بين النيل والقدس ، مخاطر العولمة ، وبانتظار بدر البدور
“بطرس بطرس غالي قصة مصرية” هذا هو عنوان الكتاب الذى أصدره “ألن دوجاميت ” الكاتب والسفير الفرنسي السابق عن دار نشر “إيريك بونييه” بباريس عام2015 يتناول فيه مختلف مراحل حياة الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة الدكتور بطرس بطرس غالي والوزير الأسبق لشؤون الخارجية ..هذه القامة البارزة في السياسة والدبلوماسية في مصر والعالم العربي وأفريقيا والعالم طوال العقود الأخيرة، والذى رحل الاسبوع الماضى بعد أن أثرى المكتبة العربية بتجربته العالمية والإنسانية العريضة.
ويقول الكاتب “ألن دوجاميت ” انه استقى المعلومات الواردة في هذا الكتاب من واقع المناقشات والأحاديث المطولة التي دارت بينه وبين الدكتور بطرس غالي خلال الفترة (من 1978 -2011) بالقاهرة ونيويورك وباريس ، وكذلك من المتعاملين مع بطرس غالي حين كان أستاذا في الجامعة ووزيرا للخارجية وأمينا عاما للأمم المتحدة وللمنظمة الدولية للفرنكوفونية وأخيراً رئيسا شرفيا للمجلس القومي لحقوق الانسان. وأضاف الكاتب ان المعلومات الواردة في هذا العمل تستند الى وثائق كتبها بطرس غالي بنفسه أو مرتبطة بالمواقف والمشكلات المختلفة التي تعامل معها على مدار حياته. ويروي الكتاب قصة رجل عاش أغلب حياته خارج وطنه ، في أوروبا والولايات المتحدة ، وجاب العالم كأستاذ جامعي ودبلوماسي ومسؤولا دوليا ، حيث كان شاهدا وطرفا فاعلا في مواجهة الاضطرابات التي تهز الانسانية منذ نحو قرن.
ويتضمن الكتاب – المكون من 500 صفحة صورا تذكارية للدكتور بطرس غالي منذ كان طفلا حتى صار شابا بالاضافة الى صور مع شخصيات دولية بارزة مثل الرئيس الامريكي الأسبق جورج بوش الأب عام 1990 بالبيت الأبيض ومع بابا الفاتيكان جون بول الثاني ، وكذلك مع الزعيم التاريخي نيلسون منديلا بمقر مجلس الأمن الدولي في عام 1993 قبيل انتخاب منديلا رئيسا لجنوب افريقيا، فضلا عن صورة تم التقاطها عام 1991 بالإسماعيلية برفقة رولان دوما وزير الخارجية الفرنسي الأسبق في عهد الرئيس الاشتراكي آنذاك فرانسوا ميتران.
قاد غالى الدبلوماسية المصرية بكفاءة شديدة وأدخل عليها تجديدات وإصلاحات في كثير من ملفات الثقافة والتنوير ، بالاضافة الى امتلاكه قدرات واسعة في مجال القانون الدولي.
وقد أثرى بطرس غالى المكتبة العربية والعالمية بالعديد من المؤلفات الجادة فى الفكر والتاريخ والسياسة ، وكتب المقالات التحليلية ..حيث ألف أكثر من عشرين كتابا باللغة العربية، وحوالى 45 بحث باللغه العربية فى مختلف المواضيع باللغة العربية،وألف أيضا 11 كتابا و 45 بحثا باللغة الفرنسية.
وها نحن نعرض لنماذج من هذه الاصدارات ، أيضا لما كتبه الآخرون عن هذه الشخصية الفريدة …
بين النيل والقدس
يبدأ بطرس بطرس غالي كتابه “بين النيل والقدس.. يوميات دبلوماسي مصري” الذى أصدرته دار الشروق عام 2015 بمقدمة طويلة، تحدث خلالها عن السياسة الخارجية لمصر بين السادات ومبارك قائلًا: «وإذا كان هناك من استمرارية في نهج السياسة الخارجية ما بين عهدي الرئيس السادات والرئيس مبارك، فهناك فرق فى طريقة إدارة كل منهما للشؤون الخارجية؛ فبقدر ما كان السادات يطرح أفكاراً وآراء جريئة، وكان مستعداً للإقدام نحو تنفيذها بغض النظر عن المخاطر, فإن مبارك كان يدير الأمور بحذر واضح».
