في الأول من يونيو من كل عام تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والشعب المصري بزيارة العائلة المقدسة إلى مصر .. ويوافق ذكرى هذا التاريخ دخول السيد المسيح مع والدته القديسة العذراء مريم البتول .. والقديس يوسف النجار .. وسالومي ابنة خالة العذراء مريم .. إلى مدينة تل بسطا بالشرقية بعد أن عبروا شمال سيناء في رحلة شاقة على ظهر حمار .. وتحملوا حرارة الشمس نهاراً ، وبرودة الصحراء ليلاً مع وعورة البرية .. وأخطار قطاع الطرق حيث أن الطريق التي سلكته العائلة المقدسة لم يكن مألوفاً ومطروقاً للعامة نظراً لطبيعة هروبهم من بطش هيرودس الملك الذي أراد أن يقتل الطفل يسوع لأنه خاف من حديث المجوس الذي أشار أنه ولد ملكاً في أورشليم حسب نبوة العهد القديم .. وقد ظن هيرودس أنه سيصبح ملكاً أرضياً يهدد عرشه .. فأراد أن يتخلص منه في طفولته .. وأرسل جنوده ليقتلوا كل الصبيان من سن سنتين فأقل بحسب الزمان الذي تحقق فيه المجوس في حديثهم مع هيرودس ..وكانت الدعوة الإلهية للعائلة المقدسة للهروب إلى أرض مصر خوفاً من شر هيرودس ملك اليهود.ظهر ملاك الرب ليوسف النجار في حلم قائلاً : “قم وخذ الصبي وأمه وأهرب إلى أرض مصر” .. ويبقى هناك حتى يعلن له الرب بالعودة في الوقت المناسب .. وكيف نجا من الموت المدبر ، خرج يوسف النجار ليلاً من بيت لحم ومعه القديسة العذراء مريم تحمل طفلها بين ذراعيها ومعهم سالومي .. قاصدين أرض مصر عن طريق سيناء .. وظلت العائلة المقدسة تنزح من مكان لآخر حتى وصلت لأراضي الدلتا ومنها إلى مدن الصعيد .. فكانت بركة في كل أرض مصر .. وتباركت الأرض التي مشى عليها الطفل يسوع المسيح .. وحدثت بعض المعجزات، وتم قول الرب على فم أشعياء النبي: “مبارك شعبي مصر”.
مكثت العائلة المقدسة تتنقل بالأماكن التي زاروها بمصر لمدة ثلاث سنوات وعدة أشهر .. بناء على رؤية ظهرت للبابا ثيؤفيلوس الثالث والعشرين من باباوات الكرازة المرقسية بالأسكندرية (384 – 412 م) .. أخبرته العذراء مريم بتفاصيل مسار الرحلة مرورا بمدن عديدة في الدلتا والصعيد .. وأعلنت له عن ذكريات العائلة المقدسة في ربوع أرض مصر حيث جاء يسوع وهو طفل مع أمه والقديس يوسف النجار.. لأن الله له المجد إختص مصر ببركات عديدة.ونذكر من هذه الأماكن على سبيل المثال لا الحصر .. الفرما .. تل بسطا .. مسطرد .. بلبيس .. ومدينة سمنود حيث يوجد بالكنيسة هناك ماجور كبير من الجرانيت يقال أن السيدة العذراء عجنت به أثناء وجودها هناك .. والمطرية حيث شجرة مريم التي تظللت بها العائلة المقدسة.وعن مسار رحلة العائلة المقدسة نذكر أيضاً دير السريان بوادي النطرون .. وكنيسة أبو سرجة بمصر القديمة .. وعين شمس .. وعبور العائلة المقدسة النيل عند كنيسة العذراء بالمعادي ، لكي تبدأ الرحلة إلى الصعيد مروراً بالبهنسا ودير جبل الطير بالمنيا .. ثم الأشمونين وديروط ، منتهية بجبل قسقام حيث أسس الطفل يسوع أول كنيسة في مصر بالقرب من القوصية في أسيوط حيث يوجد اليوم دير المحرق.. وهي الكنيسة الوحيدة على وجه الأرض التي دشنها الرب يسوع بيديه الطاهرتين، وقال “فلتدم البركة في هذا المكان إلى الأبد” .. وبهذا تمت نبوة أشعياء النبي القائل: “يكون مذبح للرب في وسط أرض مصر وعمود للرب عند تخمها .. فيكون علامة وشهادة لرب الجنود في أرض مصر” (أشعياء 19: 19-20).
إن لزيارة العائلة المقدسة لمصر تأثير على الفن القبطي والعالمي.. حيث نلمس أهمية رسالة الفن .. وخاصة إحياء التراث الإنساني المصري .. وصولاً إلى تحقيق الجمال وإثراء الوجدان بإبداعات الفنانين من خلال الخامات المختلفة التي تفجر طاقات تعبيرية وفنية إبتكارية بأهمية الحدث “رحلة العائلة المقدسة” تساهم في نشر الوعي الثقافي وتذوق الفن لمختلف أجيال المجتمع المصري .. كما نجد في تلك الإبداعات شحنة تعبيرية حية ومؤثرة تشع منها الفكرة .. معبرة ومتفاعلة مع الأحداث في مصر .. ذات قيمة فنية وجمالية تحمل الحب والخير والسلام.إن لزيارة العائلة المقدسة لمصر دلالة كبيرة .. فهي تؤكد على أن مصر كانت ولاتزال مباركة من الرب يسوع .. وفي هذا العام 2015 قامت وزارة السياحة بتنفيذ مشروع إحياء مسار العائلة المقدسة وتطوير الأماكن التي زارتها لتصبح ضمن السياحة الدينية .. وجذب العديد من دول العالم لزيارة تلك الأماكن المقدسة التي يلجأ إليها الناس رغبة للمعرفة والمتعة على ضفاف النيل الخالد الخلاب المعطاء بين أهلها الكرام المرحبين .. ولتكن هذه هي دعوتنا لكل محبيها وعشاقها لزيارة مصر .. فهي تفتح ذراعيها للجميع لتحتضنهم وتظللهم برعايتها وحبها .. لما تريد مصر أن تكون بين سائر طوائف شعبها من تسامح وإتفاق في الرأي.. ودعونا ندعوا لوطننا بالرفعة .. ومستقبل أفضل .. وإجتياز كل المحن بأمان .. ولتتحقق النبوة “مبارك شعبي مصر”.