من المعتاد وحتى القرن التاسع الميلادى أن يُرسِل أساقفة الأسكندرية ، رسائل إلى كل كنائس مصر ليعلنوا فيها ميعاد عيد الفصح وبدء الصوم المقدس فى كل عام. واتخذت هذه الرسائل الشكل الرعوى في حض المؤمنين على الصوم والاهتمام بالعيد.
حيث يُعتبر عيد الفصح من أقدم وأكبر الأعياد السنوية فى الكنيسة ، فقد بدأ الاحتفال بهذا العيد الهام منذ القرن الأول الميلادى، فاتبع مسيحيو آسيا الصغرى وإنطاكية التقويم العبرى ، فكانوا يعيدون الفصح فى 14 نيسان ، الذى قد يقع فى أى يوم من أيام الأسبوع ، أما كنائس الأسكندرية وروما والغرب، فكانت تصر على أن يكون الاحتفال بصلب المسيح فى يوم ” جمعة ” وبالتالى يكون الاحتفال بالقيامة يوم ” أحد “غير أن تاريخ الاحتفال بعيد القيامة أصبح يشغل الكنيسة كقضية أثير حولها الجدل العنيف خصوصا بعد القرن الثانى الميلادى، الأمر الذى نوقش في عدة مجامع بلغ عددها ستة دون التوصل إلى نتيجة مرضية أو إلى حل يوافق الطرفين .. وبقى هذا الموضوع على نفس المنوال إلى أن انعقد مجمع آرل (Arles) سنة 314م ، والذى حُدد فى قانونه الأول أن الفصح المسيحى يجب أن يُحتَفل به فى يوم واحد فى كل الكنيسة “، على أن يكون يوم أحد إكرامًا لذكرى القيامة ومغايرًا لليوم المحدد فى الحساب اليهودى للفصح غير أن هذا القرار لم يُنفذ على مستوى المسكونة.
وعن المجمع المسكونى الأول (مجمع نيقية) وعيد الفصح يؤكد الدكتور جوزيف موريس على ان قضية تحديد ميعاد عيد الفصح مَثلّت ثانى أكبر الموضوعات التى ناقشها مجمع نيقية 325م.
ولما كان تحديد ميعاد عيد الفصح سنويًا يحتاج إلى دراية فلكية واسعة وعمليات حسابية دقيقة، فقد كَلَفَ المجمع أسقف الأسكندرية أن يحدد موعد الفصح، ويُبلغ بذلك باقى الكراسى فى المسكونة، ولقد تم اختيار الأسكندرية للقيام بهذا العمل لخبرتها السابقة إذ كانت تحدد ميعاد الفصح لسائر الإيبارشيات المصرية وعن قضية عيد الفصح فى الأسكندرية بعد مجمع نيقية اضاف الدكتور جوزيف موريس.
رغم أن قضية تحديد ميعاد الفصح وبدء الصوم صارا تقليدًا راسخًا لأسقف الأسكندرية، إلاّ أن هذه القضية قد عاودت الظهور فى كرسى الأسكندرية فى القرن التاسع فيحفظ لنا التراث العربى المسيحى معلومات يخبرنا بها كاتب سيرة البابا سانوتيوس البطريرك الـ55 (859ـ880م) عن أن ” جماعة من الناس قالوا بأن الفصح فى السنة التى صُلب فيها المسيح كان فى اليوم السادس عشر من شهر برمودة وكان الأب شنودة (سانوتيوس) مهتم بهذا الأمر إلى أن أظهر لهم الصواب وحققه عندهم وهو أن القيامة المقدسة كانت فى سنة خمسة ألف وخمس مائة وأربعة وثلثين للعالم وأن الصلبوت كان فى يوم جمعة السابع والعشرين يومًا خلت من برمهات وهذا اليوم الذى خرج فيه آدم من الفردوس والقيامة فى اليوم التاسع والعشرين من برمهات يوم الأحد ” ويبدو أن أمر الإصرار على الاحتفال بالفصح يوم 14 نيسان وفى أى يوم من الأسبوع وليس بالضرورة يوم الأحد، كان قد انتشر فى أماكن أخرى من كرسى الأسكندرية ، حيث يذكر نفس كاتب السيرة عن وجود جماعة تسمى بـ “الأربعة عشرية ” فى ضيعة من قرى مريوط. غير أن البابا سانوتيوس قد عاد بهذه الجماعة أيضًا إلى حضن الكنيسة .
