إلى إخوتي الكهنة الاحباء والراهبات الفاضالت،
وأبناء الكنيسة األرمنية الكاثوليكية في اإلسكندرية وأورشليم والأردن،
وإلى المؤمنين بالمسيح أبناء الكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية، المؤمنين في العالم كله
اليوم، نفرح ونبتهج ومع المؤمنين في العالم كله نرنم قائلين: المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور، له المجد أبد الدهور”.
قيامة المسيح بعد اآلمه وموته، أصبحت أساس إيماننا وسبب فرحنا. هي في إيماننا الجوهر والمحور بحيث أن المسيحية لا يبقى لها أي معنى إذا لم تتم قيامة المسيح من بين الأموات. إن عقيدتنا لا تبنى على تعاليم المسيح وأقواله وحدها فقط، بل تبنى على شخصه بالذات وعلى مبادراته وأعماله.
المسيح مات وقام من أجل خطايانا:
إننا ندعوكم في هذا اليوم األغر، وأنتم تتأملون بعظمة سر القيامة، أن تضعوا نصب عيونكم حدث القيامة كما أكده الرسولان بطرس وبولس عامودا الكنيسة ومعلماها الأولان. فبطرس هامة الرسل ورئيس مصاف الإثني عشر الذين تبعوا يسوع ينادي في عظته الأولى أمام الشعب بعد أن إمتلأ من الروح القدس في أورشليم، ويقول: “أيها الرجال إسمعوا هذا الكلام: إن يسوع الناصري، ذاك الرجل الذي أّيده الله لديكم بما أجرى عن يده بينكم من المعجزات والأعاجيب والأيات، كما أنتم تعلمون، ذاك الرجل الذي أسلم بقضاء الله وعلمه السابق فقتلتموه إذ علقتموه على خشبة بأيدي الكافرين، فقد أقامه الله وأنقذه من أهوال الموت.. ونحن بأجمعنا شهوٌد على ذلك… فليعلم يقيناً بيت إسرائيل أجمع أن يسوع هذا )الذي صلبتموه أمنتم قد جعله الله رباً ومسيحاً (أعمال الرسل 2: 22 – 36 ).
أما بولس رسول األمم، واللاهوتي الأول في الكنيسة ربط حقائق المسيحية بعضها ببعض، وربط قيامة الموتى بقيامة المسيح مؤكدا بقوله: “إن المسيح قد قام من بين الأموات وصار بكر الراقدين. وكما أن الموت كان بإنسان واحد كذلك بإنسان واحد تكون قيامة الأموات.. وإذا لم يكن المسيح قد قام فتبشيرنا باطل وإيمانكم أيضاً باطل، ولا تزالون بخطاياكم” (قورنتس الأولى 15: 12 – 21)
إن الموت والقيامة في تعليم القديس بولس لا يعنيان موت الأجساد بل وقيامتها أيضا بعد موتها، ويشير أيضا إلى موت الإنسان عن أعمال الرحمة والخير بفعل الخطيئة. لذلك يشير بولس إلى أنه بآدم يموت جميع الناس وكذلك بالمسيح فإنهم مدعوون إلى الحياة والقيامة.
ومع بطرس نحن نعترف بأن يسوع هو المسيح، ومع بولس نؤمن بأن المسيح هو آدم الثاني الذي أسس للإنسانية تاريخاً جديداً، وأقام لها بدمه المهرق على الصليب، وبقيامته المنتصرة من بين الأموات عهداً جديدا قوامه الحب والمصالحة والأخوة والسلام. ومنذ أن قُسم التاريخ إلى ما قبل المسيح وما بعده، بدأنا ننظر إلى الإنسانية الجديدة نظرة رحمة ونتشوق إلى تحررها مما يكبلها من قيود لتصل يوما على هدي من المسيح وبقوة التغيير المنبثقة من قيامته المجيدة إلى وضع آخر لها “ملؤه النعمة والحق” ( يوحنا 1: 14)
وعندما يتحقق هذا التغيير يكون ملكوت الله قد اكتمل فيما بيننا. وقد أعطانا المسيح بفضل هذا الإيمان أن نمزج معه كل آلام الناس وعذاباتهم وأوجاعهم وشقائهم بآلامه وموته.
فلذلك فإن عيد القيامة يطل علينا في كل عام حاملا معه آمالاً وآفاقاً مجّددة في النفوس، ومانحاً عزماً على الاستمرار في الجهاد الروحي حتى النهاية
إن إختبار تلميذي عماوس (لوقا 24: 13 – 35) ، بعد لقائهما بالمسيح القائم بين الأموات أمثولة لنا في تعزيز هذه الثقة بقدرة الله على تغيير ما في داخلنا. لقد كان هذان التلميذان يعودان خائبين في اليوم الثالث بعد الصلب إلى قريتهما، وإذا بالمسيح يظهر لهما في الطريق ويرافقهما حتى وصولهما إلى البيت بعد أن مال النهار. وما إن عرفا الرب يسوع عند كسر خبز الحياة حتى رجعا على الفور إلى أورشليم مذهولين وقد انقلب حزنهما إلى فرح ويأسهما إلى انتصار وحياتهما إلى رسالة في سبيل بشارة الإنجيل.
