حينما تجتمع الإرادة القوية والإيمان بالله يمكنك قهر كل الصعاب.. هذا هو ملخص حياة ياسين، ذلك الشاب القوي الذي لا تعرف كلمة يأس أو مستحيل طريقاً إلى قاموس أفكاره ومعتقداته.
ياسين شاب في الصف الثاني من المرحلة الثانوية، أصيب منذ طفولته وهو في نهاية المرحلة الابتدائية وعلى أعتاب المرحلة الإعدادية بحادث أليم تسبب له في فقد إحدى قدميه، ترى هل توقفت حياة ياسين؟
هل أصيب هو وأسرته بالإحباط والاستسلام وعاشوا يرثون حالهم وظروفهم التي فرضت عليهم نتيجة خطأ تسبب فيه شخص مهمل لا يحترم القوانين ، ولا يبالي بحياة الناس ، فالحادث الذي تعرض له ياسين كان أثناء استمتاعه برياضة الغطس أثناء وجوده بالغردقة في مصيف مع أسرته ، وبغتةً صدمه صندل اخترق المياه مكان تواجد المصطافين، وما من الطفل إلا أنه حاول تفادي الصدام في رأسه فغطس في الماء فجاء الصدام في قدمه وذراعه، لا أطيل عليكم في هذا الحديث المؤلم فقط أردت أن ألوح للإهمال الذي صار مبدأ الكثير من الناس دون المبالاة بأي قواعد ولا حتى بحياة الآخرين.
وما يعنينا هنا هو ذلك الشاب القوي وتلك الأسرة المؤمنة بقضاء الله ورحمته.. فتقول السيدة سلوى والدة ياسين: الأمر كان صعبا جدا ولكن رؤيتي لإبني حيا خفف كثيرا من هول الحادث وكلما أتذكر هذا اليوم أشكر الله من عمق قلبي أن ما فقده ابني يمكن أن يستعيض عنه بجهاز وأما حياته فمن كان سيوعضني عنها..
وتستطرد السيدة سلوى: كنت لا أعرف أنا ووالده وكل إفراد العائلة كيف ننقل الخبر لياسين بعد إجراء العملية وكان هذا الأمر يؤرقنا جميعا ولكننا فوجئنا أنه عرف الأمر بمفرده وبدأ يخبر به زملائه والمقربين منه.. ياسين استقبل الموقف بقوة وهدوء وهذا ساعدنا كثيرا على تجاوز المحنة.
أما ياسين فيكمل قائلا: إن قوة أسرتي في التعامل مع الأمر ساعدتني جدا على تجاوز الموقف فكلمات والدتي لي أن ما حدث ليس نهاية الحياة، وأن قدمك يمكن أن تستعيض عنها بجهاز وتستكمل حياتك، لا تستسلم لليأس هذه العبارات أعطتني قوة وصلابة..
وعن استكمال ياسين لدراسته دون توقف حتى في فترات العلاج والعمليات تشيد السيدة سلوى بالدور الكبير الذي لعبته إدارة المدرسة ومدرسي ياسين وزملاءه، فتتحدث السيدة بكل امتنان عن الدعم النفسي والتعليمي الذي قدمته المدرسة له، وكيف كانوا حرصين على مستقبل الطفل نفسيا ودراسيا.
وعن نظرة المجتمع يقول ياسين: وسط زملائي لا أشعر بأي تمييز فكلنا نؤاذر بعضنا البعض في المواقف الصعبة بلا شفقة أو تعاطف زائد، فكما أقف بجوار زميل في حادث وفاة كان وقوف زملائي بجواري في هذا الحدث. أما عن المجتمع الخارجي – يكمل حديثه قائلا: أنا أثق أن الشعب المصري شعب طيب ويتعامل بعفوية لكن يحتاج إلى تغيير ثقافته.
عندما تتحدث مع ياسين تشعر أنك لا تريد أن تنهي الحديث لأن حديثه مفعم بالقوة والرقة في ذات الوقت يتحدث عن المواقف الصعبة على أنها أمور عادية لا تشعر في حديثه بنبرة حزن أو تحصر، على العكس تماما يشعرك أن كل الأمور بسيطة وعادية، فيتحدث عن رحلة السفر بالعجل إلى الغردقة التي أقامتها المدرسة على أنها أمر يسير وطريف ومن أكثر المواقف الطريفة أثناء الرحلة أنه كان يرش زملاءه بالماء حينما يجد أحد منهم أوشك على النعاس، أما هو فكان يستمتع جدا ولا يبالي بالتعب الذي يكابده نتيجة الجلوس طويلا على الكرسي، كما يذكر ياسين أن استقبال الهواء في وجهه قد يضايقه إثناء السفر بالعجل وربما الجهاز لا يساعده في تغيير جلسته على العجلة لتفادي تيار الهواء إلا أنه لا يبالي بهذا الأمر فهو يستمتع بهذه الرياضة..
ولا أخفيكم سرا أنني كنت أخجل من أن أسأل ياسين هل يضايقه رؤية الناس للجهاز الذي يرتديه إلا أنه فاجأني بقوله أنه يرتدي شورط وهو يسوق العجلة ..بل والأكثر من هذا فإن ياسين لايزال يمارس رياضة الغطس.. وعندما تجرأت وسألته : هل الجهاز لا يعوقك على الغطس؟ قال لي أنا لا أنزل به أصلا، وسألني: هل يمكنك العوم بالحذاء؟ فالجهاز بالنسبة لي في الغطس كالحذاء.
الحديث مع ياسين ممتع والكلام عنه يحتاج لكتاب حتى أوفيه حقه، لكن دعوني أختم الحديث عن ياسين بالعبارة التي هي مبدأه في الحياة وليتنا نتعلمها جميعا: “أنا لا أعرف الوقوف طويلا أمام المواقف فما حدث قد حدث، وعلينا أن ننظر للأمام ونكمل الطريق”
كم أنت جميل يا ياسين.