ويلخص غالى أهداف السياسة الخارجية فى الفترة ما بين (1981 و1991 ) كالتالي: «دعم الشعب الفلسطيني»، وبالتالي دعم «منظمة التحرير الفلسطينية، والحفاظ على علاقات طبيعية مع إسرائيل رغم اعتداءاتها، والتكامل مع جنوب السودان رغماً عن الصراع الدائر في جنوبه، والوجود المصري في أفريقيا، ودعم المرحلة الثانية من عملية التحرر من الاستعمار الأجنبي للقارة، واستئناف العلاقات الدبلوماسية مع البلاد العربية، ودفع حركة عدم الانحياز التي تراجع دورها مع نهاية حقبة التحرر من الاستعمار، ونتيجة للتقارب بين الشرق والغرب، وإقامة أسس جديدة للعلاقات مع الغرب لفترة ما بعد التحرر من الاستعمار»
الصراع في الشرق الأوسط – شهادة للتاريخ
مع كثرة الكتب عن الصراع العربى الإسرائيلى يعد كتاب ” ستون عاماً من الصراع في الشرق الأوسط شهادة للتاريخ ” الصادر عن دار الشروق 2007 لبطرس بطرس غالى سابقة تاريخية. فلأول مرة منذ أكثر من ستين عامًا من الحرب وافق فاعلان أساسيان فى هذا التاريخ الطويل، لا على أن يتكلم كل واحد منهما من جانبه، ولكن على أن يتحملا مخاطرة أن تتقاطع ذكرياتهما.
تتواجه هنا رؤى بطرس بطرس غالى وشيمون بيريز عن الأحداث الكبرى التى طبعت بطابعها أقدم صراع معاصر والذى عاشه كلاهما عن قرب، منذ أول حرب عربية إسرائيلية فى 1948 حتى أيامنا هذه.
التاريخ الذى سنقرؤه ليس أكاديميًا ولا «أملس»، فبالرغم مما يكنه طرفا النقاش كل منهما للآخر من احترام كبير، فإنهما لم يتساهلا إزاء بعضهما. كل منهما يؤكد ذاته، تدفعه إرادته إلى أن يستمع الناس لما عايشه، ولكن فى الوقت نفسه يقبل الاستماع إلى صوت الآخر، مهما كان وقعه غير محتمل على أذنيه. الجدل «سياسى» وليس «ديبلوماسيًا». وهذه الصراحة تمنحه نبرة فائقة.
وبالرغم من ذلك، فلا هذا ولا ذاك بصدد مهمة مكلف بها. ميزة السن والتقدير الدولى اللذان يتمتعان بهما، وبحرية فى الكلام تتسم بنضارة مدهشة، سمح كل منهما لنفسه بتوجيه انتقادات قوية لمعسكره الخاص.
وهما، فى تراوحهما بين المبارزة الحامية والتحليل السياسى، يقدمان لنا درسًا عظيمًا فى “الچيوبوليتيك ” لا يهمل تاريخ العقليات. إنهما يقدمان ما لا تستطيع كتب التاريخ التقليدية أن تمنحه لنا: الإدراك العربى والإسرائيلى معيشان من الداخل. بعد قراءتهما، أيا كان الجانب الذى يميل إليه تعاطفنا، لن نعود ننظر إلى هذا الصراع بنفس الطريقة.
بطرس بطرس غالى، المدافع الصلب عن العالم الثالث، والسكرتير العام الأسبق للأمم المتحدة، كان وزيرًا للشئون الخارجية المصرية فى عهد الرئيس أنور السادات ورافقه أثناء رحلته الشهيرة إلى القدس فى عام 1977. وبعد ذلك كان، فى مواجهة موشى ديان، أحد المفاوضين الأساسيين فى اتفاقيات السلام العربى الإسرائيلى التى تم توقيعها فى عام 1979.
شيمون بيريز، الحاصل على جائزة نوبل للسلام، والوزير السابق، هو رجل كل معارك إسرائيل: فهو الذى كان مكلفًا من بن جوريون، فى الخمسينيات، بالبحث عن السلاح حين كانت المنطقة خاضعة للحظر؛ وكان هو أيضا الذى حصل على تعاون فرنسا فى بناء المفاعل النووى فى ديمونة. وفى عام 1993 نظم فى أوسلو مفاوضات سرية مع منظمة التحرير الفلسطينية أفضت إلى أول اتفاق للحكم الذاتى للفلسطينيين ..
