ينطلق البابا فرنسيس في مقدمة الإرشاد الرسولي “فرح الحب” من المسيرة السينودسيّة ليؤكد أنه لا ينبغي حلُّ جميع النقاشات العقائديّة والأخلاقية والراعوية بواسطة تدخّل التعليم، وبالتالي إذ يشدّد على ضرورة أن تبقى وحدة العقيدة وتطبيقها ثابتين في الكنيسة يشير إلى إمكان وجود أساليب مختلفة لتفسير بعض جوانب العقيدة أو بعض التبعات الناتجة عنها بالنظر إلى الثقافات والتقاليد والتحديات الخاصة بكل بلد. وإذ يؤخذ الإرشاد بشموليّته لا ينصح البابا قراءته بطريقة عامة وسريعة، وإنما بتعمق صبور أو ببحث خاص بحسب المواضيع والأوضاع الملموسة.
الفصل الأول: في ضوء الكلمة
يسلّط الضوء على أن كلمة الله ليست سلسلة نصوص مجرّدة وإنما هي رفيقة درب للعائلات حتى لتلك التي تعيش في أزمة، لأنها تدلها إلى هدف المسيرة. وانطلاقاً من سفر التكوين يشرح أن الرجل والمرأة المُتحدَين في زواج محب ويخلق الحياة يمثلان “منحوتة حقيقيّة حيّة” لله الخالق والمخلّص. فالله الثالوث هو شركة حب، والعائلة هي انعكاسه. وبالتالي يشير البابا إلى ميزتين خاصتين بالزوجين الذين خلقهما الله: الحوار كقدرة لينظر الواحد في عيني الآخر وكلقاء مع وجه يعكس الحب الإلهي، والوحدة كبذل ذات طوعي.
الفصل الثاني: واقع العائلة وتحدياتها
يسلّط على أهميّة خير العائلة من أجل مستقبل العالم والكنيسة ولذلك فمن السليم أن يتمَّ الانتباه لهذا الواقع الملموس. من هنا وبالإشارة إلى ما صدر عن السينودس يعدد البابا الصعوبات التي تعيشها العائلة اليوم: الفردانية والنرجسيّة وثقافة المؤقت التي تقصي كل شيء وتحوّل الحب إلى مجرد عنصر من عناصر الشبكات الاجتماعية، ولذلك يحذّر من أن تصبح العائلة مجرّد مكان عبور يتوجّه إليها المرء فقط عندما يبدو له ذلك مناسبًا؛ وبالتالي يأتي هنا دور المسيحيين ليقدّموا الدلائل والدوافع لاختيار الزواج والعائلة لأننا مدعوون لتنشئة الضمائر. ويدعو البابا إلى راعوية استقبال إيجابية قادرة على الإشارة إلى دروب السعادة والقرب الرؤوف من الأشخاص الضعفاء. وإذ يستعيد ما صدر عن سينودسَي عام 2014 و2015 يذكّر ببعض التحديات الخاصة التي ينبغي على العائلة المعاصرة أن تواجهها ومن بينها: الذهنيّة المناهضة للإنجاب، ضعف الإيمان والممارسة الدينيّة، مشاكل السكن الطارئة، استغلال القاصرين، الهجرات، اضطهاد المسيحيين والأقليات الإثنية والدينية، الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، المسنون، الفقر، اتحادات الأمر الواقع والاتحادات بين الأشخاص من الجنس عينه، العنف ضد النساء وإيديولوجية الجندر.
الفصل الثالث: النظرة الموجّهة إلى يسوع: دعوة العائلة
يقدّم ملخصاً عن تعليم الكنيسة حول الزواج والعائلة، عطيّة الرب والدعوة المميزة لعيش الحب الزوجي من أجل قداسة وخلاص الزوجين. وإذ يستعيد في هذا الفصل المقطعين الأخيرين من التقرير النهائي لسينودس عام 2015 يشدد على ضرورة العناية الراعوية من قبل الكنيسة تجاه المؤمنين الذين يعيشون المساكنة أو الذين تزوجوا زواجاً مدنياً أو المطلقين الذين تزوجوا مجدداً، ويذكّر بواجب الرعاة ومسؤوليّتهم إزاء أوضاع العائلات الصعبة. ويتوقف الفصل أيضاً عند الانفتاح على الحياة وقيمتها إزاء انتشار ذهنية معادية للحياة ويؤكد على الواجب الأخلاقي للاستنكاف الضميري للعاملين في المؤسسات الصحيّة وعلى الحق بالموت الطبيعي وتحاشي التعنّت العلاجي والقتل الرحيم. وفي الختام يشدّد على التبادل بين العائلة والكنيسة، مؤكداً أن الكنيسة هي عائلة مكونة من العائلات وبالتالي فالحب المُعاش في العائلات هو قوّة دائمة لحياة الكنيسة.
