يتفرد الايمان المسيحى بمفهوم مختلف عن صور الايمان في المعتقدات الدينية الأخرى فهو ليس مجموعة من الممارسات و الطقوس لارضاء الآلهة بل هو ايمان مبنى على اتحاد الكينونة الإلهية بالإنسان
و اذا اصبح الكلى المطلق متحدا بانسان نسبى و محدود فهذه هي اسمى و ارقى صورة للعلاقة بين الكينونة الإلهية و الانسان فكل ما لهذه الكينونة يسكن في الانسان و الطبيعة الإنسانية ترتقى لاسمى صورة لها بوجودها في منبع الوجود و الحياة ذاته و ما في هذه الكينونة الإلهية الموجودة الحية يسكن داخل نسبية هذا الانسان و يعود الانسان لاصل وجوده مرة أخرى
هذا هو جوهر الوجود و الحياة المسيحية سكنى الكينونة الإلهية بالروح في اعماقنا فتتغير طبيعتنا التي فسدت بالخطية الى طبيعة أخرى مقدسة و يخلق فيها الانسان من جديد فالايمان المسيحى هو علاقة حية تفاعلية في جوهر الكينونة الإلهية و ليست علاقة بين طرفين كل منهما بعيداً عن الآخر.
1- و السؤال الآن كيف تم اتحاد الكينونة الإلهية بالطبيعة البشرية في شخص المسيح و نتائج ذلك لخلاص البشرية؟
السيد المسيح (الاله المتجسد) يحمل في جوهره الطبيعة اللاهوتية الغير محدودة و الطبيعة الناسوتية بغير اختلاط و لا امتزاج و لا تغيير بالولادة الزمنية حين اخلى ذاته و تجسد من السيدة العذراء ، على الجانب الآخر فان الانسان يملك الطبيعة الناسوتية المحدودة فصار الجانب المشترك هو الطبيعة الناسوتية و صار اللوغوس يحملنا في ذاته بطبيعته اللاهوتية الغير محدودة (وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّفينا )يو 1 : 14
فبهذا حل المسيح فينا بمجرد تجسده و نحن صرنا في المسيح في تجسده فادركنا معرفته بالحق و كاننا فينا في كيان واحد جديد بالايمان فلقد اخذ الذى لنا و اعطانا الذى له و صرنا فيه كيان واحد طبيعى ونقل الى كل الجنس البشرى بالنعمة و المشاركة عدم فساد جسده وثبات لاهوته لوحدة لا تنحل فالمسيح اخذ الذى لنا (الموت و الفساد) كى نأخذ الذى له (القيامة و الخلاص و عدم الفساد) و بهذا تموت الخطية فينا و يصبح لنا كيان جديد و مفهوم جديد في علاقة الكينونة الإلهية بالطبيعة البشرية..
2- الخلقة الثانية او الخلقة الجديدة
خلقة الانسان الاولى كانت خلقة مادية بها صورة الله (الصفة بشكل نسبى) و شبهه (قوة فعل الصفة) و جسد من تراب و بالاتحاد بالمسيح تمت إعادة خلقة الانسان بخلقة جديدة بروح و جسد المسيح نفسه بحال قيامته من الأموات .
(وَقَالَ اللهُ: «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا……) تك 1 : 26
هذه الخلقة الجديدة تتحقق بالولادة من الماء و الروح لا مجال للانفصال فيها مرة أخرى كما حدث في السقوط الأول فاصبحنا في القداسة بلا لوم ففساد الطبيعة البشرية لا يبطل الا بالموت و المسيح الكلمة غير مائت لكنه اخذ جسد قابل للموت و هو فوق الجميع كى ينوب عن كل البشرية فقدم جسده محرقة و ذبيحة عن الخطية لكى يتحرر الجميع من الفساد بنعمة القيامة من الأموات و بهذا البسنا عدم الفساد.
بآدم الأول و هو اصل كل البشرية قد انسكبت الشرور في الطبيعة البشرية كلها و بآدم الثانى (المسيح) تنتقل منه النعمة الينا كما من بداية ثانية و اصلٍ ثانٍ لجنسنا.
قد اصبح المسيح هو حلقة الوصل بين الله و الانسان لكى يوحد بالكينونة الإلهية (بواسطة نفسه) ما كان بحسب الطبيعة منفصلا جدا عنه (الطبيعة البشرية المنفصلة)
3- باتحادنا بالمسيح نلنا عدم الفساد لان المسيح بتجسده لم يكن ممكنا ان يمُسَك من الموت لانه قام من الأموات و كسر شوكة الموت فنلنا شركة قوة الله المحيية و غرس نفسه فينا بوحدة لاتنحل و بهذا نلنا عدم الفساد (الخلود + النقاوة + البقاء) لان الخطية قد صارت مائتة في جسدنا و استمرارية بقائنا متحدين بالمسيح و ضمان نقاوتنا و حالة الخلود تتحقق بالحياة التي ننالها بالمسيح و ثباتنا فيه في سر الافخارستيا.
(من ياكل جسدي و يشرب دمي فله حياة ابدية و انا اقيمه في اليوم الأخير، لان جسدي ماكل حق و دمي مشرب حق، من ياكل جسدي و يشرب دمي يثبت في و انا فيه) يو 6 : 54 – 56
و هي نفسها استمرارية حالة عدم الفساد.
4- عدم التغيير:لقد صارت مشاعر المسيح و اعماله و صلواته و اسراره ملكا عاما للبشرية و صارت كل نفس، نفسٍ خاصة للمسيح الكلمة و هذا يحقق ثبات طبيعتنا فيه، فقد استقر الروح القدس على المسيح للباكورة الثانية في جنسنا ليس لاجل نفسه اذ لم يقبل الروح لاجل نفسه بل لاجل نحن و جعل الروح القدس يضرب جذوره في أعماق الطبيعى البشرية فلا يفارقها ثانية.
