أحسست بحالة من الدوار في رأسي حينما شاهدت معاول الهدم من فئوس وآلات ميكانيكية يحملها جبناء “داعش” هذا التنظيم الإرهابى الأسود وهم يحطمون ويدمرون الآثار العراقية .. سواء فى مدينة “الموصول” و”نينوى” كما تخيل لى أننى سمعت آهات الذعر والاستغاثة تخرج من هذه الآثار الحضارية .. وكأنها تقول أنقذوني .. أى إسلام هذه أو أى دين ذلك الذى يدمر الحضارة وأثارها ..
وبسرعة تذكرت حالات الهدم والسرقة والنهب التى تعرض لها متحف بغداد الكبير أثناء غزو العراق من قبل الأمريكان وعن حالات تهريب الآثار الى الولايات المتحدة الأمريكية للمتاجرة بها .
على الجانب الآخر أيضاً وبسرعة تذكرت العدوان والتدمير على تمثال بوذا في أفغانستان حين تم تدمير تمثال بوذا المنحوت من الصخر فى الجبال الافغانية الشاهدة على حضارة تلك البلاد فى الماضى .
ولعل تلك الحالة ذكرتنى بما تم فى بلادنا حين استولى الإخوان المسلمين على الحكم في مصر ظهرت الفتاوى بضرورة تدمير أبو الهول والأهرامات والأصنام الأخرى كما وصفها جهلاء الفتاوى ..
وقام بعضهم بتهذيب الأمر بشكل خبيث بأنه لا داعى للتسرع الآن حتى لا نخوف المصرين وطالبوا بضرورة تغطية هذه التماثيل الأهرامات وأبو الهول تمهيداً بعد ذلك لتدميرها .
أيضاً تذكرت حادثة السطو والسرقة للمتحف القومى للآثار بالتحرير وتحطيم بعض محتوياته عمداً أثناء ثورة 25 يناير ..
كما تذكرت أيضاً سرقة متحف ملوى الأثرى بمحافظة المنيا وتحطيم عدد من تماثيله التراثية الهامة .. فضلاً عن تحطيم المتحف الاسلامى وإتلاف الكثير من أثاره الإسلامية يضاف إلى ذلك .
تشويه وتلطيخ تمثال “نهضة مصر” بميدان الجامعة بالجيزة ومحاولات تحطيمه من قبل الإخوان ومن على شكلهم من الجماعات التكفيرية والظلامية .. حدث ذلك أثناء حصار ميدان النهضة والجامعة عقب ثورة 30 يونيو هذا غير التهديدات بتحطيم تمثال عروس البحر بالإسكندرية فضلا عما أصابه من تشويه متعمد والمطالبة بغطائه من قبل الجماعات السلفية . .
ومن قبل في السويس تذكرت الجريمة البشعة حين قام شابان من أصحاب الافكار الظلامية بتحطيم وتدمير تمثال معركة كفر أحمد عبده القديم بالسويس هذا التمثال الذى كان يرمز الى خنوع الأسد البريطاني وهزيمته أمام مقاومة أبناء السويس فى الخمسينيات حيث قام شابان باعتلاء التمثال وتحطيمه بالفئوس باعتباره صنم وليس رمزاً للمقاومة الوطنية ضد الاحتلال الاجنبى وكان الشابان (وهم فى صياح جهورى اللهم اهزم الكافرين) وكأنهما فى معركة ضد الإسرائيليين .. وفى هذا السياق التدميرى .. تذكرت تحطيم تمثال “تحتمس الثالث” الأثرى والذى كان يقام وسط الكورنيش الجديد بمحافظة السويس حيث قام شابان أيضاً بتحطيم التمثال باعتباره لفرعون كافر والخوف من عبادته ؟!!
وقد قام الشابان بتحطيم التمثال بعد صلاة الفجر ، ومع نسمات الصبح وهو ما حدث أيضاً حين قام بعض الشباب فى محافظة الدقهلية وبمدينة المنصورة تحديداً أن تم غطاء تمثال الفنانة أم كلثوم بعد أن فشلوا فى محاولة هدم التمثال وذلك تمهيداً لتدميره .. وبإعتبار أن التمثال (عورة لامرأة مكشوفة الوجه سافرة وعاهرة) هكذا وصف هؤلاء الظلاميين الفنانة القديرة …
عموماً يضاف لتلك المشاهد والأحداث المؤسفة حوادث تحطيم تماثيل العذراء مريم والسيد المسيح وتشويه وحرق الكنائس الاثارية فى مصر والتى يصل عمرها أكثر من مائة عام وما بها من أعمال وزخارف وتماثيل أثارية عريقة وتحطيم ما بها من أعمال بإعتبارها أعمال كافره مسيحية ووصفها بالوثنية.
وللأسف الشديد رغم كل تلك الأعمال كانت ردود الفعل خافقة ضعيفة متناثرة مذعورة من تلك الهجمات ولم نسمع أى أنواع من الاحتجاجات الجماعية حول تدمير الآثار أو حمايتها ..
إننى أتساءل أين القوى الناعمة لمصر من الفنانين والأدباء والمبدعين والإثاريين .. وأين رد فعلهم العملى تجاه هذا التدمير .. أو حتى لحماية الدولة المدنية الحديثة التى نريدها ، وأين رجال الفكر والإعلام واللجان الثقافية داخل الأحزاب المصرية .
وأين جمعيات الثقافة والفنون والآثار ، وأين المجلس الأعلى للآثار والأعلى للثقافة والفنون وأين أدباء وفناني الأقاليم من الدفاع عن الثقافة والفنون والوقوف ضد الأفكار الظلامية التى تعمل ضد العقل والمنطق والدين والوطن .
أين الإذاعات المحلية والتليفزيونات الإقليمية من تلك الإحداث .
إننا نريد تدريس الفهم الفنى والتذوق الحضارى والتاريخى والأثرى من أجل أن يشع فى نفوس أبنائها فى المدارس والجامعات .
وبعد
إننا فى حرب حقيقية لا بد أن يتكاتف فيها الجميع حتى لا تضيع بلادنا وحضاراتنا ..
أن حادث تدمير أثار العراق ليس ببعيد عنه وكنت أود أن نرى فعاليات وأعمال كثيرة من قبل مكاتب منظمة اليونسكو والمكتب الإقليمى للأمم المتحدة ومجالس الثقافة والفنون .. وعموماً الفرصة مازالت متاحة وقبل فوات الأوان من كل المصريين المهمومين بمستقبل الوطن .