء لمدة لا تتعدي الخمس دقائق تظهر الشوائب مترسبة في قاع الإناء، فلجأ الأهالي إلى محطات تنقية المياه المنتشرة بجميع القري ومعظمها غير مطابق للمواصفات وتهددهم بالأمراض المزمنة، فكانت فكرة إنشاء معهد الكبد القومي بشبين الكوم بعد انتشار تلك المحطات.
ففي قرية فيشا الصغري، التابعة لمركز الباجور، الأمر مختلف، تميزت القرية بتغيير مواسير المياه من حديد “اسبستوس” إلي بلاستيك لتنافي الصدأ “فتعرض الحديد للمياه يجعله سريع الصدأ”، وتحركت “شركة مياه الشرب والصرف الصحي” وعملت ليل نهار علي زيادة قطر المواسير إلي 8 بوصة في الشوارع العامة و 4 بوصة في الضيقة منذ أكثر من 10 سنوات، كما تم إنشاء محطة مياه كبيرة تضغ 500 متر مياه بدلاً من 40 لتر، ووحدة معالجة، منذ أكثر من 5 سنوات، وجعلها كاملة مكتملة، وحتي الآن لم يتم تشغيلها ولا إختبار وضغط المياه بالمواسير التي تم تركيبها منذ أعوام، لأسباب لا يعلمها أحد، واتجهت المعدات التي كلفت الدولة مبالغ هائلة إلي طريق التلف والتآكل .. فلصالح من هذا الإهمال ؟
وطالب أهالي القرية الدكتور هشام عبدالباسط يونس، محافظ المنوفية، باستدعاء المهندس محمد نجيب، رئيس الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي بالمنوفية، ولجنة من مديرية الصحة لأخذ عينات من المياه وتحليلها والوقوف على مدى نظافتها واتخاذ اللازم حيال إهدار المال العام، مرددين “المسئولين بيرموا فلوس الدولة في الأرض”.
“مياه بالرمال” هكذا الحال في قرية الأطارشة، التابعة لمركز الباجور، عانت القرية خلال الفترة الأخيرة من وصول المياه إليهم مليئة بالرمال وأشياء تشبه الطحالب، مرددين “الأمر لا يتحمله بشر”، وكان الأهالي علي أمل اختفاء الرمال من مواسير المياه ولكن الأمل خاب وضاع، فعدد كبير من أهالي القرية مصاب بالفشل الكلوي وأمرض الكبد، والصيحات والاستغاثات لا تجدي نفعاً.
“مياه شرب من الطرنشات” شعار قرية سبك الضحاك، فالتهميش يضرب جذورها، والإهمال يتوغل مرافقها، والمسئولين ينموا التفرقة ويتعاملون بمبدأ “لبعدها وتطرفها تسقط من الحسبان”، فلا شكاوي تصل ولا صوت يُسمع لأهالي هذة القرية، فبعضهم لجأ إلي ترك القرية والسفر إلي خارجها، والبعض الآخر استجاب للأمراض المزمنة التي انتشرت بانتشار المياه المختلطة بمياه الصرف الصحي “الطرنشات”، فنسبة المياه الجوفية قابلة للزيادة يوماً بعد يوم والمنازل آيلة للسقوط، بالإضافة إلي تلال القمامة التي لا تنقص.
“مياه سوداء” كانت من نصيب قرية جروان، حالة من الاستياء رجت أبواب منازل أهالي القرية عندما رأوا مياه الشرب سوداء اللون كأنها مختلطة بكميات كبيرة من “التراب”، فأصبح الشبه بين كوب الشاي والماء ضعيف جداً، وأعربوا عن خوفهم الشديد علي صحتهم وصحة ذويهم، مرددين من منا يستطيع شراء “مياه معدنية لسد العطش واستخدامها في طهي الطعام والأغراض اليومية كالوضوء وخلافه .. الدولة لا تنظر إلينا بعين الرحمة فجميعنا من أصحاب الدخل المتوسط، والخدمات تُجمع في طبق من ذهب وتقدم إلي رجال الدولة وأصحاب المناصب الهامة.. إلي متي سيظل التفريق طباع المسئولين فهٌم يهدمون الدولة ويولدوا الحقد والكره بين طبقات المجتمع.”
“كوب ماء يساوي التهاب كبدي” هذا حال قرية تلبنت أبشيش، فالأمراض المزمنة لا تترك منزل إلا ودخلته، وتفتك بالأطفال دون العشر سنوات نتيجة تلوث الغذاء والخضراوات والفاكهة، وانتشار الحشرات الناقلة للأمراض كالبعوض المنتشر في القرية، ولم يستطيع الأهالي الإفلات من النزلات المعوية والتهابات المعدة والقولون وحساسية الصدر وضغط الدم المرتفع وتنيا الجلد وخشونة المفاصل وانزلاق الغضروف، وجدير بالذكر أن جامعة المنوفية لا تيأس وتنظم قوافل طبية لتلك القرية باستمرات لمتابعة الحالات، وكذلك إلقاء ندوان توعوية لمناقشة أسباب تلوث المياه والوقوف علي حلول لحماية الأهالي.
