أصدر اتحاد المصارف العربية دراسة بعنوان “التنافس والتشابك الاقتصادي الأميركي-الصيني” ، أكدت فيها أن الصين تمثل قوة اقتصادية عظمى نتيجة لإعتمادها أفضل ما في الرأسمالية الغربية، وأضافت إليها التخطيط الحكومي، لتصبح القوة العظمى الأولى في العالم.
وأضافت الدراسة:قد شقت الصين طريقها بنجاح في مجالات واسعة مثل الكفاءة في التصنيع، وتكنولوجيا السكك الحديدية عالية السرعة، والطاقة النووية، وتكنولوجيا الطاقة النظيفة، والتعليم وغيرها ،ونتيجة لهذا الأمر، بدأت الولايات المتحدة الأميركية تنظر إلى الصين على أنها قوة صاعدة لها دورها الأقليمي والعالمي، ولكنها ترى فى الوقت نفسه أن صعود الصين يهدد مصالحها الحيوية وأمنها القومي ،وبالتالى أصبحت العلاقات الصينية-الأمريكية علاقات معقدة تتراوح بين التقارب حيناً والتصارع حيناً أخر بسبب الاختلاف في مصالح كل منهما.
وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى بلوغ حجم الإقتصاد الصيني (الناتج المحلي الإجمالي الإسمي) بنهاية العام 2013 حوالي 8,94 تريليون دولار، مقابل حوالي 1,19 تريليون فقط عام 2000، أي أنه تضاعف بـ 6,45 مرات خلال تلك الفترة.
مقابل ذلك، بلغ حجم الإقتصاد الأميركي حوالي 16,72 تريليون دولار عام 2013، بزيادة 62,5% خلال الفترة نفسها. وبلغ حجم الإقتصاد الياباني حوالي 5,01 تريليون دولار محققاً زيادة بنسبة 5,8%، والإقتصاد الإلماني حوالي 3,59 تريليون محققاً زيادة بنسبة 89,9%. مع الاشارة إلى تخطي حجم الناتج المحلي الصيني ذلك الإلماني عام 2007 وأصبح الإقتصاد الثالث عالمياً، ومن ثم تخطى الناتج المحلي الإجمالي الياباني عام 2010 ليصبح الإقتصاد الثاني بعد الولايات المتحدة الأميركية. وفي حين شكل الناتج المحلي الإجمالي الصيني نسبة 11,65% من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي عام 2000، شكل نسبة 53,45% عام 2013.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ حجم الإقتصاد الصيني حوالي 13,76 تريليون دولار بنهاية عام 2018 (بزيادة 53,93% عن العام 2013). مقابل ذلك يتوقع أن يبلغ حجم الإقتصاد الأميركي حوالي 21,56 تريليون دولار (بزيادة 28,89% عن العام 2013). وكشفت الدراسة أن النمو الإقتصادي الكبير للصين قد جاء بشكل كبير مدفوعاً بالصادرات الضخمة للصين والتي أدت إلى فوائض كبيرة في الحساب الجاري بشكل خاص وميزان المدفوعات بشكل عام.
أما بالنسبة للسنوات الخمس المقبلة (2014ـ2018)، فمن المتوقع أن تسجل الصين فائض تراكمياً في حسابها الجاري سوف يبلغ 1,99 تريليون دولار، مقابل عجزاً تراكمياً في الحساب الجاري للولايات المتحدة سوف يبلغ حوالي 2,82 تريليون دولار.
أضافت الدراسة:بالنسبة لمديونية كل من الصين والولايات المتحدة، بلغ حجم الدين الحكومي الأميركي نسبة 105,98% من حجم ناتجها الإجمالي المحلي عام 2013، مقابل 22,9% للصين. ومن المتوقع أن تبلغ هذه النسبة 105,68% في الولايات المتحدة عام 2018، مقابل 13,47% في الصين.
وتوقعت الدراسة أن يصل الناتج المحلي الإجمالي للصين إلى 40% من الناتج الإجمالي العالمي بحلول عام 2040، في حين يتقلّص الناتج الأميركي إلى 14% والاتحاد الأوروبي إلى 5%. من المتوقع أن يصل الاقتصاد الصيني في عام 2040 إلى 123 تريليون دولار.
كما توقعت أن يبلغ دخل الفرد في الصين أكثر من ضعف ذلك المتوقع لدول الاتحاد الأوروبي، وسوف تنتقل الصين من دولة متواضعة من حيث التطور الاقتصادي عام 2000 إلى دولة فائقة الثراء عام 2040،وأوضحت الدراسة أن الولايات المتحدة تشكو بشكل دائم من أن الصين تبقي عملتها أقل من قيمتها الحقيقية بشكل مصطنع، الامر الذي يساعد المصدرين الصينيين على زيادة صادراتهم – وخاصة إلى الولايات المتحدة – بصورة ‘غير عادلة،كما تتهمها بتحقيق فائضاً ضخماً من تجارتها معها بسبب إنخفاض قيمة عملتها ما يجعل الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة أقل تكلفة والواردات من الولايات المتحدة أكثر تكلفة. في المقابل، تعتبر الصين أن الخلل في التجارة بين البلدين هو نتيجة للسياسات الاقتصادية الأميركية التي أدت إلى ضعف تنافسية المنتجات الأميركية، وليس سعر الصرف.