نعم القيامة:
أما الِنعم التي ننتظرها من عظمة سر القيامة فهي في نفوسنا بالمحّبة والرحمة والشفقة والخير، ومن ثم المصالحة والسلام في حياتنا الجماعّية والفردّية على كل المستويات، إنطلاقا من المجتمع ووصولا إلى الوطن ومن ثم إلى العالم بأجمعه. ولا نستطيع أن نتحجج فيما يخص تغيير حالنا من الداخل نحو الأفضل لأن مثل هذا العمل يتطلب تجاوباً مع الآخرين. فنحن في هذا التجدد أحرارا من أي قيد خارجي والمسيح يدعو كل واحد منا أن يكون بذاته حجراً حياً للبناء في ملكوت الله.
لقد كانت قيامة المسيح من بين الأموات انتصاراً شخصياً له، والمطلوب أن يتحّول إلى انتصار لكل واحد مّنا فنربط قوى الخير والرحمة والسلام والمصالحة فينا بقوة المسيح.
القرار إذا قرارنا، وانتصار المحبة في حياتنا يتطلب منا قناعة لتغيير الإنسان القديم الممزق، لنفسح المجال لبزوغ إنسان جديد فينا على شبه المسيح ومثاله. فإذا أقدمنا على اتخاذ هذا القرار الحاسم، فإن كل ما فينا من مواهب وِنعم ستبرز عندئٍذ إلى حيز الوجود. فيتعاظم الصدق في الكون وتغلب الاستقامة وتسمو بنا القيم لنصبح أهلا أن ندعى بحق تلاميذ المسيح المنتصر على الشر والخطيئة. وفي هذا المجال يلهمنا عيد القيامة إلى السير في أثر المصالحة التي تغير وجه العالم، وفي أثر السلام الذي يؤمن لنا أجمل وأفضل مذاق للحياة.
فالقيامة هي المصالحة بين الأرض والسماء، ألن ال رب يسوع على صليبه دفع دمه الذكي ثمنا لتحقيقها. والقيامة أيضا هي المصالحة بين الأرض وسكانها وشعوبها وقبائلها وسائر مجتمعاتها، لتصبح واحدة موحدة، ويصبح الناس فيها إخوة متضامنين ومتحدين.
والقيامة تدعو إلى بتر العداوة والبغض في النفوس وانتزاعها من أصولها فلا يبقى منها أثر في الضمائر والعقول والقلوب.
سلامي أعطيكم، سلامي أمنحكم
من المصالحة ننتقل إلى السلام، السلام الداخلي والسلام الخارجي. ونحن نريد أن يحل السلام في بلادنا وفي قلوب الجميع دون استثناء فيقبل بعضنا البعض قبولاً تاماً حقيقياً. وننبذ من حياتنا كل عنف وحقد وبغض وعداوة. ونمد أيادينا لعمل الخير وبناء المجتمع والوطن. وإذا حصل بيننا جدال وسوء تفاهم. فالنقتنع جيداً بأن الحوار وحده يقودنا إلى الحلول الناجحة والبناءة. المسيح يأمرنا بالمحبة “حّبوا بعضكم بعضاً”، وليس على المؤمنين سوى الامتثال لأمره القدوس والانصياع له انصياعا تاما لا جدال فيه.
في هذه الظروف العصيبه التي يمر به العالم شرقا وغرباً، وبلادنا العزيزة وشرقنا الحبيب خاصة فإننا نريد لمواطنينا الأعزاء أن يتضامنوا معاً في المجالات الحيوية كافة، ليعبروا بحر العواصف ويصلوا بوطنهم إلى شاطئ السلام والأمان.
فوحدة صفوفنا اليوم هي شرط جوهري لمضاعفة وزن حقوقنا ومصالحنا العامة في حلبة الصراع الدولي من أجل المستقبل. وجميع ثرواتنا ومقدراتنا كلها مطلب أساسي من أجل حل الأزمة االقتصادية والمعيشية خاصة التي بدأت تشد الخناق على الغالبية العظمى من الطبقة الفقيرة والمحتاجة.
إن قيامة المسيح هي دائما أبداً قيامة للحق فلا نخشى ولا نخاف عليه من الضياع. وانتصار المسيح هو انتصار كامل للتضحية والمحبة الحقيقية.
فلتكن محبة المسيح القائم من بين األموات في قلوبكم، وإله الصلح والرحمة والرأفة والسالم يكون معكم، وُيغِدق عليكم فيضا . من نعمه وبركاته.
المسيح قـام… حقـاً قام