على مدى 3 سنين و 1/3 علم السيد المسيح تعاليم سامية بهت منها السامعون “لأنه كان يعلمهم كمن له سلطان و ليس كالكتبة” (مر 1 : 22) و ابهرت الجموع بسموها , كيف لا و هى تعليم الكمال “ما جئت لأنقض بل لأكمل”. ولكن يبقى السؤال الذى ما زال الكثيرون يسألونه : هل من الممكن ان تكون هذه التعاليم قابلة للسلوك العملى و ان تكون حية على ارض الواقع ام مجرد امنيات و اشتياقات؟؟
الحقيقة ان القيامة كانت فاصلاً فى هذا الموضوع, قبلها حتى اقرب المقربين للرب يسوع, التلاميذ الذين سمعوا التعاليم بكل التفاصيل و قالوا “ها نحن قد تركنا كل شىء و تبعناك” (مت 19 :27) لما دخلوا فى الامتحان العملى على ارض الواقع بدا ان ما سمعوه شىء و ما هو قابل للتنفيذ شىء آخر:
– “احبوا اعدائكم باركوا لاعنيكم” و نجد قديس بطرس يضرب اذن عبد رئيس الكهنة –“لا تحلفوا البتة” و القديس بطرس يحلف و يلعن “انى لا أعرف الرجل”
–“لاتخافوا من الذين يقتلون الجسد” و التلاميذ كلهم هربوا
و كثير من التعاليم لو كان السيد المسيح جاء بها مجردة لأصبح كفيلسوف له اتباع و معجبين و لكانت مجرد تداريب للنفس يرتد عنها الانسان عند اول منحنى خطر ناجياً بنفسه كاسراً كل قوانين الكمال, لكن رسالة الرب يسوع أسمى من هذا بكثير فهى ليست مجرد نصائح نافعة للحياة بل هو و تعاليمه والاحتماء فى شخصه الحياة ذاتها ” انا هو الطريق و الحق و الحياة “ (يو 14 : 6) و وجدنا فى المسيح ما هو اعظم من حكيم عصره, فبعد ان قام بجسد بشريتنا و اقامنا معه و كسر اعظم عدو يواجه الانسان –الموت– و بذلك اكتملت رسالته بالقيامة فصارت الدنيا و ما فيها نفاية لكى نربح الحياة و الخلود فى المسيح يسوع و ما كان يمكن ان يكون للانسان ربحاً فهذا قد صار لأجل المسيح خسارة و قد بدا واضحاً ان السبيل الوحيد للحياة و النجاة من الموت الحقيقى (الأبدى) و العبور الى الخلود هى تعاليمه , هذه التعاليم برغم ما فيها من اماتة للجسد بقيت هى الرجاء الوحيد لقهر الموت سواء الموت بمفهومه النهائى للجسد او الموت اليومى من انعدام السلام و القلق و الخوف و الهم.. الى آخره و قد لخص القديس بطرس هذه الخبرة و قال “مبارك الله ابو ربنا يسوع المسيح الذى حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية لرجاء حى بقيامة يسوع المسيح من الأموات لميراث لا يفنى و لا يتدنس و لا يضمحل محفوظ فى السموات لأجلكم” (1 بط 1 : 3 – 4) يعنى قبل القيامة لم يكن الرجاء فى المسيح حياً كان مجرد تعاليم نظرية اتبعها كثيرون من محبى المثالية فى الحياة لكنهم وصلوا الى لا شىء سواء على مستوى الراحة الداخلية او السلوك الخارجى مثل اغسطينوس الذى لما ذاق و آمن و عرف قيمة الحياة الابدية احتقر الانسان القديم بشهواته و اعتبر كل اماتة له هى ربح و هتف بنصرة ضد الشر قائلاً: اغسطينوس مات.
بمعنى اوضح ان القديس بطرس و بقية التلاميذ الذين هربوا فى جثسيمانى لو كانوا على يقين مؤكد ان المسيح لا يقوى عليه موت زى ما قال لهم سابقاً “انه ينبغى ان يذهب الى اورشليم و يتألم كثيراً من الشيوخ و رؤساء الكهنة و الكتبة و يقتل و فى اليوم الثالث يقوم” (مت 16 : 21) لو كانوا مؤمنين بهذا الكلام لما شكوا و لا هربوا , اذن بعد القيامة انفتحت بصيرة البشرية على قوة حياة جديدة لا يغلبها اقسى عدو يمكن ان يواجه البشرية و هو الموت و بالتالى اى مناوشات أخرى من عدو الخير هى بلا قيمة “من سيفصلنا عن محبة المسيح؟ … فإنى متيقن انه لا موت و لا حياة و لا ملائكة و لا رؤساء و لا قوات و لا امور حاضرة و لا مستقبلة و لا علو و لا عمق و لا خليقة أخرى تقدر ان تفصلنا عن محبة الله التى فى المسيح يسوع ربنا” (رو 8 : 35 , 37) مات و يرنم هتاف النصرة “اين شوكتك يا موت اين غلبتك يا هاوية” (1كو 15 : 55)