طبيب بيطرى من عائلة مرموقة احب الرب الهه من كل قلبه و من كل نفسه و من كل قدرته و بالتالى احب قريبه مثل نفسه فكان يبذل كل دخله من اجل كل انسان محتاج الى الحد انه عندما كان يذهب مع عائلته الارستقراطية الى حفلاتهم كان يجمع ما يفيض من مأكولات و حلويات دون ان يفهم احد من الحضور سبب ذلك بل كانوا يظنون انه بخيل و يأخذ هذا الطعام ليستفيد به لدرجة ان امه كانت تحرج جداً من هذا التصرف و فى نفس الوقت كان يمنعها ان تخبر احد عن السبب وراء ما يفعل, و لكن الحقيقة التى لم يعلمها احد الا الله وحده انه كان يحملها الى المحتاجين ليوزعها عليهم. ما اروع هذا الانسان الذى لا يعنيه من الامر شىء الا نظرة الله له. كان منظره امام الناس يكسف لكن ترى ماذا كان منظره امام الله و كل السمائيين؟! لعل هذا هو التعبير الحى للترجمة القبطية الدقيقة “لتكن رحمتك فى الخفاء” (مت 6 : 4)
هكذا يقول الرب يسوع فى الموعظة على الجبل “متى صنعت صدقة فلا تعرف شمالك ما تفعل يمينك … متى صليت اغلق بابك و صلِّ الى ابيك الذى فى الخفاء …. متى صمت فادهن رأسك و اغسل وجهك” (مت 6 : 2 – 17 ) و الخفاء لا يعنى فقط خفاء الصوم و الصلاة و الصدقة و لكن كل ممارسة روحية تندرج تحت نفس هذه المعانى, فإن قوبلت مساندتك لمريض فى ألمه او اى محنة كانت بالجحود و النكران فلا يسوء الأمر فى عينيك, انها صدقة خفية ابوك الذى يرى فى الخفاء يجازيك عنها علانية, كل حرمان لذاتك حباً و بذلاً للآخرين هو صوم او اى حرمان من بهرجة الحياة لأجل الله و بغرض النسك و لا يعرف المحيطون بك سر قسوتك على ذاتك هو صوم فى الخفاء قد تلام ممن لا يفهمونك لكن لا تهتم بالأمر كثيراً و لا تبرر ذاتك امامهم, يكفى ان أباك يرى.
و لا يفهم من هذا الكلام ان الصوم الجماعى يتعارض مع الخفاء فاحياناً تكون الممارسات الروحية ظاهرة و لكن لها نفس قيمة العمل او الجهاد فى الخفاء, القديس يوحنا ذهبى الفم يقول: [ألا ينبغى ان نصلى فى الكنيسة لأنها امام الجميع؟!! انه من المحتم علينا ان نفعل ذلك بكل يقين و لكن بروح الخفاء الله يطلب النية الصالحة فى كل ما يؤدى من عمل لأنه حتى لو دخلت مخدعك و اغلقت الباب و لكن عملت ذلك بنية التفاخر فغلق الأبواب لن ينفعك شيئاً.] ذلك ان الممارسات الجماعية للصلوات و الأصوام ليس القصد منها الاظهار و التباهى بدليل ان الكنيسة الأولى كانت تمارس الصلوات و الأصوام بشكل جماعى مثلما صامت الكنيسة فى انطاكيا قبل انطلاق برنابا و بولس للخدمة (اع 13 : 3) و كما ذكر انهم “كانوا يواظبون على تعليم الرسل و الشركة …. و الصلوات” (أع 3 : 42).
بل على العكس احياناً تكون الممارسات الفردية تدفع الى الشعور بالفخر و ربما الكبرياء بسبب ممارسة انفرد بها الانسان امام ذاته. المهم نية القلب فى التقدمة .
ان كثيرين عاشوا بأمانة بينهم و بين الله و لم يعرفهم العالم و لكن بالتأكيد سنعرفهم فى الأبدية يوم ان تكون المجازاة علانية فــ”أبوك الذى يرى فى الخفاء يجازيك علانية”