وأعلنت الصين مراراً أنها تنتظر نهوضاً قوياً للنشاط الاقتصادي العالمي قبل أن تعيد النظر في سعر صرف عملتها لكي لا ينعكس ذلك سلباً على صادراتها، وبالتالي نموها الاقتصادي الذي يشكل (مع الأسواق الصاعدة الكبرى الأخرى) قاطرة النمو الاقتصادي العالمي.
وكشفت الدراسة أن الولايات المتحدة تتهم الصين بإستمرار بقرصنة المنتجات الأميركية، وتعد السينما والموسيقى والنشر والعاب الفيديو والنسيج والمواد الكيميائية والتجهيزات الكهربائية وتكنولوجيات الاعلام أكثر القطاعات تأثراً بالقرصنة. كما تشكو الشركات الامريكية التي تستثمر في الصين من سرقة حقوق الملكية الفكرية، والمزايا غير العادلة التي يتمتع بها المنافسون المحليون ،فضلا عن أن الصين تنتج حوالي 97% عناصر الأرض النادرة، والتي تدخل في الصناعات التكنولوجية والأجهزة الإلكترونية، والهواتف المحمولة، وأجهزة الكمبيوتر والصواريخ الموجهة، والليزر، وأنظمة الاتصالات والرادارات، وإلكترونيات الطيران، وأجهزة الرؤية الليلية، والأقمار الصناعية، وغيرها من الكثير من الصناعات الاستراتيجية. وتقلق أميركا من احتمال خفض الصين للإمدادات من هذه المعادن النادرة.
وأكدت الدراسة أن الصين تستثمر حوالي 1,3 تريليون دولار في سندات الخزانة الأميركية، مما يجعلها أكبر دولة أجنبية مالكة لديون حكومة الولايات المتحدة، وثالث مدين لها بعد الاحتياطي الفدرالي الاميركي ومؤسسة التأمينات الاجتماعية الاميركية، وخلال سنوات عديدة، استخدمت الصين كميات كبيرة من فوائضها المالية في شراء سندات الخزانة الأمريكية اما بالنسبة للتجارة، فتستورد الولايات المتحدة حوالي 25% من صادرات الصين، ويبلغ حجم التجارة بين البلدين ما يقارب 500 بليون دولار سنوياً ،فالصين بحاجة إلى شراء أمريكا لمنتجاتها، كما إن الولايات المتحدة بحاجة للقروض التي تمنحها أياها الصين، ما يعني أن مصيرهما الاقتصادي في المستقبل القريب على الأقل أصبح مرتبطاً بدرجة كبيرة .
وأشارت الدراسة إلى أن الصين ترغب على المدى البعيد أن تخفف اعتمادها على التصدير لبضائعها وتبدأ في توسيع مبيعاتها داخل الصين نفسها. كما أن الولايات المتحدة ترغب في توزيع ديونها على عدد كبير من الدائنين.
وخلصت الدراسة الى أن الولايات المتحدة كانت القوة العظمى الوحيدة الاقتصادية لفترة طويلة من القرن الماضي. وسوف يؤدي الصعود الاقتصادي القوي للصين في مقابل التراجع الأمريكي إلى تبدل موازين القوى ويعطى الصين القدرة والرغبة في تغيير معادلة النفوذ العالمية.
وبالفعل فقد دخلت الولايات المتحدة والصين مرحلة المواجهة على النفوذ الجغرافي السياسي، إذ أن الصين تصبح أكثر حزماً كلما أصبحت أكثر ثراءً ،كما تغير ميزان القوى العالمي بعد الأزمة المالية العالمية أدى إلى تضييق الفجوة بين الصين والولايات المتحدة، ما دفع إلى تطوير العلاقات الثنائية وزيادة اعتماد بعضهما على البعض.
وبالفعل، أصبحت العلاقات الصينية الأمريكية تسير وفق معادلة معقدة، هي مزيج من الصراع والتعاون.
وأخيراً، تشاهد الولايات المتحدة الأميركية النمو السريع للاقتصاد الصيني، فإنها لا زالت مطمئنة أنها لا زالت قادرة على الحفاظ على استدامة ميزتها التنافسية ،وفي الأجلين القصير والمتوسط، سوف تحتفظ الولايات المتحدة بمكانتها كأكبر اقتصاد في العالم، على الرغم من أن هذه المكانة مهددة على المدى الطويل من قبل الصين. ومع ذلك، وفي حين أن حجم الاقتصاد الصيني قد يتفوق على حجم الاقتصاد الأميركي خلال بضع سنوات، فإن الولايات المتحدة ستبقى متفوقة في معظم المؤشرات المتعلقة بمستويات المعيشة ونوعية الحياة.