ثم تطرق الدكتور جوزيف الى جزئية هامة عن رسائل الأرطسَتيكا وأهم كُتّابها من بطاركة الأسكندرية فكلمة الأرطسَتيكا ليست عربية بل هى كلمة يونانية بمعنى “عِيدية” وهى صفة فى صيغة الجمع المؤنث وهى رسائل بعينها كانت تُرسل كل عام بمناسبة عيد القيامة المجيد .
خلال القرن الثالث الميلادى كانت قد صارت عادة، أن يقوم أسقف الأسكندرية بإعلان كل الإيبارشيات المصرية ببداية الصوم الكبير وميعاد الاحتفال بعيد الفصح المقدس وذلك عن طريق ” رسائل الأرطسَتيكا ” التى كانت تُرسل بعد عيد الغطاس بوقت قليل ، كما كانت تتضمن هذه الرسائل شئون كنسية جارية أو أمور تخص الحياة الروحية.
ولقد حافظ القديس أثناسيوس الرسولى على هذا التقليد حتى وهو فى المنفى، فقد كتب 45 رسالة لأعياد القيامة الـ45 فى سنوات حبريته (329ـ373م) وبعد نياحته بقليل، جُمعت هذه الرسائل معًا بواسطة أحد أحبائه ، ولاقت هذه المجموعة انتشارًا واسعًا.
ولم يعثر علماء الغرب على رسائل الأرطسَتيكا لأثناسيوس، إلاّ فى القرن التاسع عشر الميلادى ، إذ لم يكن معروفًا عنها قبل ذلك إلاّ إشارات وردت فى كتابات جيروم (331ـ430م) وقصاصات ضمن كتابات قزماس (ق6) المعروف بالبحار الهندى ففى سنة 1842م نقل هنرى تتام Tattam إلى إنجلترا كمية كبيرة من المخطوطات باللغة السريانية من دير السيدة العذراء (السريان) بوادى النطرون. حين أودعت بالمتحف البريطانى ، وأكتشف العالم W. Cureten أنها تحتوى على مجموعة من الرسائل الأرطسَتيكا للقديس أثناسيوس فترجمها من السريانية إلى الإنجليزية ونشرها فى لندن سنة 1848م، كما ترجمها Larsow إلى الألمانية ونشرها فى برلين 1852م.
وقد بقى من الأصل اليونانى لهذه الرسائل بعض مقتطفات صغيرة ، كما توجد 13 رسالة كاملة محفوظة باللغة السريانية، وهى الرسائل التى كُتبت بين عامى 329ـ348 م ، كما نشر Lefort مؤخرًا النص القبطى لـ17 رسالة ، فيها القليل من الاقتباسات اليونانية.
ولا توجد رسالة من رسائل الأرطسَتيكا أثارت الانتباه قديمًا أو حديثًا أكثر من الرسالة التى تحمل رقم 39 التى كُتبت عام 367م. فقد أدانت الهراطقة الذين حاولوا تقديم الأعمال المنحولة على أنها كتب إلهية موحى بها. وقد حددت هذه الرسالة كتب العهدين القديم والجديد القانونية التى قبلتها الكنيسة. ولدينا نص الرسالة تقريبًا كاملاً من مقتطفات يونانية وسريانية وقبطية. ولأول مرة تُعلن فيها قانونية أسفار العهد الجديد الـ27
خلال بطريركيته التى امتدت 28 عامًا كان البابا ثاوفيلس مواظبًا على التقليد الأسكندرى بخصوص كتابة الرسائل الفصحية . فقد كتب رسائل عديدة معروف لدينا منها26 رسالة على الأقل. فقد حفظ لنا جيروم ثلاث رسائل للأعوام 401،402،404 فى ترجمة لاتينية. تُظهر هذه الرسائل اتجاهًا مناهضًا للأوريجانية ، وتحارب أفكار أبوليناريوس أسقف لاودكية. ورسائل الأعوام 401،402 غنية بالمفاهيم اللاهوتية العميقة . بالإضافة إلى الترجمة اللاتينية، لدينا بعض المقتطفات من رسالة البابا ثاوفيلس الفصحية لسنة 401 بلغتها اليونانية الأصلية وشذرات من اللغة القبطية..