بانتظار بدر البدور
للمرة الأولى يتخلى بطرس بطرس غالى عن لغة الدبلوماسية الملطفة فى كتاب ” بانتظار بدر البدور… يوميات 1997-2002 ” الصادر عن دار الشروق عام 2005 وهو إذ يعود الى لحظات مأساوية طبعت مسيرته السياسية والدبلوماسية ، يساعدنا فى الوقت ذاته على فك رموز الأحداث والقضايا الكبرى التى شغلت عصرنا : النزاعات فى أفريقيا، تنامى الارهاب الدولى،اعتداءات 11 سبتمبر 2001 ، الصراع الفلسطينى-الاسرائيلى ، الدور المتنامى للصين .. ومن خلال أحاديثه مع الشخصيات البارزة على الساحة الدولية يكشف النقاب عن كواليس عالم يتحول فابن مصر الداعية الى نظرية عدم الانحياز ، مفاوض اتفاقية السلام المصرى-الاسرائيلى،المدافع بدون كلل عن العالم الثالث يعبر بحرية فى هذا الكتاب عن غضبه وسخطه وشكوكه وكذلك اماله وقناعاته وعن انفعالات رجل يسترسل فى النظر باشتياق وتأثر الى الاهواء والسلطة والشيخوخة ويتخلل ذلك مواقف طريفة.
الديمقراطية ومخاطر العولمة
يقدم كتاب ” الديمقراطية هي الحل لمخاطر العولمة ” الذى قام مركز الاهرام للترجمة والنشر بإصداره عام 2002 مبررات قوية لدعوته إضفاء الديمقراطية على العولمة، وعدم انفراد الدولة العظمى الوحيدة في العالم بتقرير الأمور، كطريق وحيد لدرء مخاطر العولمة، خاصة على بلدان العالم الثالث. فبعد أن تبنت أمريكا العمل الجماعي بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، سرعان ما أصبح للتصرف من جانب واحد اليد العليا وانتهى الأمل الوليد في عولمة ديمقراطية. وبجانب مطالبة المؤلف لأمريكا بالتخلي عن هذا التصرف، فإنه يدعوها لمقاومة دعاة العزلة والأصوليين الأمريكيين الرافضين للحوار مع الحضارات الأخرى.
ويؤكد المؤلف أنه لابد من بحث المضمون الحقيقي لرسالة أسامة بن لادن وأشباهه في ضوء عدم نزاهة أمريكا والغرب في الصراع العربي الإسرائيلي، وأن تأتي الرسالة المناوئة للإرهاب من العالم العربي والإسلامي أولاً، والتصدى لأسباب فقد الأمل لدى الشباب وغطرسة الأغنياء دولاً وأفراداً.
مناعة مصر من آفة الطائفية
وفى احدى مقالاته بعنوان “ليلة عيد الميلاد كانت شاهدا على مناعة مصر من آفة الطائفية ” بجريدة الأهرام فى 22 يناير 2011 يقول بطرس بطرس غالى : ” فى مقال بجريدة «وول ستريت جورنال» الأمريكية واسعة الإنتشار تحدث الدكتور بطرس غالى الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة إلى العالم الخارجى عن طبيعة التسامح الدينى فى مصر الذى تعتريه بعض الشوائب مؤكدا أن الحادثة الأخيرة ( يقصد أحداث كنيسة القديسين بالاسكندرية ) قد أفاقت الشعب المصرى على حقيقية أن قوة المجتمع العريق تكمن عبر الزمن فى تماسكه وأن الوحدة بين المسلمين والمسيحيين أمر لا مساومة بشأنه وأن مصر على طريق بناء مجتمع مدنى تحميه قوة القانون والمساواة بين أبناء الشعب الواحد. فإلى نص المقال الذى صدر فى عدد الأمس من الصحيفة الأمريكية.
