ولد السيد المسيح منذ ألفي عام. تنبأ عن مجيئه أنبياء وانتظر الناس بلهفة تحقيق هذه النبوات. ولد بمعجزة من عذراء لم تعرف رجلا اذ حل الروح القدس عليها فتجسد المسيح في رحمها جنينا وطفلا. ذهبت العذراء الى نسبيتها اليصابات ويسوع بعد جنينا ابن ايام في رحمها، فلما رأتها اليصابات صرخت بصوت عظيم وقالت “مباركة انت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك. فمن أين لي هذا ان تأتي ام ربي الي.”
ترنمت لميلاده جند السماء قائلة “المجد لله في الأعالي وعلى الارض السلام وبالناس المسرة”. اخبر الملاك الرعاة البسطاء بميلاده قائلا “أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب انه ولد لكم اليوم في مدينة دَاوُدَ مخلص هو المسيح الرب”. تجاوب الرعاة مع البشرى فذهبوا الى بيت لحم ليسجدوا للطفل. رأى المجوس نجمه في المشرق فسافروا لشهور كثيرة ليصلوا حيث الصبي. سجدوا له وقدموا هداياهم الثمينة والنبوية، ذهبا ولبانا ومرا. رَآه سمعان الشيخ وهو محمول على ذراعي العذراء ابن أربعين يوما، فحمله منها وبارك الله قائلا ” الان تطلق عبدك ياسيد حسب قولك بسلام. لان عيني قد ابصرتا خلاصك الذي أعددته قدام وجه جميع الشعوب.” عندما رأته حنة النبية ذات الأربعة والثمانين عاما وهو بعد طفلا مع القديس يوسف والعذراء مريم في هيكل الله، وقفت تسبح الله وتكلمت عنه مع الذين ينتظرون تعزيزات الله وتحقيق الوعد الالهي.
إنه عطية السماء للأرض لخلاص البشرية من شقاء خطاياها وظلام قلبها. لكن قليلون هم الذين ادركوا حقيقة مجيئه وتفاعلوا معها بإيمان. فبينما يعلن الله عن مجيء المسيح بآيات في السماء ونبوات أنبياء وملاءكة، كان غالبية الناس في ظلام قلوبهم لا يدرون بحدث مجيئه حتى انه عندما ولد لم تجد العذراء مكانا تضعه فيه فقمطته وأضجعته في مذود. وعندما صار يسوع رجلا وجال يصنع خيرا، يشفي ويطعم ويحرر ويعلم، تبعه قليلون بإيمان واخلاص، اما غالبية الناس فكانوا بين مقاومين رافضين له بسبب معتقداتهم الضيقة، او مبهورين بمعجزاته لكنهم غير مستعدين لدفع ثمن التبعية له، او مشغولين عنه بأمور حياتهم الخاصة. هكذا اختبر قليلون فرحة وبركة مجيئه وظل الغالبية في ظلام قلوبهم لا يبصرون ولا يدركون.
نذكر في هذه الأيام ميلاد السيد المسيح له المجد. يحتفل كثيرون حول العالم بهذا الحدث الذي غير التاريخ لكن يبقى السؤال كيف نتفاعل مع هذه الحقيقة. هل نقف باخلاص أمام حقيقة ميلاده المعجزي من عذراء وحياته الفريدة المقدسة بلا خطية وتعاليمه السماوية السامية ومعجزاته التي تشهد له، فنؤمن به مخلصاً لحياتنا؟ أم نختار ان نبقى في معتقداتنا الضيقة وقلوبنا المظلمة بعيداً عنه؟ هل حقا ندرك مغزى مجيئه فنقبل خلاصه المقدم لنا من شرورنا وذنوبنا الكثيرة ونتعلم منه ان نعيش حياة جديدة في محبة وتقوى وعفة وطهارة. هل نهتف في ذكرى ميلاده ثم ننفض عن تعاليمه كما هتف الأقدمون لمعجزاته ثم عادوا لممارسة حياتهم دون تغيير. هل نحضر قداسات الكنائس ونصوم ونصلي في أيام ذكرى ميلاده ثم ننصرف بعدها لنمارس حياتنا كما تعودنا أن نمارسها وراء مطامعنا وبطرقنا الردية؟..