ان زواج القاصرات هو تلك القضية قديمة العهد التى عرفت منذ قرون في مجتمعنا واتخذت اشكالا متنوعة عبر تعاقب السنون ،وعلي الرغم من حملات التوعية المجتمعية التى شنتها مؤسسات المجتمع المدنى والاعلام ،الا اننا نجد انفسنا لازلنا بصدد القضية ذاتها ولاسيما في بعض قري ونجوع الصعيد ،بل واتخذت اشكالا اكثر مهانه للصغيرات اللاتي يدفع بهن لأيدي العجائز العرب والمصريين فى ظل بيئات يحكمها الفقر المدقع والجهل المطبق ،مما يجعل الفتيات هن الفريسة الاسهل والاقدر علي جلب المال تحت مظلة الزواج ، ونظرا لاستمرار القضية لذا سعينا مجددا لكشف الستار لعلنا نقضي علي هذه الظاهرة تماما ذات يوم ونرحم بناتنا من تحمل نتائج الاوضاع الخاطئة
فقالت لنا في مستهل الحديث “د. سامية خضر” أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس : “إن زواج القاصرات قضية قديمة الارث وان لم يكن بحدته المعهودة منذ اعوام مضت،حيث ان نسبة الفتيات المتعلمات والملتحقات بالجامعات زادت بل وتضاعفت مئات وألاف المرات ، كما اصبحت المرأة اليوم تخرج للعمل في المصانع والمؤسسات المختلفة وباتت اكثر وعيا .
الا ان هذا لا يجعلنا نغفل عن بعض قري ونجوع الصعيد التى لازالت تمارس بعض العادات المرتبطة بقهر الفتيات تحت مزاعم العفة والشرف وعلي راسهم ختان الفتيات وزواج القاصرات ،علي الرغم من كل حملات التوعية التى نادينا بها عبر اجيال وسنون طوال.
واشارت “د. سامية” الي اننا لازلنا نحتاج الي المزيد من العمل والتوعية مرة اخري ،كما رأت ضرورة ووجوب تفعيل دور الزائرات الصحيات في مختلف القري لأنهن الاكثر تاثيرا علي توعية الفتيات والامهات من مخاطر مثل هذه الانواع من الزواج ،كما لفتت واكدت علي دور الاعلام حيث قالت ان الاعلام هو القاطرة التى تجذب المجتمع نحو التنوير مؤكده اننا قد وصلنا في مجتمعنا ومشاكله الي مرحلة يتحتم عندها التوقف عن هذا الابتذال الكارثي الذي يبث لنا ولابنائنا ،ولابد من اعادة انتاج افلام توعوية مثل افواه وارانب ، والمراهقات ، واريد حلا ، واين عمري ،وانا حرة ،وامرأة علي الطريق وغيرها من افلام كانت تبث التوعية لمجتمعنا ولاسيما ان الافلام لها دور عظيم في تشكيل الثقافة المجتمعية ، وشددت علي دور المناهج التعليميه التى لابد ان تحوي علي نصائح ودروس توعوية للفتيات القاصرات وزيادة عدد المدارس ، واكدت علي دور القوي الناعمة في وسائل الاعلام فى بث الوعي في قلوب وعقول المجتمع.
ويوافقها الرأى “د. أحمد مزيد” أستاذ الطب النفسي الذى يرى إن زواج القاصرات هو إرث إجتماعي يرجع الي الجاهلية ،حيث كن تباع الفتيات للتجار الرحالة من الشام الي الحجاز في شبه الجزيرة العربية، مايعرف بعهد الجواري ،ومع دخول عصر الاسلام اختفي الامر نسبيا ،ولكن استمرار الجهل والامية والفقر جعل بعض الفقراء يلجئون لتزويج بناتهم بحثا عن مورد مادى تعيش منه الاسرة التى يكثربها الأبناء ولا تطبق ما يعرف بتحديد النسل ، فنجد الامر بات قاسيا عليهم من كثرة عدد الابناء وكذلك لشدة الفقر وضيق المعيشة ،فيلجئون لهذه الوسيلة لحل ازماتهم .