مياه أشمون فيها سُم قاتل
“أشمون” أرض القمر الجميلة كما وصفها الجميع تقف اليوم مكتوفي الأيدي أمام مشكلة تهدد جميع الأهالي، كانت كارثتهم الأهم البحث عن أسطوانة الغاز لطهي الطعام حتي لا يموتوا جوعاً، استجابت “الجكومة” وتم توفيرها واختفت طوابير “أسطوانات الغاز”، بعد هذا ظهرت الكارثة الأخطر وهي تلوث مياه الشرب واختلاطها بالصرف الصحي وأصبحت غير صالحة بينما اهتم رئيس مجلس المدينة ورؤساء الوحدات المحلية بتجميل وتزيين مداخل المدينة فقط وتركوا كارثة المياه للأهالي، فماذا يفعلوا حيالها؟! وهل سيظلوا طيلة حياتهم معتمدين علي مياه محطات التنقية التي تجلب لهم الأمراض؟! وتسائلوا هل السبب عدم غسيل الشبكة أم تقصير عاملين أم تشغيل محطات المياه القديمة أم غير ذلك، وازدادت الشكاوى حتي أنهم لجأوا إلى القضاء وجعلوا خصمهم محمد نجيب، رئيس شركة المياه والصرف الصحي بالمنوفية، وقضت المحكمة بتشكيل لجنة خماسية لتكرير المياه، والتأكد من صلاحيته، وحتي الآن أكثر من 54 قرية من قرى أشمون تعاني وتستغيث دون مجيب.
في البداية يقول “محسن العشماوي”، أحد سكان قرية طهواي، أن المياه تصل إلينا صفراء اللون تارة وسمراء تارة أخري، ناهيك عن رائحتها الكريهة وذلك لاختلاطها بمياه الصرف الصحي، مؤكداً عدم استخدامه لها، وأنهم يعتمدون على شراء مياه مفلترة من المحطات الأهلية إلى جانب تركيب فلاتر، وذلك لا يتناسب مع المستوي المادي للجميع فكثيراً من السكان لا يستطيع شراء الفلاتر ولا الدفع كل أسبوع لصيانتها، موضحاً أن السبب “مواسير المياه” فبعضها تآكل والبعض الآخر أصابه الصدأ مما يسهل دخول الحشرات والطحالب واختلاطهما بالمياه التي تصل إلينا.
أضاف “محمود مرزوق” أنه تفاجئ بتغير لون المياه للأصفر و كثرة الشوائب بها قائلاً “الحيوان يأبى أن يشرب منها”، كما أوضح أن العيب ليس من الشبكة بل من تشغيل المحطة التابعة لقرية كفر الطرانية “قرية مجاورة” فالمياةه تأتى عكس التيار ومن ثم تقوم بعمل تفوير للرواسب الموجودة في الشبكة، لافتاً إلي أنه يضع المياه في زجاجات “غامقة اللون” حتى لا يرى الشوائب.
أعرب “إبراهيم بدر” عن استيائه الشديد وخوفه علي أولاده من مياه الشرب الملوثة، قائلاً أن تقارير معامل مديرية الصحة بالمنوفية ومكتب صحة أشمون أثبتت عدم صحة المياه للاستهلاك الآدمي ورغم ذلك لم يتحرك للحكومة ساكن والتقارير “في الدرج”.
قال “عبدالرحمن أحمد” ما زالت الحكومة تصنع “مواسير الاسبستوس” المحرمة دولياً ولا تضع حياة المواطنين في الحسبان، ففي أشمون لم يتم تغيير تلك المواسير في معظم شوارع المدينة وكذا القرى، رغم خطاب وزارة التنمية المحلية عام 2004 بناء على ما قرره مجلس الوزراء آنذاك بالتأكيد علي وقف تصنيع أو إنتاج أي منتجات من مادة الاسبستوس لخطورتها الشديدة علي الصحة، ناهيك عن إلقاء جميع “عربات الكسح” التابعة لمجالس المدن والخاصة مخلفاتها بالترع نتج عن ذلك تحول محاصيل الأراضي الزراعية من اللون الأخضر إلي الأسود.
وناشد سكان قري مركز أشمون المهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء، والدكتور هشام عبدالباسط يونس، محافظ المنوفية، بعمل زيارة مفاجئة وتناول كوب مياه، حتى يتذوقوا “مرارة” ما يتذوقه السكان.