نيفين جادالله
قام بالأمس نيافة الحبر الجليل الأنبا مقار أسقف الشرقية و العاشر من رمضان بإلقاء محاضرة عن مردات الأناجيل في الطقس القبطي، وذلك في اليوم الثاني من فاعليات الملتقي الأول لباحثي القبطيات العرب التي نظمته مكتبة الإسكندرية.
وأوضح نيافة الأنبا مقار من خلال مناقشتة البحثية عن مدي عمق دراسة الكتاب المقدس في كنيسة الأسكندرية وعلاقتها بمردات الأناجيل في الطقس القبطي، كما أوضح علاقة تلك المردات بالكتاب المقدس.
وشرح نيافته:أن هذه العلاقة قد بدأت مبكراً جداً
1- بدأت قبل ميلاد المسيح بثلاثة قرون حيث تمت الترجمة السبعينية (Lxx) Septuagint (246-253 ق.م) في عهد بطليموس فيلادلفيوس (246-309 ق.م)الثاني وهي الترجمة التي حفظت لنا نصاً عبرياً أقدم بألف سنة من النص العبري الماسوري المحفوظ لنا اليوم.
2- في القرن الأول الميلادي جاء مارمرقس إلي الإسكندرية وبشر بالإيمان وكتب لنا إنجيله الذي يعتبر أقدم ما كتب من الأناجيل.
3- في القرن الثاني الميلادي ظهرت مدرسة الإسكندرية مسيحية لتدافع عن الإيمان المسيحي والكتاب المقدس ومن أشهر رجالها أثيناغورس، بنثينوس وأكليمندس السكندري. وفيها ظهر أوريجانوس صاحب الهكسابلا، حيث وضع الكتاب المقدس في ستة أعمدة متقابلة بلغات مختلفة للمقارنة بينهم وهو أيضاً الذي نبغ في التفسير الرمزي للكتاب المقدس.
ومن علماء مدرسة الإسكندرية أيضاً “البابا ديونسيوس الرابع عشر، البابا أثناسيوس الرسولي العشرون، البابا كيرلس عمود الدين الربع والعشرون، وهم الذين دافعوا عن العقيدة الأرثوذكسية ضد موجات الهراطقة التي واجهت الكنيسة.
4- في القرن الرابع أيضاً ظهر الإتجاه النسكي والرهبنة ومعهما ظهر الإتجاه التطبيقي للكتاب المقدس في الحياة العلمية من خلال الإهتمام بخلاص النفس وهو ما نراه واضحاً في عظات الأنبا أنطونيوس والأنبا باخوميوس وفي كل الكتب القبطية.
وذكر نيافته بعض أقول الأباء التي نلمح من خلالها أهمية قراءة الكتاب المقدس وتطبيقه في الحياة الروحية؛ منها:
1- قول الأنبا أنطونيوس: ” أتعب نفسك في قراءة الكتب وإتباع الوصايا (التطبيق العملي) تأتي رحمة الله عليك سريعاً “
2- قول لأحد الشيوخ: ” قراءة الكتب تقوم العقل”
وأكمل نيافته أن الكتاب المقدس هو الروح والحياة الذي به عاشت الكنيسة الكبطية بطقوسها وعقيدتها وأبائها في القرون الماضية؛ وسنحيا فيها أجيالاً وأجيال نشرب ونرتوي من حبها حتي نتلاقي معه علي السحاب.
وأشار “الأنبا مقار” بحثه أن لكل إنجيل يقرأ في الكنيسة القبطية مرد خاص به، ونستطيع أن نلمح من خلال هذه المردات “خمس طرق مختلفة للحياة من خلال الكتاب المقدس” وهم:
1- إختيار أية محورية ثم إعادة ترديدها.
وهو يشبه الهذيذ في أبسط صوره مما يجعل هذه الأية تترسخ في أعماق النفس.
ومثال ذلك إنجيل باكر عيد النيروز التي تحتفل به الكنيسة في (1 توت )(مر2 : 22-18)، ويتحدث الإنجيل عن الرقعة الجديدة والثوب العتيق والخمر الجديدة والزقاق العتيقة؛ وقد إختار المرنم الأية (22) كمرد إنجيل وهو: ” لكن تصب خمر جديدة في زقاق جديدة، ليس أحد إذا شرب القديم يريد الجديد “
وغيرهم العديد من الأناجيل التي تم إختيار أيات منها لتكون مردات خاصة بها .
2- إختيار أية ثم تطبيقها روحياً:
هنا المرد لا يتوقف عند الترديد اللفظي نص الأية ، ولكنه يحمل التطبيق والتنفيذ الفوري لهذه الاية؛ وهذه الطريقة هي أبسط أنواع التأمل الروحي الذي يفتح للإنسان مجالات فهم المعني أولاً ثم الحياة بالأية عملياً.
وعلي سبيل المثال: في إنجيل عشية أحد الرفاع (مر11: 26-22)، حيث يتحدث الإنجيل عن أن الصلاة بإيمان تنقل الجبل من موضعه “لذلك أقول لكم كل ما تطلبونه حينما تصلون فأمنو أن تنالونه فيكون لكم”(ع 24) يأتي المرد تطبيقاً لهذه الأية “إقبل إليك صلواتنا وطلباتنا أغفر لنا أثامنا وأصفح عن زلاتنا “.