واكمل “مزيد” كلامه قائلا :”لقد تطور الامر كثيرا مع ظهور الاثرياء العرب في فصول الصيف المتعاقبة وقدومهم الي مصر ،مما ساهم في ظهور نظام سماسرة المتعة ويتخذ الأمر منحى قانوني ،فنجد ان هذا السمسار لديه أجندة عمل خفية تحوى الكثير من الزبائن الاثرياء الذين ينتظرهم كل عام ،وعلي الجانب الاخر اسماء الكثيرات من الفتيات الفقيرات ليوفق رأسين في الحلال من أجل المتعة والمال لمدة تتراوح من أيام الي شهر أو اثنين علي الاكثر عن طريق عقد زواج أو مايعرف بعقد الزواج العرفي ، ثم يعود الزوج إدراجه الي بلده مرة اخري متناسيا جميع ماحدث بعد دفع مبلغ مالي متفق عليه لتصبح الفتاة شاغرة تنتظر ثري آخر يرشحها لديه السمسار مرة أخري وتستمر عجلة المنظومة تدور بين تروسها من أجل الحصول علي المال والمتعة المزعومين.
كما ذهب “د. عبد المطلب السنى ” أستاذ علم الاجتماع السابق بجامعة الاسكندرية في حديثه نحو : الكبت الاسري الذى تخلقه الظروف المعيشية الصعبة والجهل مع الانفتاح المجتمعى والفكرى والثورة المعلوماتية التى نعيشها وإزدهار عصر العولمة ،اصبحت بعض الفتيات تقرر الهروب من براثن الواقع الضيق الي عالم أرحب خارجى ،لايحكمه الضوابط ولاتخنقه العادات والتقاليد، ولايوجد به الاسئلة المتكررة للاسرة ،متى ،الي أين ،لماذا ،كيف ،وبعيدا عن منظومة الصواب والخطأ.
فسريعا يستضيفهم عالم آخر يشبع رغباتهن واحتياجاتهن الجائعة من مال وملبس ومأكل.. الخ ،فتجد الفتاة نفسها أمام عرض زواج تعتقد أنه سيخرجها الي عوالم الحرية المضيئة التى تسعي إليها. لذا يتحتم وجود عدة أمور تعمل معا كنسيج واحد لإحتواء الازمة .
أولها: التعليم يجب ان لا يقتصر علي الابناء دون الفتيات ،فالاسرة المتعلمة والمتفهمة لواقع الحياة والتغيرات البيولوجية التى تطرأ علي الفتاة في الغالب ستكون أكثر استيعابا لفكر بناتهم.
ثانيا :لابد ان تحتوي المواد الدراسية علي مواد تعنى بالاخلاق والتربية والصحة الجنسية والنفسية والتوعية بأضرار الزواج المبكر.
ثالثا: علي الام التى لابد ان تكون هي الاقرب لإبنتها ان تمتلك اجابات وافيه تشارك بها ابنتها وان تكون هناك دائرة من الحوار بينهما ، لئلا تخرج الفتاة تبحث عن اجوبة لأسئلتها بالطرق علي ابواب اخري اقل أمانا عليها، فدور الام ان تكون هي دوما الصديقة الاقرب لابنتها والاذن المصغية لها بغير ضجر ، والعقل المحتوى والامين علي اسرار ابنتها.
رابعا : لابد من قصر عدد الابناء علي اثنين او ثلاثة علي الاكثر من اجل العيش الكريم وتلبية احتياجات الابناء وتحقيق مستوى معيشي وتعليمى واسري سليم ، بالاضافة الي،ضرورة الاعتناء والتربية علي مبادئ سليمة ونهج واضح.
خامسا : لابد من وجود قوانين تشريعية رادعة فاعلة تردع كل من تسول له نفسه في المساعدة علي انتشار مثل هذه الفيروسات المجتمعية.
سادسا : لابد من التركيز علي المنبر الدينى من مسجد وكنيسة وملامستهم لواقع الحياة والامساك بزمام الامور لمعالجتها بشكل مبسط يتسع للمواطن البسيط اولا ، ولابد لهم من تنظيم كافة الندوات التوعوية والزيارات المنزلية للاهالي لتوعيتهم والحديث معهم حول خطورة تزويج بناتهم في سن مبكرة.