ومن باقى رسائله ، توجد فقط مقتطفات متفرقة في أعمال آخرين مثل قزماس أندريكويلوستس فى كتابه ” الطبوغرافيا المسيحية “، والقديس تيموثاوس الثانى البابا الـ(26) فى رده على عقيدة الخلقيدونيين ، ويوحنا كاسيان وسينسيوس أسقف الخمس مدن الغربية، وجناديوس المؤرخ اللاتينى وفى بستان الرهبان.
حيث واصل القديس كيرلس الأسكندرى التقليد الذى اقتضى أن يُرسِل أسقف الأسكندرية رسائل الأرطسَتيكا لكل أساقفة الإيبارشيات ليعلن لهم بدء الصوم الكبير، وموعد الاحتفال بعيد القيامةتضم قائمة كتابات القديس كيرلس 29 رسالة أرطستيكا كُتبت بين عامى 414ـ442م ، يحث فيها المؤمنين على الصيام والنُسك والصلاة وأعمال الرحمة، وإلى جانب هذا المضمون العملى، احتوت الرسائل على موضوعات عقيدية تتعلق بالصراعات الخريستولوجية فى عصره . لهذا نجد أن الرسائل 5،8،17،27 يدافع فيها عن عقيدة التجسد ضد الهراطقة الذين أنكروا ألوهية الابن . والرسالة رقم 12 تشرح عقيدة الثالوث ، والرسالة 6،9 عن الآلهة الكاذبة، الرسائل 1،4،10،20،21،29 عن اليهود وزيفهم
وعن حبرية البابا بنيامين الـ38 (623ـ662م)
فلم تؤثر الأحداث التى صاحبت المجمع المسكونى الرابع فى خلقيدونية (451م) والتى أدت إلى انقسام الكنيسة الواحدة الجامعة الرسولية ، أو الأمور التى تلته، أو ما حدث بعد الفتح العربى، فيما اعتاد عليه أسقف الأسكندرية بخصوص كتابة رسائل الأرطسَتيكا .. فنجد أن البابا بنيامين بطريرك الأسكندرية الـ38 ، يستمر فى هذا التقليد القديم. وتحفظ لنا مخطوطات التراث العربى المسيحى شهادة عن رسالتى السنة الخامسة عشر والسادسة عشر وربما كانت هذه (الشهادة) هى أول شهادة عن تداول مثل هذه الرسائل بعد القديس كيرلس الأسكندرى. وتوضح لنا الفقرة ـ التى ترد فى مخطوط المتحف القبطى ـ من رسالة السنة السادسة عشر للبابا بنيامين، أن كاتبها قد اقتفى أثر البابا كيرلس عمود الدين فيما تضمنته الرسالة ليس فقط من أمور روحية خاصة بالاستعداد للصوم وعبادة الله بل أيضًا أمورًا عقائدية (تتعلق بهرطقات الآريوسية والأبولينارية) ، حيث يشير المخطوط : “وقال القديس بنيامين بطريرك الأسكندرية فى الأرطسَتيكا السادسة عشر يوبخ المخالفين الذين يقولون أن لاهوت الله الكلمة موات (قابل للموت)، لنستعد الآن يا اخوتى وأحباى (أحبائى) للصوم والخدمة لله وكل فعل حسن مملوًا فضيلة، وبالأكثر الأمانة الغير مايلة (مائلة) بالثالوث المقدس ونقول
وفى حبرية البابا مرقص الثانى الـ49(799ـ819م)
