صرح الدكتور خالد عزب؛ رئيس قطاع المشروعات والخدمات المركزية بمكتبة الإسكندرية، أنه في إطار سعي المكتبة لتوثيق تاريخ مصر الحديث والمعاصر من خلال مشروعها القومي “ذاكرة مصر المعاصرة” على شبكة الإنترنت http://modernegypt.bibalex.org/ ،فقد حصلت المكتبة على الأوراق الخاصة بفقيد الأدب العربي الأستاذ مصطفى صادق الرافعي، وقد أعارت المجموعة حفيدة مصطفى صادق الرافعي الأستاذة هبة الرافعي، ويؤكد “عزب” على أن هذه الأوراق بخط يد الرافعي وتعرض لأول مرة.
ولد مصطفى صادق الرافعي في يناير عام 1880 والتحق بالمدرسة الابتدائية في دمنهور، حيث كان والده قاضيًا بها وحصل على الشهادة الابتدائية بتفوق ثم أصيب بمرض التيفود أقعده عدة شهور وخرج من هذا المرض مصابًا في أذنيه، واستفحل به المرض حتى فقد سمعه نهائيًا في الثلاثين من عمره، ولم يحصل الرافعي في تعليمه النظامي على أكثر من الشهادة الابتدائية.
ومع ذلك فقد كان الرافعي من أصحاب الإرادة الحازمة القوية، فلم يعبأ بالعقبات، وإنما اشتد عزمه وأخذ نفسه بالجد والاجتهاد، وتعلم على يد والده.
أما والد الرافعي فكان الشيخ عبد الرزاق سعيد الرافعي رئيسًا للمحاكم الشرعية في كثير من الأقاليم المصرية، وقد استقر به المقام رئيسًا لمحكمة طنطا الشرعية، وهناك كانت إقامته حتى وفاته، وفيها درج مصطفى صادق وإخوته.
وانقطع الرافعي إلى مدرسته التي أنشأها لنفسه وأعد برامجها بنفسه؛ فكان هو المعلم والتلميذ، فأكبَّ على مكتبة والده الحافلة التي تجمع نوادر كتب الفقه والدين والعربية، وكانت علته سببًا باعد بينه وبين مخالطة الناس، فكانت مكتبته هي دنياه التي يعيشها وناسها ناسه، وجوها جوه وأهلها صحبته وخلانه وسمّاره، وقد ظل على دأبه في القراءة والاطلاع إلى آخر يوم في عمره، يقرأ كل يوم 8 ساعات لا يكل ولا يمل كأنه في التعليم شادٍ لا يرى أنه وصل إلى غاية.
واستطاع الرافعي خلال فترة حياته الأدبية التي تربو على خمسٍ وثلاثين سنة إنتاج مجموعة كبيرة ومهمة من الدواوين والكتب أصبحت علامات مميزة في تاريخ الأدب العربي.
فكان الرافعي شاعرًا مطبوعًا بدأ قرض الشعر وهو في العشرين، وطبع الجزء الأول من ديوانه في عام 1903 وهو بعد لم يتجاوز الثالثة والعشرين، وقد قدّم له بمقدمة بارعة فصّل فيها معنى الشعر وفنونه ومذاهبه وأوليته.
وتألق نجم الرافعي الشاعر بعد الجزء الأول واستطاع بغير عناء أن يلفت نظر أدباء عصره، واستمر على دأبه فأصدر الجزأين الثاني والثالث من ديوانه. وبعد فترة أصدر ديوان النظرات، ولقي الرافعي حفاوة بالغة من علماء العربية وأدبائها قلّ نظيرها، حتى كتب إليه الإمام محمد عبده قائلاً: ” أسأل الله أن يجعل للحق من لسانك سيفاً يمحق الباطل، وأن يقيمك في الأواخر مقام حسان في الأوائل”.
وقلّ اهتمام الرافعي بالشعر عما كان في مبتدئه؛ وذلك لأن القوالب الشعرية تضيق عن شعوره الذي يعبر عن خلجات نفسه وخطرات قلبه ووحي وجدانه ووثبات فكره، فنزع إلى النثر محاولاً إعادة الجملة القرآنية إلى مكانها مما يكتب الكتاب والنشء والأدباء،
كتب الرافعي مجموعة من الكتب أصبحت من عيون الأدب في مطلع هذا القرن. وأهمها: تحت راية القرآن، وحي القلم، تاريخ الأدب العربي، كتاب المساكين، رسائل الأحزان، حديث القمر، السحاب الأحمر، أوراق الورد رسائله ورسائلها، على السَّفُّود.
كان الرافعي ناقدًا أدبيًا عنيفًا حديد اللسان والطبع لا يعرف المداراة، وكانت فيه غيرة واعتداد بالنفس، وكان فيه حرص على اللغة، فكانت له خصومات عديدة مع شخصيات وأسماء نجوم في الأدب والفكر والثقافة في مطلع القرن، فكانت بينه وبين المنفلوطي خصومة ابتدأها هذا الأخير بسبب رأي الرافعي في شعراء العصر. وكانت له صولات مع الجامعة المصرية حول طريقة تدريس الأدب العربي، وجولات أخرى مع عبد الله عفيفي وزكي مبارك. على أن أكثر معاركه شهرةً وحدة هو ما كان بينه وبين طه حسين، وبينه وبين العقاد، بل لعلها أشهر وأقسى ما في العربية من معارك الأدب.
توفي الرافعي في مايو سنة 1937 عن عمر يناهز 57 عامًا، وكان الرافعي إذ ذاك ما يزال يعمل كاتبًا ومحصلاً ماليًا في محكمة طنطا، وهو العمل الذي بدأ به حياته العملية عام 1900م.
ويؤكد “عزب” أن أي مجموعة صور أو وثائق قديمة تعار لذاكرة مصر يتم تحويلها إلى صورة رقمية، وبعد ذلك يتم إعادة الأصل مع نسخة رقمية إلى المالك الأصلي، حيث لا تحتفظ المكتبة بالأصول إلا في حالة رغبة المالك بذلك.