كمسيحى وكمصرى شعرت بحزن عميق بعد الهجوم الإرهابى ليلة بداية العام الجديد على الكنيسة القبطية فى الاسكندرية التى قتل فيها 21 من أبناء بلدي. وإذا كان قد تم تنفيذ هذا العمل الشائن من قبل المصريين أو من قبل الجماعات الإرهابية من خارج البلاد فقد كان القصد بالتأكيد هو نفسه : زرع الفتنة بين المسلمين والمسيحيين فى بلد معروف منذ فترة طويلة للتسامح الديني. والهجوم يبدو أنه يندرج ضمن نمط أكبر من العنف ضد المسيحيين فى أماكن أخرى من الشرق الأوسط. والواقع أن الجماعات المتطرفة التى تستهدف المسيحيين فى العراق أعلنت صراحة عزمها على نقل حربهم ضد المسيحيين إلى مصر. لكن فى حين أن الهجوم الأخير أدى إلى اندلاع غضب بين الأقباط إلا أن مصر على عكس الدول الأخرى فى المنطقة تحمل بشكل ملحوظ مناعة ضد آفة الطائفية. ويشكل الأقباط فى مصر العدد الأكبر من السكان المسيحيين فى الشرق الأوسط واليوم يشكلون نحو 10% من السكان. ويتمتع المسيحيون فى مصر بحرية ممارسة عقيدتهم الدينية بحرية ويحتلون مناصب قيادية فى مجالات الأعمال التجارية والحكومة والحياة العامة. ولا يوجد شيء مثل «أحياء مسلمة» أو «جيتو مسيحي» فى مصر. ولمصر تاريخ من التعايش السلمى بين المسلمين والمسيحيين على مدى ألفية ونصف الألفية ومشروع بناء الدولة المدنية التى يعود تاريخها إلى أوائل القرن 19 كانت نموذجا للتسامح الدينى فى المنطقة. وكان ذلك إرثا واضحا بعد سنوات: ففى 6 يناير عشية عيد الميلاد القبطى تجمع الآلاف من المسلمين حول الكنائس فى جميع أنحاء البلاد للعمل كدروع بشرية وحماية جيرانهم المسيحيين. وتزامن ذلك مع مظاهرات ضخمة للمسلمين والمسيحيين وتعانق القرآن والصليب فى حميمية كرمز للوحدة الوطنية… “
“جون أفريك”والحوار الأخير
“عرفت السيسي قبل توليه السلطة. وهو رجل يستمع، وأسئلته ذكية، تردد كثيرا في تولي السلطة، لكنه قرر أن يفعل ذلك لأنه لا يوجد حل آخر. يحتاج من 2-3 سنوات لتحقيق الاستقرار في البلاد .. السيسي أنقذ مصر من أصولية الإخوان ” هكذا قال الراحل الدكتور بطرس بطرس غالي، الأمين العام السابق للأمم المتحدة فى اخر حواراته الصحيفة مع صحيفة «جون أفريك» الفرنسية والذى نشر يوم الخميس 15 أكتوبر 2015 ، وهذه مقتطفات من الحوار :
في الـ 92 عاما، كيف تقضي حياتك بين القاهرة وباريس؟
أعمل! أجري مقابلات منتظمة مع مختلف الصحف والتلفزيونات المصرية، كتبت باللغة الفرنسية كما هو الحال باللغة الإنجليزية والعربية ونشرت العشرات من المجلدات، لكن للأسف أجد الآن صعوبة في القيام بذلك، بسبب تقدم العمر .
وفي القاهرة، أذهب بانتظام إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي عينت رئيسا فخريا له منذ إنشائه، قضيت ستة أشهر في باريس من أجل الاعتناء بصحتي، لكني أيضا أترأس لجان في اليونسكو كأكاديمية القانون الدولي في لاهاي، وأشرفت على عشرات المنظمات الحقوقية وما زلت أشرف على البعض الآخر.
ما هو رأيك بالأمم المتحدة؟
هي في تراجع كامل لسببين، أولا: التكافؤ الذي كان قائما بين أكبر قوتين، الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، منح الأمم المتحدة التوازن، وبعض القوة. لكن اليوم الولايات المتحدة مقتنعة بأنها سحقت روسيا وتتصرف كما لو كانت وحدها، ولذلك رأينا أن المشاكل التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، تضعف كثيرا المنظمة.