والذى امتدت حبريته لمدة20 عامًا حتى بداية القرن التاسع الميلادى ، ورد فى ختام سيرتة أنه كتب ” عشرين أرطسَتيكا ” تعكس هذه السيرة جوانب عديدة متميزة فى شخصية هذا البطريرك ، فقد ” أرضى روح القدس ” واهتم “باجتماع اتحاد الكرسيين أسكندرية مع إنطاكية، وكتب سنوديقا كما جرت العادة ممتلئة من كل حكمة ” وكان ضليعًا فى العلوم اللاهوتية حتى أنه ” ضاهى الأب ساويروس وكيرلس وديسقوروس ” مهتمًا ” بخلاص أنفس الناس ” ساهرًا بالصلاة على سلام الكنيسة ووحدة أعضائها حيث ترد بالسيرة صلاته الآتية: ” والآن يارب اسمع صلاة عبدك وليدخل دعائى أمامك بسبب هذه الخراف الضالة ولتجتمع أعضاء بيعتك ليكونوا قطيعًا واحدًا وراعيًا واحدًا ” سواء فى كنيسة الأسكندرية أو فى كنيسة إنطاكية . وقد عمل هذا البطريرك على تجديد وإعادة بناء كنيسة من الكنائس التى هُدمت ، فكان أن ” أرض مصر جميعها قد امتلأت مسرة ببناء البيعة “. فلم يكن من الغريب إذن على مثل هذا الراعى الساهر، حرصه على كتابة الأرطسَتيكا فى كل عام منذ أن تولى مسئوليته البطريركية إلى أن تنيح . وللأسف لم تحفظ لنا المخطوطات حسب علِمنا نصوص هذه الرسائل العشرين التى وبلا شك، كانت ستحمل لنا مفاهيمًا روحية ولاهوتية ورعوية عالية تليق بمثل هذه الشخصية الكنسية النشطة.
فقد عمل على تعليم شعبه العقيدة الأرثوذكسية، وذلك لمّا رأى أن هناك أفكارًا غير مستقيمة قد أخذت فى الانتشار مثل جماعة سكان بضيعة من أعمال الصعيد تسمى البلينا وما معها من أعمال ادّعوا أن طبيعة اللاهوت ماتت “.
و قوم من ضيعة من قرى مريوط يُسمون بالأربعة عشرية ينكرون الآلام وأن السيد لم يقبل الآلام بالجسد بل كانت مثل المنام ، وهم أتباع أبوليناريوس
تاتى بعد ذلك مشكلة اختلاف ميعاد عيد الفصح
وقد اهتم هذا البطريرك ليس فقط بحياة شعبه الروحية بل أيضًا بتحسين ظروف معيشته وتدبير أحواله ، ومع هذا ” لم يدع الاهتمام بالكتب الأرطسَتيكا المملوءة نعمة وتعليم روحانى ليتغذى منها كل أحد ويرد فى سيرة هذا البطريرك أنه كتب رسالة أرطسَتيكا فى السنة الثانية من جلوسه ، وذلك فى أيام الصوم المقدس وأرسلها إلى البيع ولقد حرص كاتب السيرة على تسجيل الجزء اللاهوتى من هذه الرسالة بعد أن اختصر ما جاء فيها، غير الأمور العقيدية ، بقوله إن الرسالة ” مملوءة من كل نعمة ” ثم يذكر ما تؤمن به الكنيسة عن عقيدة التجسد والتعليم عن السيد المسيح (خريستولوجى).
ثم ناتى لحبرية البابا خريستوذلولس الـ66(1047ـ1077م)
وقد يبدو أن التقليد الأسكندرى فى عادة كتابة رسائل الأرطسَتيكا قد استمر إلى القرن الحادى عشر الميلادى وذلك خلافًا لما ذكره كواستن ودليلنا على ذلك ما جاء فى مخطوط “كتاب اعتراف الآباء” ـ كما سنرى ـ حيث يَرِد ذكر خمس من رسائل الأرطسَتيكا للبابا خرستوذولوس (ق11) وهى رسائل السنوات 16،17،20،21،23
هذا وتوضح لنا النصوص المختارة من رسائل الأرطسَتيكا للبابا خرستوذولوس، أنه قد تمثل بمن سبقوه فى العمل . حيث شملت رسائله العِيدية (الفصحية) أيضًا موضوع عقيدى هام شغل الكنيسة لقرون طويلة وحتى العصر الذى عاش فيه، وهو موضوع “كيفية الاعتقاد بسر التجسد” كما يوضح كاتب الخريدة النفيسى حول رسائل الأرطسَتيكا فى مخطوط كتاب اعتراف الآباء وكتاب تاريخ البطاركة.
