و نحن نبدأ الصوم الميلادى و نرجو ان يكون الكل بالفعل قد بدأ الصوم, لا صوم على مستوى الأكل و الشرب بل اختلاء اكثر فأكثر بالله فيكون بالفعل حافزاً لنشاط الحياة الروحية مثل دانيال الذى قرن صومه النباتى”لم آكل طعاماً شهياً و لم يدخل فى فمى لحم و لا خمر و لم ادهن بزيت” , قرنه بخلوته و صلاته “كنت نائحاً ثلاثة اسابيع ايام” (دا 10 : 2) فرأى الرؤيا المعزية.
و لكن هناك كثيرين يشكون من فتور الحياة الروحية بصفة عامة فى الصلاة, فى الخدمة, و حتى ايضاً الصوم.
و بداية اطمئن فشكوى الفتور والتمرد عليه هى بحد ذاتها بداية شعلة روحية داخل القلب. فرق بين انسان ليس له علاقة بالله و لا بالصوم و لا بالصلاة و بين انسان يمارس كل هذا و لكن يعتريه ضعف فبنعمة ربنا يتقوى عليه لما يرى الله جهاده و مثابرته بعكس انسان مستسلم لم يدخل الحرب بعد, فالمثابرة فى الجهاد عندما نشعر بالفتور يهاجم حياتنا الروحية ضرورى جداً كما يقول القديس باسيليوس الكبير: [الله يعرف ما نحتاج اليه و هو يعطينا جميع الخيرات الجسدية بدون سؤال و ها هو يشرق شمسه على الأشرار و الأبرار و أما الايمان و البر و الفضيلة و الملكوت فإنه من أجل صلاحه و محبته للبشر يتمهل حتى لا ينالها الانسان إلا بالطلبة و السؤال و المشقة بصبر كثير لأنه يود ان نحب الخير و نسعى اليه و نطلبه باشتياق و تلهف حتى نكون نحن السبب فى العطية و حتى نتمسك بها و نحافظ عليها نظير التعب و الجهد الكثير الذى بذلناه للحصول عليها]
و الفتور نسبى بمعنى انه لا يصيب فقط المبتدئين و لكن ايضاً ذوى القامات الروحية العالية حين يقارنون اليوم بأيام كانت الروح فيها تعانق السماء عناقاً مثل داود النبى رجل الصلاة و المزامير يقول “كلت عيناى من النظر الى قولك فأقول متى تعزينى” (مز 119 : 82) عجباً حتى انت يا مرتل اسرائيل تطلب لأجلالحرارة و التعزية فى الصلاة !
ومن بين اسباب الفتور الانشغال بأمور العالم فإن كان الرب قد عاتب مرثا على اهتمامها الزائد بالخدمة “مرثا مرثا انت تهتمين و تضطربين لأجل امور كثيرة و لكن الحاجة الى واحد” (لو 10 : 41) فكم و كم حينما ننشغل بأمور تافهة ربما لا تكون خطية و لكنها تأخذنا بعيداً عن الله فمثلاً كثرة العلاقات مع كثرة الكلام التى قال عنها الكتاب “كثرة الكلام لا تخلو من معصية” (أم 10 : 19) “لأن كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حساباً يوم الدين” (مت 12 : 36) . هذه أمور تميت القلب, هل بعد جلسة من كلام السفاهة و الهزل يركز الانسان فى صلاته مثل انسان محتفظ بهدوئه؟! هل من المعقول ان يكون عندنا وقت للسهر مع الميديا بانواعها و ليس لدينا وقت للصلاة و الدراسة فى الكتاب المقدس و قراءة الكتب الروحية ؟! و تكون هذه المشغوليات الكثيرة بمثابة الاشواك التى تخنق الكلمة المغروسة فتكون النتيجة ان تؤدى هذه الامور الروحية بفتور. أجريت دراسة فى الغرب عن العائلات التى لا تستعمل التلفزيون مطلقاً فوجدوا انه بالبعد عن هذه الامور المشتتة نسبة كبيرة منهم زاد دفء العلاقات الأسرية بينهم و كذلك بنفس المقياس يزداد عمق العلاقة بين الله و الانسان الروحى فالوجود فى مناخ هادىء يزيد النفس صفاءاً “لأنه هكذا قال السيد الرب قدوس اسرائيل بالرجوع و السكون تخلصون بالهدوء و الطمأنينة تكون قوتكم ” (اش 30 : 15).