الفصل الرابع: الحب في الزواج
يُفتتح بتحليل نشيد القديس بولس حول المحبة (1 كور 13، 4-7) ويُطبّق البابا على الحياة العائليّة ميزات المحبّة التي يستعملها بولس الرسول، ويشرح أن هذا هو الحب الذي يوحّد السعي من أجل خير الآخر والمبادلة والحنان والاستقرار بعدم انحلال السرّ المميّز، فالزواج هو عمليّة ديناميكية تتقدّم بدرجات مع إدماج تدريجيٍّ لعطايا الله. بعدها يتوجّه مباشرة إلى الشباب ويحثهم على عدم الخوف من الزواج وعلى أن ينظروا إليه لا كمثال نموذجي لا يمكن بلوغه وإنما كمسيرة نمو دائمة يقبل فيها واحدهما الآخر بمحدوديته ونقائصه. ومن ثم يتوقّف الحبر الأعظم عند المشاعر والجنس في إطار الزواج ويشرح أن الحب الزوجي يحوّل الحياة العاطفيّة إلى خير لصالح العائلة والحياة المشتركة، ولذلك من الأهميّة بمكان أن يُصار إلى تربية عاطفيّة موجّهة إلى خير العائلة. كما ويتحدث أيضاً عن البتوليّة كشكل من أشكال الحب على أنه لا يتعارض مع الزواج. ويُختتم بتأمّل حول تحوّل الحب مع الزمن ويكتب البابا في هذا السياق أن استمرار الزوجين في حب واحدهما الآخر عبر السنين يتطلب منهما ضرورة أن يجددا اختيارهما لبعضهما البعض على الدوام. فحتى إن لم تبقَ المشاعر نفسها طيلة الحياة لكن المسيرة المشتركة ثابتة والحب النابع من القلب يشمل الحياة بأسرها في مسيرة تُبنى يومًا بعد يوم بمساعدة الروح القدس.
الفصل الخامس: الحب يصبح خصباً
يتحدث عن استقبال الحياة في كنف العائلة، مع الإشارة إلى قيمة الجنين منذ لحظة الحبل به، وإلى أهمية النظر إليه بنظرة محبة الآب عينها. ويذكّر بضرورة احترام كرامة الطفل مع التأكيد على حاجته وحقه الطبيعي في أن يكون له أب وأم، وكلاهما ضروريان من أجل نضوجه المتكامل والمتناغم. ويشير إلى أن العائلة مدعوة إلى بناء ثقافة اللقاء، والنضال من أجل العدالة، وجعل العالم “بيتيًّا” كي يشعر الجميع بأنهم أخوة، وكي يُلوَّن شحوب الفضاء العام بألوان الأخوّة، والحس الاجتماعي، والدفاع عن الأشخاص الضعفاء، والإيمان المنير والرجاء الفاعل. كما يذكّر الأبناء بإكرام الأب والأم، ويشير إلى أنه لا ينبغي تهميش المسنين بل يجب تثمين دورهم المتمثل في نقل القيم السامية للأحفاد. فالعائلة التي لا تحترم الأجداد ولا تعتني بهم هي عائلة مفككة. ويتم التشديد على أهمية العلاقة بين الأخوة، كمدرسة كبيرة للأخوّة والعلاقات الاجتماعية والسلام، وأيضا على أهمية الشبكة التي تتكوّن حول العائلة جاعلة منها “عائلة موسّعة” تضمّ الأهل والأصدقاء وعائلات أخرى، والذين يعضدون بعضهم البعض في الصعوبات، والالتزام الاجتماعي والإيمان.