ونجد ذلك في العديد من الأناجيل التي تحمل مردات خاصة بها بنفس الأسلوب.
3- مردات خاصة بعيد سيدي أو حدث إنجيلي معين:
والحدث هنا هو موضوع التأمل وليس أية بعينها حتي نستطيع أن نعيش الحدث الإنجيلي كإختبار حي معاش وليس تاريخاً مقروءاً.
أولاً: المردات الخاصة بعيد سيدي:
مثال: عيد القيامة هو عيد الأعياد، وقد وضع الطقس بهذه المناسبة مجموعة مردات لكل يوم من أيام الأسبوع الأول.
ثانياً: مردات خاصة بأحداث إنجيلية
مثال : مرد إنجيل قداس الأحد الأول من شهر بابة (مت 14: 15-21) الذي يتحدث عن معجزة إشباع الجموع لذلك يقول المرد: ” خمس خبزات وسمكتين باركتهم يا مخلصنا ، خمسة ألاف رجل أشبعتهم، إثني عشر سلة زادت لهم “. وغيره العديد من المردات التي تقال في أناجيل قداسات كلاً من ” سبت الفرح، أحد التجربة، عشية الأحد الأول من شهر أمشير؛عن معجزة هياج البحر وكيف أن الرب يسوع مشي علي المياه، الأحد الرابع من شهر كيهك عن ميلاد يوحنا “
وهنا نلاحظ أن الكنيسة تعبر عن الحدث الإنجيلي بكلمات بسيطة سهلة الحفظ ، وذلك من “خلال التوازن الموسيقي للربع” .
ونلتمس من خلال تلك المردات رنين الفرح في السماء مع الملائكة، وفي الأرض مع النسوة الكل يفرح بخلاص البشرية .
4- إختيار حدث معين وتطبيقه روحياً:
فمن خلال ترديد الأية وتطبيقها في الحياة الروحية ومعايشة الحدث الإنجيلي بعد مزجه بالعقيدة الأرثوذكسية؛ ندخل من عمق لعمق في الحياة الروحية.
مثال: مرد إنجيل باكر الأحد الأول من الصوم الكبير(مت 7: 22-29) يتحدث الرب عن البناء الروحي علي الصخر فينتهز الطقس هذه الفرصة ويقول المرد “يارب ستبني نفوسنا علي صخرة الإيمان وليس علي رمل الفساد لكي لا نسقط (سقوطاً) رديئاً “، وهنا وضع المرد صورتين متقابلتين؛ هما: ” البناء علي ضخر الإيمان والبناء علي رمل الفساد والخطية” ونجد في ذلك منتهي القوة والإختصار.
وفي ذلك كثيراً من المردات بنفس القوة والعمق الروحي.
5- مردات خاصة بأعياد قديسين:
يختلف هذا النوع قليلاً عن الأنواع السابقة، وذلك لأن مرد الإنجيل يرتبط بقديس اليوم أكثر من إرتباطه بقراءة اليوم، مع العلم أن قراءات اليوم مرتبة حسب ما يميز هذا القديس.
مثال:
1- عيد الأنبا أنطونيوس التي تحتفل به الكنيسة في (22 طوبة) يقرأ فصل (لو12: 32-44) القطيع الصغير.
2- عيد الشهيد العظيم مارجرجس التي تحتفل به الكنيسة في (23 برمودة) يقرأ فصل (لو12: 32-44)”تكونون مبغضين من الجميع”
3- أعياد السيدة العذراء مريم يقرأ فصل (لو1:39-56) عن زيارة مريم لأليصابات
4- تذكار رئيس الملائكة الجليل ميخائيل ” يوجد فرح وتهليل من قبل إلهنا عمانوئيل، أعطاها لميخائيل من أجل شفاعاته إرحمنا ياسيدنا” ونجد هنا إلي حد ما التوازن الموسيقي بين الشطرات في كلمة “تهليل” في الشطرة الأولي، و “عمانوئيل” في الشطرة الثانية و” ميخائيل”في الشطرة الثالثة.
وأختتم الأنبا مقار محاضرته البحثية وأوضح أن الهدف من هذه المردات هو أن نربط بين الأنجيل من ناحية والمناسبة الكنسية من ناحية أخري ليتلاقي الإثنان داخل القلب لنحيا سامعين عاملين بالكلمة.
وفي نهاية المحاضرة قام بعض الحاضرين بتوجيه أسئلة لنيافته التي أجاب عليها
شارك بالملتقي ممثلين عن كافة أطياف االشعب المصري بمسلميه ومسيحييه منهم العديد من الكتاب والباحثين في القبطيات والفنانون .
جدير بالذكر ان الملتقي ضم معرضاً للصور القبطية كما ضم معرضاً للكتب التي نالت إعجاب الحاضرين الذين قاموا بشراء بعض الكتب للإحتفاظ بها.