حيث وردت بعض فقرات من رسائل الأرطسَتيكا لكل من البابا بنيامين والبابا خرستوذولوس فى مخطوط ” كتاب اعتراف الآباء ” أو كما يسميه أبو البركات ابن كبر ” أمانات الآباء القديسين ” هذا الكتاب هو لمؤلف مجهول الاسم حاول الكاتب فيه أن يجمع نصوص من كتابات الآباء الأولين والكُتَّاب الكنسيين منذ العصر الرسولى إلى القرن الحادى عشر (زمن حبرية البابا خرستوذولوس) ، تمت ترجمتها من اليونانية والقبطية إلى العربية. بلغت النصوص التى جاءت فى هذا الكتاب 234 نصًا لعدد 66 من هؤلاء الآباء المعلمين والكُتَّاب الكنسيين.
تتناول النصوص المختارة فى هذا الكتاب، عقيدة الثالوث والتجسد وطبيعة السيد المسيح وتعكس بصفة خاصة تعاليم كنيسة الأسكندرية وتمسكها بمقولة القديس كيرلس ” طبيعة واحدة متجسد لله الكلمة ” وبتعاليمه عن اتحاد الطبيعة الإلهية بالطبيعة البشرية اتحادًا أقنوميًا فى شخص المسيح الواحد بغير اختلاط أو امتزاج أو تغيير كما أنها تتحدث عن وحدة الإرادة والفعل للكلمة المتجسد.
نجد فى مقدماتها حسب ما يذكر كاتب مخطوط ” كتاب اعتراف الآباء”، ” وقال القديس الأنبا بنيامين بطريرك الأسكندرية فى الأرطسَتيكا السادسة عشر يوبخ المخالفين الذين يقولون أن لاهوت الكلمة موات “، ثم يعود إلى الهدف الأصلى من الرسالة وهو العيد فيذكر ” لنستعد الآن يا اخوتى وأحباى (أحبائى) للصوم والخدمة لله وكل فعل حسن مملوًا (مملوءاً) فضيلة ” ويربط هذا الاستعداد الروحى بالصوم والخدمة والفعل الحسن “بالأمانة ” أى الاعتراف أو الاعتقاد المستقيم (الأرثوذكسى) أو حسب ما يسميه ” الأمانة الغير مايلة (مائلة) بالثالوث المقدس “.
ومن ثمّ نصل إلى ” صُلب ” الموضوع ـ وهدف كتاب اعتراف الآباء ـ فيبدأ فى استعراض المفاهيم العقيدية كلها مستهلاً ذلك بكلمة ” ونقول ” ويأتى بنص من رسالة الأرطسَتيكا ” نؤمن بالآب والابن والروح القدس الثالوث المقدس المساوى الممجد ، ثلثة أقانيم متساوية فى كل شئ بالفعل والكلام ثلثة وجوه جوهر واحد لاهوت واحد شكل واحد إرادة واحدة، ونجيب الكلام (نتكلم) على الواحد من الثالوث المقدس الله الكلمة الذى صار جسدًا بأقنومه وحده بلا افتراق واختلاط من جسد ودم والدة الإله المقدسة مريم التى هى عذرى (عذراء) فى كل زمان جسد مساوى لنا متألم له نفس عاقلة ناطقة “.
والآن إذ وضع الكاتب أمامنا هذه التحديدات العقائدية فى صورة مُجملة، يأتى دور الآباء المعلمين فى شرح هذه العقيدة، التى إن أراد قومٌ من الجُهّال بها أن يفهمها،فعليه بالأكثر أن يسأل فيها الآباء فيكتب ” ثم إن قومًا من الجُهّال لا يفهموا بالأكثر يَسلوا (هكذا) الآباء “.