الفصل السادس: بعض الآفاق الرعوية
يقدم البابا “الدروب الرعوية الجديدة” التي ذكّرت بها المسيرة السينودسية. ويتم التشديد على أهمية أن تكون العائلات المسيحية دائما فاعلة أكثر فأكثر في رعوية العائلة وليس موضوعها وحسب، مع الإشارة إلى أهمية التنشئة الملائمة للكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات ومعلمي التعليم المسيحي والعاملين في الشأن الرعوي. ويشير إلى إرشاد المخطوبين في مسيرة التحضير للزواج لمساعدتهم على اكتشاف قيمة هذا السر وغناه، وتذكيره بأهمية الفضائل، كالعفة. ويُدعى أزواج المستقبل أيضاً إلى النظر إلى الحب الذي يوحد ويقوي وتقدّسه النعمة. كما وتتم الإشارة إلى مرافقة الزوجين في أولى سني الحياة الزوجية، كي يتمكّن كلاهما من النظر إلى المستقبل الذي ينبغي بناؤه يومًا بعد يوم بنعمة الله. وبهذا الشكل، يصبح الزواج بحقّ مشروعاً يُبنى معاً، بأناة وتفهم ومسامحة وسخاء. ويتم تسليط الضوء على أن الأبناء هم عطية رائعة من الله، كما ويتم تشجيع العائلات على النمو في الإيمان، لأن العائلة التي تصلّي متحدة تبقى متحدة.
ويتطرق إلى بعض التحديات، مع تسليط الضوء على الأزمات المتعددة التي تهدد العائلات. ويحث البابا الأزواج على عيش هذه اللحظات كفرصٍ لتعلُّم أن يكونوا سعداء بشكل جديد. ومن الأهمية بمكان القدرة على المغفرة والشعور بأنه قد غُفر لنا، كي تصبح كل أزمة كـ”نَعَم جديدة” تجعل من الممكن مجددا تقوية الحب ونضوجه وإنارته. كما وتتم الإشارة إلى نمو عدد حالات الطلاق، وهو أمر مقلق جدا. ويشدد على أهمية مساعدة العائلات على تقوية الحب وشفاء الجراح من أجل تفادي انتشار مأساة عصرنا هذه، وتحاشي أن يصبح الأبناء “رهائن” هذه الأوضاع. ويشير إلى تشجيع المطلقين الذين لم يتزوجوا من جديد على التقرّب من الافخارستيا كي يجدوا فيها الغذاء الذي يعضدهم، أما المطلقون الذين تزوجوا مجدداً فلا يجب أن يشعروا بأنهم محرومون، فهم جزء من الكنسية. ومن الأهمية بمكان أن يصار إلى تمييز متنبّه ومرافقة مطبوعة بالاحترام الكبير من خلال تحاشي لغات وتصرفات تجعل هؤلاء الأشخاص يشعرون بأنهم يتعرّضون للتمييز. فالاعتناء بهم داخل الجماعة المسيحية ليس إضعافًا للإيمان ولعدم انحلال الزواج، بل هو علامة محبة. كما وتمت الإشارة إلى الزيجات المختلطة التي تتطلب اهتماماً خاصاً، أما فيما يتعلق بالأشخاص الذين لديهم ميول مثلية، فتؤكد الكنيسة أن كل إنسان يجب أن يُحترم في كرامته بدون أي تمييز مجحف، وفي الوقت عينه -كما ذكّرت أيضاً المسيرة السينودسية- لا يوجد أي أساس لإقامة مقارنة أو تشبيه بين اتحادات مثليي الجنس والزواج والعائلة بحسب قصد الله.