المسألة الأخرى وهي جديدة ويتحدث عنها عدد قليل من الناس، أنه في وقت إنشاء عصبة الأمم ثم الأمم المتحدة، كان هناك ممثل واحد فقط في السياسة الخارجية: الدولة. اليوم هناك الكثير من الجهات الفاعلة، من غير الدول، ويمكن أن يكون تأثيرها أكبر بكثير من الدول.
هل الجامعة العربية أفضل حالا؟
الجامعة العربية ماتت، لأنها لا تملك وسيلة لتجديد نفسها، كانت فعالة لأنها كانت محررة من هيمنة الدول، الحروب الأهلية والصراعات تشل الآن سلطتها، انظروا إلى الاتحاد الأوروبي وتعامله مع مشكلة اليونان المالية، لكن الحال الراهن في العالم العربي يتطلب عقودا لإعادة بناء هيكل فعال للتكامل الإقليمي.
عاصرت عبد الناصر، السادات ومبارك … ما هي وجهة نظرك في الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي؟
عرفته قبل توليه السلطة وهو رجل يستمع، واسئلته ذكية، تردد كثيرا في تولي السلطة، لكنه قرر أن يفعل ذلك لأنه لا يوجد حل آخر،يحتاج من 2-3 سنوات لتحقيق الاستقرار في البلاد.
اكتشفت أن الصحافة الفرنسية تملك عداء كبيرا تجاه مصر والنظام، تعتبر مرسي منتخبا والسيسي انقلب عليه. السيسي أنقذ مصر لو أنها أصبحت أصولية، 100٪ من الإخوان المسلمين، سينتقل تأثير ذلك غدا إلى باريس.
لا زال كثير من المراقبين يتحدثون عن أن القمع والقيود أكثر قسوة من تلك التي كانت في عهد مبارك؟
مصر في حرب ضد الإخوان المسلمين، كل يوم تنفجر قنبلة – ولا يتكلم أحد عنها – جنود وضباط وقضاة يقتلون يوميا، وأنتم تريدون منا مع كل هذا احترام جميع القواعد؟ لابد أن نرى الواقع كما هو.
أنا الذي أنشأت المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في فيينا عام 1992 والمجلس القومي لحقوق الإنسان، أؤيد ذلك 100 في المائة. لكن نحن في حالة حرب. حاولوا ان تتذكروا ما حدث في فرنسا عام 1940.
ما هو دور مصر للحفاظ على علاقة متينة مع بقية الدول الإفريقية؟
نجحت مصر في إفريقيا لسببين: الأول أننا كنا نتلقى أسلحة من روسيا عن طريق تشيكوسلوفاكيا، ونوزعها على جميع الدول الإفريقية التي ناضلت من أجل حريتها دون استثناء. الجزائر والمغرب وزامبيا وموزمبيق ألخ: الجميع جاء للتسلح في القاهرة.
مرة واحدة أكثر أو أقل حصلوا على الاستقلال الجديد، قدمنا لهم سياسة عدم الانحياز مع تيتو، نهرو وجمال عبد الناصر. اليوم الحرب الباردة انتهت، اليوم عدم الانحياز انتهى. أصبح الجميع دول مستقلة، لم تعد بحاجة إلى مثل هذه المساعدات وخسرت مصر هذه السلطة.
غالى وتاريخ أقباط مصر
كتب المؤرخ عزت اندراوس فى موسوعة تاريخ أقباط مصر، ينتمى الدكتور بطرس بطرس غالى السكرتير السابق للأمم المتحدة إلى عائلة عريقة فى التاريخ والسياسة المصرية , هذا التاريخ أعطاه خبرة وراثية جعلته يصل إلى هذا المنصب الحساس والخطير , وقد انطلق من جذور قلة مسيحية فى مصر لتتركز الأنظار عليه كسكرتير عام للأمم المتحدة , وتميز الدكتور غالى بمعرفته الواسعه فى علوم شتى منها الأقتصاد والسياسة والقانون المحلى والعالمى وغيرها مع عبقريته الطبيعيه وموهبته النادره وأنتماؤه للتراب المصرى وخلفيته المسيحية التى تمتد من ورائها حضارة فرعونية ضاربة فى عمق الحضارة الإنسانية .