(وَشَهِدَ يُوحَنَّا قَائلاً:«إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ الرُّوحَ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ مِنَ السَّمَاءِ فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ. وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ، لكِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِي لأُعَمِّدَ بِالْمَاءِ، ذَاكَ قَالَ لِي: الَّذِي تَرَى الرُّوحَ نَازِلاً وَمُسْتَقِرًّا عَلَيْهِ، فَهذَا هُوَ الَّذِي يُعَمِّدُ بِالرُّوحِ الْقُدُس.وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هذَا هُوَ ابْنُ اللهِ») يو 1 : 32 – 34
5- وحدة الثالوث في جوهر واحد، غير مركب و غير قابل للتجزئة هو ضمان و جوهر رباط وحدتنا فيه و اتحاد اللاهوت بالناسوت في المسيح هو أساس لاتحادنا نحن بالله
(ليكون الجميع واحدا كما انك انت ايها الاب في و انا فيك ليكونوا هم ايضا واحدا فينا ليؤمن العالم انك ارسلتني) يو 17 : 21
” صار الله انسان حتى نصبح نحن أبناء الله و تجسد حتى نصير نحن متحدين بالله”
(البابا اثناسيوس الرسولى)
(الاتحاد بالله لا يعنى تأليه الانسان apotheosisكما في الفلسفة الهلينية) فتقديس طبيعتنا باتحاد المسيح بنا لا تعنى سكنى اللاهوت في النفس فنحن شركاء الطبيعة الإلهية و لسنا شركاء في الطبيعة الإلهية.)
6- بالايمان بخلاص المسيح نلنا الحياة الأبدية و الخلود فيه و الموت الجسدى الآن ليس الا انحلال طبيعى لقيامة افضل و جسد المسيح لم يمت من نفسه لانه هو الحياة نفسها و لم يكن قابلا للموت بل قبل الموت عن البشرية ليخلصنا
(و هذه هي الشهادة ان الله اعطانا حياة ابدية و هذه الحياة هي في ابنه) ايو 5 : 11
فمن غير اللائق ان من يشفى آخرين يموت هو بالمرض نفسه فقد لبس الله اضعف ما فينا (الجسد) .
(الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده بحسب عمل استطاعته ان يخضع لنفسه كل شيء) فل 3 : 21
7- باقتنائنا المسيح نفسه في نفوسنا و موت طبيعتنا الفاسدة فيه تحققت لأول مرة المصالحة بين الكينونة الإلهية و الطبيعة البشرية و التبنى و تقدست حياتنا بسكنى روح الله فينا بالروح القدس
(و لكن الكل من الله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح و اعطانا خدمة المصالحة) 2كو 5 : 18
8- بالخطية لم تُفقد صورة الله فينا و لكن توقفت عملية التحول الى شبه الله فالاتحاد بالله ليس الا عملية تقدم بلا توقف نحو المشابهة و بهذا لا يعتمد ايماننا على ما نحن فيه و لكنه يُصيرنا بقوة فعالة نحو نمو لامتناهى ننال به قوة التغيير الفعالة في حياتنا.
9- في الايمان المسيحى الكلى المطلق (الكينونة الإلهية) يحتوى الجزئى النسبى (الطبيعة البشرية) في وحدة لا تنحل و هذا لا يتحقق بدون ان يصبح الانسان في حالة اللاذات و يتحمل تبعات ذلك
(حينئذ قال يسوع لتلاميذه ان اراد احد ان ياتي ورائي فلينكر نفسه و يحمل صليبه و يتبعني)مت 16 : 24
10- الايمان جزء اساسى من الحياة في المسيحية فالحياة هي عمل ايمانى مستمر فهو بمثابة نعمة من الله يستجيب لها الانسان فيصبح في حالة وجود مع مصدر الحياة (الكينونة الإلهية) و تُقبل قيمة الحياة للانسان و تزداد ثقته و محبته نحو هذه الكينونة لذا فالايمان المسيحى ليس فكرا نظريا بل فكرا اختباريا (قبول المسيح)
11- قبل خلق الكون كان الله موجودا لماهيته و مع خلق الكون اصبح هناك وجودا للمكان و الزمان و الانسان في هذا الكون يحمل الطبيعة الفيزيائية في هذا العالم فهى طبيعة خارجية و طبيعة باطنية روحية (داخلية) هذه الطبيعة تحيا و تنمو بتخطى طبيعة العالم المادية نحو الوجود الروحى في الحضرة الإلهية في بعد ازلى و ابدى.
لذا فان المعتقد لن يبقى حياً في الذهن بدون وجود تذكير يومى بما نؤمن به بتغذية الايمان بمقومات الحياة الروحية مع ملاحظة ان الفضائل المسيحية ليس غاية في حد ذاتها و لكننا نرد لله ما هو له أصلاً
12- علاقة اتحاد بوجودنا و كياننا في المسيح لم و لن تتم الا بفهم ووعى و ادراك لهذه العلاقة و الأسس التي بنيت عليها لذا فالايمان المسيحى لا يعتمد على العقلانية البحتة او الايمان اللاعقلى بل اساسه هو الايمان العقلانى و البيت المبنى على الصخر لا يتزعزع.
13- في الإيمان المسيحي ينال الإنسان بنوية ميراث فيها ننال شكل المسيح و صفاته و يصبح جهاد الإنسان الحقيقي بكل ثقة الإيمان و مؤزارة روح السيد المسيح أن لا نفقد ميراثنا فيه للأبد.
anglų kalba internetu INTELLECTUS mokykloje