الفصل السابع: نحو تعليم أفضل للأبناء
يتطرق إلى أهمية تعزيز تربية البنين انطلاقاً من مبدأ واجب الوالدين وحقهم الأساسي في تربية أبنائهم. ويحث البابا فرنسيس الوالدين في هذا السياق على أن يولّدوا لدى الابن نضوجاً لحريته كي يحظى بالذكاء اللازم للتصرف بذكاء وتنبّه في الأوقات العصيبة. ولفتت الوثيقة إلى أن التربية لا تعني التسلّط في كل الأمور بل تقتضي تعزيز حريات مسؤولة قادرة على الاختيار بذكاء وتنبّه. ومن الأهمية بمكان أن يُسلط الضوء على التنشئة الخلقية للبنين، وهو واجب يقع على عاتق الوالدين وحسب لا يمكن تفويضه لجهات أخرى. كما لا بد أن يتصرف الوالدون بحزم دون أن يروا في أبنائهم أعداء لهم لأن الابن الذي يُعاقب بمحبة يشعر أنه يحظى بالاهتمام. ومن الضرورة أن يعرف الوالدون كيف يطلبون المغفرة من أبنائهم عندما يرتكبون الأخطاء تجاههم. هذا وينبغي أن يربي الوالدون أبناءهم على القدرة على الانتظار، وهذا أمر صعب بعض الشيء في عالمنا المعاصر المطبوع بالسرعة الرقمية، وتعلّم الانتظار يساعد الأبناء على النضوج كي يصيروا أسياد ذواتهم وينموا بالحرية المسؤولة. ويشدد على أهمية ألا يقع الأطفال ضحية ما سماه بـ”التوحد التكنولوجي” أي عندما نرى اليوم العديد من الأطفال والمراهقين منفصلين تماماً عن العالم الواقعي. وتتضمن الوثيقة مقطعاً كاملاً مخصصاً للتربية الجنسية الواجب أن تُقدم في إطار التربية على الحب والعطاء المتبادل. هذا ويجب أن يتعلم البنون كيفية الحفاظ على الحشمة التي تحول دون جعل الأشخاص مجرد سلعة. فيما يتعلق بالانتماء الجنسي يشدد البابا على أهمية أن يتم التمييز بين الجنسين لأن هذا الأمر مرتبط بعمل الله. ويُختتم بالإشارة إلى ضرورة أن تبقى العائلة المكان الملائم الذي يتربى فيه الأطفال على جمال الإيمان ويتعلموا كيفية الصلاة وخدمة الغير.
الفصل الثامن: مرافقة الهشاشة، تمييزها ودمجها
يسلط على عقيدة سر الزواج التي تعكس العلاقة بين المسيح والكنيسة وتعبر عن العلاقة الحرة والأمينة بين رجل وامرأة. كما لا بد والحالة هذه من مرافقة العديد من المؤمنين الذين يعانون من الهشاشة، ورعاة الكنيسة مدعوون في هذا الإطار إلى تعزيز الزواج المسيحي. أما فيما يتعلق باتحادات الأمر الواقع والمساكنة فمن الأهمية بمكان أن تتعامل الكنيسة مع هذه المسألة بطريقة بنّاءة ترمي إلى السير بها نحو ملء الزواج والعائلة في ضوء الإنجيل. وفي هذا السياق يحث البابا رعاة الكنيسة الكاثوليكية على أن يدركوا أن طريق الكنيسة هي طريق يسوع: طريق الرحمة والاندماج، كما يلفت إلى أن الأوضاع تختلف عن بعضها البعض نظراً لاختلاف أوضاع الأشخاص لذا من الضروري أن يتم تمييزٌ فردي ورعوي من قبل رعاة الكنيسة لأنه لا توجد وصفات سهلة وبسيطة. ويؤكد أن الجمعية العامة لسينودس الأساقفة وهذا الإرشاد الرسولي لا يسعيان إلى تقديم قواعد عامة قانونية يمكن تطبيقها في جميع الحالات. من هذا المنظار لا بد أن يقوم الأشخاص المطلقون والمتزوجون من جديد بـ”فحص ضمير” قادر على تعزيز ثقتهم برحمة الله. كما لا يمكن أن نعتبر أن جميع الأزواج الذين يعيشون أوضاعاً غير قانونية هم في حالة من الخطيئة الخلقية، لأنه غالبا ما توجد عوامل أخرى تحول دون اتخاذ القرارات الملائمة كالخوف والعنف وعدم النضوج العاطفي. ويشير البابا أيضا إلى أن كرسي الاعتراف يجب ألا يتحول إلى عرفة للتعذيب كما أن الإفخارستيا ينبغي أن تكون غذاءً للضعفاء، داعياً إلى تعزيز العمل الرعوي من أجل توطيد عرى الزيجات والحيلولة دون فشلها.
الفصل التاسع: الروحانية الزوجية والأسرية
يتطرق الفصل الأخير إلى الروحانية الزوجية والأسرية ويدعو إلى عيش الصلاة داخل العائلة كأداة مميزة تعبر عن الإيمان وتقويه، مشيراً إلى أن المرء يعيش وسط العائلة روحانية المحبة الحصرية والحرة. في الختام يدعو البابا الأسرة لأن تخرج من نطاقها لتقدّم ما لديها إلى الآخرين، مذكراً بأن العائلة ليست واقعاً كاملاً لا عيب فيه، إنما تعيش نمواً تدريجياً لقدرتها على المحبة.