وهنا يستشهد بما جاء فى رسالة الأرطسَتيكا للسنة السابقة وهى السنة الخامسة عشرة وأيضًا يأتى منها بنصوص من الآباء الآتى أسمائهم من كتابات مختلفة لهم.
والذى فصل من قول “إن الله الكلمة تألم بجسده وهو غير متألم بلاهوته” و من رسالته إلى إفلابيوس وفى فى الميمر الذى قاله لأجل المعمودية.
و القديس كيرلس (الذى يدعوه الكاتب الحكيم كيرلس)
فى فصل يقول فيه .. (دون ذكر اسم العمل) و فى جوابه الذى كتبه فى الفصل الثانى عشر يناضل كفر تاوطوريطّس و فى ميمره الثانى.
و للقديس باسيليوس فى الميمر الذى قاله لأجل الشكر.
وللقديس أثناسيوس فى الميمر الرابع الذى له يناضل الآريوسيين و فى الميمر الذى قاله لأجل الآريوسيين.
وفى الرسالة التى كتبها إلى … (الاسم غير واضح بالمخطوط).
و القديس إبيفانيوس أسقف قبرص إلى هاراسيس (الهراطقة) الأبوليناريوسين.
و القديس أبرقلس (بروكلوس) فى الميمر الذى قاله لأجل توما الرسول.
و رئيس الآباء ساويروس فى الرسالة التى كتبها إلى أنيرانيقوس الفروخوس (أندرينيقوس) .
و القديس فيلكى أسقف روما عندما تكلم عن التجسد والأمانة.
و القديس غريغوريوس أسقف نوسا (النيسى) و ديسقوروس المعترف رئيس أساقفة الأسكندرية.
فى الرسالة التى كتبها وهو فى غنغرا إلى بريطن.
وعن رسائل البابا خرستوذولوس
يذكر كاتب مخطوط ” كتاب اعتراف الآباء ” فى بداية استشهاده برسائل الأرطسَتيكا الخمسة للبابا خرستوذولوس للأعوام 16،17،20،21،23، أى فى بداية الرسالة السادسةعشر صفة أساسية وتعريفًا بسيطًا لهذه الرسائل فهى تصدر عن الأب البطريرك و تُرسَل إلى جميع إيبارشيات الكرازة وهى رسالة سنوية (حيث يذكر رقم السنة أيضًا) فيقول ” الأرطسَتيكا السادسة عشر الصادرة عن الأب الأنبا أخرسطودولس إلى جميع كراسى الأسكندرية فى كل سنة ” والدليل على أن كاتب مخطوط ” كتاب اعتراف الآباء ” يستخدم الجانب العقيدى لرسائل الأرطسَتيكا سواء التى للبابا بنيامين أو للبابا خرستوذولوس، هو أنه يستشهد بما فيها من نصوص عقيدية مسبوقًا بحرف الجر “من” فيكتب دائمًا ” من الأرطسَتيكا ” ثم يذكر السنة إن وُجدت أكثر من رسالة. أى أن النصوص الواردة هنا هى نصوص منتقاة ومختارة من النص الكامل للرسالة.
فلم يرد فى كتاب تاريخ البطاركة ، عند الإشارة إلى الآباء البطاركة الذين عرف عنهم كتابتهم لرسائل الأرطسَتيكا سوى نصًا واحدًا من هذه النصوص، والذى جاء في سيرة البابا سانوتيوس (شنودة) الـ55 ، كما سبق الذكر ، وهو يمثل الجزء اللاهوتى من هذه الرسالة ، حيث نضعه كنموذج لرسائل الأرطسَتيكا نظرًا لأهميته.
أرطسَتيكا 23 للبابا خريستوذولوس:
وفى نهاية المحاضرة اتيحت الفرصة للمناقشة والاسئلة ثم قام الدكتور لؤى محمود مدير مركز الدرسات القبطية بمكتبة الاسكندرية بتوجية الشكر للدكتور جوزيف موريس فلتس على السرد الغنى والدقيق لموضوع هام فى الدراسات القبطية واقوال وسير الاباء الاولين مع وعد بتكرار لمثل هذة المحاضرات ودعى الحضور لاخذ بعض اللقطات التذكارية مع الدكتور جوزيف.