سابعا: غرس الوعي من خلال البرامج الاعلامية والاعمال الدرامية التى لابد ان تبث الفكر المستنير والتوعية والارشاد من اجل رسالة متكاملة يقوم بها المجتمع كافة.
يؤكد “أسامة توفيق” المحامى ان لدينا مواد في القانون تجرم زواج القاصرات بالفعل الا ان المأذون الخاص فى بعض المناطق يتلاعب بالامور ويتكمن من تزوير سن الفتيات ويصعب اكتشاف الامر ،ناهيك عن كون مواد القانون غير فعالة ولارادعة فالامر يقتصر في زواج الفتيات القاصرات علي سنتين حبس في اصعب الامور او غرامات مادية بنحو 300 جنيه ،وهو مايجعل ضعاف النفوس لايهابون من تزويج بناتهم ،الي جانب انتشار العقود العرفية التى تضيع حقوق الفتيات وتضعهن في مهب الريح امام المجتمع بعد ان يتم تمزيق اوراق زواجها، وتصبح غير قادرة علي اخذ حقوقها او نسب نسلها لآبائهم الحقيقيين.
ولإكتمال الصورة تحدثنا الى “المأذون أمين البنجى “عن منطقة عين شمس الذى قال ” ان زواج القاصرات لازال موجودا حتى في المجتمعات المتحضرة بشكل كبير في المجتمعات الشعبية والاحياء الفقيرة ،والامر لايقتصر علي الريف فقط ، فنجد الاهالي يتحايلون علي القانون والتعليمات و الاعراف المجتمعية ليزوجوا بناتهم القاصرات .
ارجع ” البنجى “الامر لضعف عقوبة المخالف والتى لاتتجاوز سنتين وغرامة بمبالغ زهيدة حسب القانون المصري ،مما ساهم في نشر هذه الظاهرة دون الخوف من عقوبة تطالهم .
كما اكد ” البنجى”ان المأذون ليس عليه مسئولية أو حرج فيما يتعلق بزواج الفتيات القاصرات،حيث ان مثل هذه العقود في غالبها عقود عرفيه وغير رسمية مما لايقوم المأذون بالتوقيع عليها ، وفي حال ابرام عقود رسمية فليس هناك جهات مراقبة للمأذون سوي مايعرف بالقلم الشرعي الذي من وظيفته مراجعة الاوراق والعقود الا انه ونظرا لتكالب الاعمال علي اكتافه وزيادة الاعباء وزيادة الاعداد في حالات الزواج والطلاق اصبح من الصعب علي القلم الشرعي مراجعة اي عقود تبرم .
هذا وقد اشار البنجى في كلامه حول مخاطر الزواج للقاصرات او دون الثامنة عشر من عمرهن الي انه في حال العقود الرسمية يتم تزوير تاريخ الميلاد للفتاة وبعد ابرام عقود الزواج يصبح المأذون غير قادر علي تسليم احدى نسخ العقد المبرم لمصلحة الاحوال المدنية لتسجيل الزواج بشكل رسمى والتمتع بالخدمات الصحية التى تقدمها الدولة خوفا من انكشاف امره في تزوير تواريخ الميلاد وهو ما يضعنا تحت طائلة عدم قدرة الاسرة علي تسجيل ابنائهم فيما بعد وعدم القدرة علي علي اعطائهم التطعيمات اللازمة والالتحاق بالمدارس ولا استصدار بطاقات الهوية الشخصية ، وهكذا تذهب حقوق الفتيات القاصرات ادراج الريح، فنحن بصدد قضية مجتمعية بغير حل او قوانين رادعة تقف في وجه الاهالي وضعاف النفوس.
وفي الختام تبقي قضية زواج القاصرات هي ذات القضية التى لازلنا نطرق ابوابها لأعوام تلو أعوام عل من يسمع ويتعقل قبل ان يوقع ابنته في شرك هذا الزواج الذي يسلبها كل شئ ، ويجعل منها فريسة سهلة المنال لكل من هو قادر علي الدفع مقابل ورقة زائفة بحجة الزواج، وابناء هم اشبه بالقنابل الموقوتة بغير حقوق او شهادات تثبت وجودهم.