وفى 7 يونيو1991 م رشحته مصر ودول أخرى فى مجلس الأمن والدول الأفريقية ليتولى أهم منصب عالمى ألا وهو منصب سكرتير عام الأمم المتحدة , وموهبة الدكتور غالى ترجع إلى معرفته بلغات عديده منها اللغات الحية والتى تتكلم بها غالبية الدول مثل الإنجليزية والفرنسية والعربية غير عده لغات أخرى أهلته لتولى هذا المنصب .سادس أمين عام فى تاريخ الأمم المتحدة ، كما شغل أمين عام المنظمة الدولية للدول الناطقة بالفرنسية.
وقد قال الدكتور بطرس بطرس غالى فى الجمعية العامة للأمم المتحدة : ” خبرتى وصلتى بمصر والعرب وأفريقيا وكل منطقة البحر الأبيض المتوسط التى ظلت خلال العصور أساس ومركز تلاقى الحضارات كانت نتيجتها على هو أخذت الإيمان , والذى هو عادى وشائع فى التفكير لكل مصرى , مثل السلام والأمان , وفى المعاملات والتفاهم الذى يعنى التعاون لتحقيق أمل ما” .
ولد فى القاهرة فى 14 نوفمبر 1922م من عائلة عريقة فى حكم مصر , جده كان رئيس وزراء مصر , وكان عمه وزير خارجية مصر , خلفية عائلته كانت ذو تأثير عميق على مستقبله الوظيفى , فقد دفعته إلى نفس الطريق
، وقد ألتحق بطرس بطرس غالى بكلية الحقوق جامعة القاهرة لدراسة القانون وحصل على ليسانس الحقوق فى سنة 1946 م. وفى سنة 1947 م حصل على دبلوم فى القانون العام من جامعة باريس . وفى سنة 1949 م حصل على الدكتوراة Ph.D أيضا من جامعة باريس
.هذه المؤهلات العلمية والأكاديمية أهلته أن يفهم إتجاهات السياسة الدولية .
وفى عام 1968 م حصل على الدكتوراة الشرفية أو الفخرية من جامعة السويد
وقد قام الدكتور بطرس بطرس غالى بتدريس القانون العالمى فى جامعة القاهرة أبتداء من سنة 1949 م حتى 1977 م وكان أيضا رئيس قسم العلوم السياسية .وفى سنة 1977 م عين بجامعة الأسكندرية
هذا وكان أستاذا زائرا ومحاضرا فى العديد من الجامعات العالمية
وإمتدت خبرات ومهارات الدكتور بطرس بطرس غالى كأستاذ جامعى فى الكتابة فكان مسؤولا عن إيجاد العلاقة بين القانون العالمى والقانون المصرى والعلوم السياسية , وكتب فى الاهرام الأقتصادى, وكان رئيس تحرير العلوم الرئيسية , والتى تصدر عن جريدة الأهرام القاهرية حتى 1973م,
وكتب أيضا فى السياسة الدولية وهى مجلة شهرية (للسياسة العالمية) وكان رئيس تحريرها أيضا حتى 1991م ،وقد كتب العديد من المقالات فى الجرائد العربية والعالمية ،وكان عضوا فى كثير من الجمعيات والجماعات السياسية
وفى سنة 1977م – 1991 م عين وزير دولة للشئون الخارجية , فى هذا الوقت صاحب السيد الرئيس محمد أنور السادات فى رحلته إلى إسرائيل , وقد ساهم فى التفاوض على أقامة علاقة سلام بين مصر إسرائيل التى نتجت عنها معاهدة كامب دايفد للسلام .
وأختير فى 1989م ليكون رئيس الوفد الصداقة بين مصر وروسيا،وفى مايو 1991 م عين وزير دوله للعلاقات الخارجية والهجرة،وفى 2 ديسمبر 1991م أنتخب ليكون سكرتيرا عاما الأمم المتحدة ،وفى 17 ديسمبر أرسل استقالاته من جميع وظائفه فى مصر ،وألف الدكتور بطرس بطرس غالى 21 كتابا باللغة العربية ،وحوالى 45 بحث باللغه العربية فى مختلف المواضيع باللغة العربية،وألف أيضا 11 كتابا و 45 بحثا باللغة الفرنسية.
رحم الله الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة بطرس غالي الذى عرفه التاريخ رجلًا عظيمًا ،ومفكرا وكاتبا ، ومصريًا صادقًا وطنيًا، وعلامة من العلامات المضيئة في تاريخ الدبلوماسية المصرية.