واقعة الاعتداء على السيدة المسنة بقرية الكرم بمركز أبو قرقاص من أعمال محافظة المنيا وتعريتها و”تجريسها” في شوارع قريتها بدأت منذ سنوات بعيدة ، عندما تسرب العنف والقهر المنظم تحت الجلد ليسكن في قلوب تنمو وتكبر على خطابات دينية تؤكد على فكرة من الأفضل؟ وأسباب الأفضلية ومن ثم يكون المختلف معى هو المخطئ وهو الأدنى والأقل قيمة وعددا، فضلا عن المعالجات السياسية والأمنية التي اثبتت فشلها في مختلف الأنظمة.
في مصر نخترع مسميات لا تترك أبدا مكانها على السطور المكتوبة عليها، وتصبح الكلمات هي الوسيلة الوحيدة لحل اى أزمة، ونشدو بشعارات الوحدة الوطنية والمواطنة والتسامح وقبول الآخر والتعايش وهى كلها تزكى فكرة الطائفية وأن هناك دائما طرفين مختلفين، وهما ليس بالطبع على نفس القدر من القوة، لتتحول اللقاءات والمصالحات أشبه بمنح يقدمها من يخطئ ويتجاوز في حق الطرف الآخر.
الأزمة قائمة طالما هناك من يستغفر ربه لمشاهدته امرأة مسيحية مكشوفة الرأس، وهو من يصف زملائه او جيرانه بعبارات “لا مؤاخذة مسيحي”، و”مسيحى بس جدع”، و”يا خسارة مسيحي”، ستجد هذه النوعية تسأل بدون مبرر عن الاسم فإذا كان غير واضح سيسأل عن اسم الوالد ثم الجد حتى يكتشف ديانتك فيستريح قلبه أو العكس، وهو المشغول بما يحدث بالكنيسة ليلة رأس السنة حسب ما توارث من أفكار انتشرت عبر عقول غير قابلة للتفكير وضمائر استسلمت لأفكار غير منطقية في مقابل تحقيق مكسب أنه الأفضل والأنقى والأكثر عفة.
ستبقي الأزمات قائمة ومستمرة وستبقي الحقوق ضائعة طالما أن هناك أطراف تستسهل الحل بتجميع الطرفين في جلسة عرفية تنتهى بقبلات و”ضحك على الدقون” دون معاقبة اى مخطئ، فأصبح الاعتداء والانتهاك والقتل والحرق من الأمور السهلة لأن الأمر سينتهى دون اى عقاب للمعتدى، والحال سيستمر كما هو طالما أن هناك من يعتقد أن كراهية المخالف له في الدين من ثوابت حياته، واعتقاده أن بناء كنيسة في منطقته هو عار لا يمكن محوه أبدا وأن الصمت وقتها من الكبائر.
ذكر صديقى الكاتب سامح فايز صاحب كتاب “جنة الإخوان” عبر صفحته على فيس بوك، حكاية انقلها كما هي:”بخصوص حادث المنيا والكلام حوالين الحادث الفردي ومصر مفيهاش فتنة طائفية .. هحكي حالة فردية مضايقاني من كام سنة … اللى عايش في شارع فيصل زى حالاتي أكيد بيستخدم الطريق الدائري رايح جاي .. من كام سنة كان فيه كنيسة عند نزلة الطوابق وكان أى راكب نازل في المكان دا يقول قبل الكنيسة ياسطى .. بعد الكنيسة يانجم والحياة كانت ماشية .. لحد ما في يوم مجموعة من المسلمين قرروا يبنوا مسجد في الجهة المقابلة للكنيسة .. ومن ساعتها أول ما تيجي المحطة لو حد قال الكنيسة ياسطى هوب نص الميكروباص يعدله الاسم ويقوله قصدك محطة الجامع .. بيقولوها حتى لو مش نازلين بس من باب الانتصار للدين والمسجد! .. أذكر في مرة راكب أصر يقول الكنيسة لقيت شاب بيقوله قصدك الجامع .. الراكب قال تاني الكنيسة راح الشاب رد بحدة قصدك محطة الجامع!. الموقف دا رغم تفاهته إلا إنه بيوضح إن اللاوعي بتاعنا داعشي بامتياز وإن كنا شايفين غير كده لكن كل المسألة إن الفرصة لسه ما جاتلناش عشان نشيل سلاح لتطبيق شرع الله في بلاد الإسلام”.
ما حدث في المنيا انذار لكل العقلاء والوطنيين وغير المتشددين في هذا الوطن، لا تكتفون بالصمت والنظر إلى المشكلات من أبراج عاجية، روجوا لأفكاركم، ازرعوا الفن والشعر في نفوس الصغار، اتركوا صفحات الفيس بوك وتويتر والانستجرام قليلا وانتشروا بين من هجروا انسانيتهم، فكل مجتمع يأكل من الثمار التي يزرعها.
اقبل الأرض تحت اقدام المرأة المهانة في “عروس الصعيد”، التي فتحت جرح في جبين الوطن دائما ما كان يغلق بطرق غير صحية، وردود الفعل تؤكد أن القادم أفضل، طالما هناك شرفاء وأحرار لا يعرفون إلا الحق ولا ينصرون اخوانهم في الباطل، المرأة الطيبة تشكركم ومصر أيضا.