سؤال منطقى يتبادر الى الذهن إذ أن الملاك لم يترك ليوسف النجار حرية اختيار لكنه خصص له مصر تحديدا للهروب دون سائر البلدان المحيطة باسرائيل ؟
و ان تكن هناك تأملات كثيرة فى هذا الشأن الا اننا نستطيع القول بكل وضوح وصراحة انه حقا من مصر “من الآكل خرج أكل و من الجافى خرجت حلاوة” (قض 14 : 14).
هناك وعود فى العهد القديم بالبركة للأمم و ضم الشعوب المختلفة الى شعب الربكتلك التى تكلم عنها ملاخى النبى : “لأنه من مشرق الشمس الى مغربها اسمى عظيم بين الأمم و فى كل مكان يقرب لأسمى بخور و تقدمة طاهرة لأن اسمى عظيم بين الأمم قال رب الجنود” (ملا 1 : 11) و كان هذا الأمر مستغربا بين اليهود فى العهد القديم فكيف يضم الرب الأممين الى قطيعه ؟
و إن يكن الامر مستغربا على الامم بصفة عامة فالاكثر غرابة و صعب الفهم هو رضا الله على مصر بل و بهذه البركة الخاصة فى نبوة اشعياء النبى عنها ” مبارك شعبى مصر” (أش 19 : 25 ) من كان يستطيع ان يفهم هذه الكلام
فمصر و شعبها و فرعونها كانت مثالا للقلب القاسى المعاند لله, كم أجرى الرب آيات و معجزات امام فرعون على يدى موسى النبى و كان فرعون يقسى قلبه حتى اهلكه الله مع جيشه فى البحر الاحمر.
مصر كانت ايضاً مثال الظلم و الاستبداد : فعلى الرغم من كم المرارة والأسى التى عاشها بنو اسرائيل فى كل الاراضى التى تشتتوا اليها و لكن الارض الوحيدة التى سميت فى الكتاب المقدس بأرض العبودية كانت مصر التى قضوا فيها 400 سنة تجرعوا خلالها الذل و الهوان الوان كما يقول سفر الخروج ان المصريين “مرروا حياتهم بعبودية قاسية فى الطين و اللبن و فى كل عمل فىالحقل” (خر 1 : 14) .
مصر ايضاً كانت مركز عالمى للعبادات الوثنية بكل ثقافاتها المتعجرفة.
و بالاجمال فان مصر هى الوعاء الذى فسد و اراد الرب ان يظهر فيه كمال مجده فعاد ليصنع منه اناء للكرامة. صحيح قول القديس بولس “حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جداً” (رو 5 : 20). لقد القى الرب بذرة مقدسة يوم ان دخل الى مصر و ارتجت فيها الاوثان كما يقول اشعياء النبى “وحى من جهة مصر هوذا الرب راكب على سحابة سريعة و قادم الى مصر فترتجف اوثان مصر من وجهه و يذوب قلب مصر داخلها” و قد اقر التقليد تمام هذه النبوة.
مجىء الرب يسوع لأرض مصر كان هو البذرة التى ازهرت كرمة عظيمة و فى وسط هذه الارض الوثنية المعاندة القاسية كان للرب مذبح فى وسطها و عمود عند تخمها, قامت فيها كنيسة الاسكندرية منارة شاهدة لأسم المسيح للعالم كله و الى يومنا هذا لم و لن تفارقها البركة مادام الرب قائم فى وسطها فلن تتزعزع ابدا.