هو شاعر لم يخط سطرا او جملة او حرفا في مدح حاكم ليس لأنه “غاوي” معارضة للمعارضة فقط إنما لأنه شاعر حر يقول ما يشعر به ويشعر بما يقتنع به ويقتنع بما يؤمن به من مبادئ تحررت من كل مصلحة شخصية على حساب الوطن ..
احمد فؤاد نجم شاعر تجمعت فيه كل السمات فهو مثقف بسيط .. شاعر يعبر عن قضايا سياسية معقدة بأسلوب يفهمه الجميع ، كوميدي في حكاياته عن حياته المليئة بالألم والاضطهاد ، له قدرة على تلخيص مقالات في قصيدة واحدة فقط هو أحمد فؤاد نجم من جمع هذا كله في شخصه النحيل ..
من العجيب ان بداية فؤاد نجم مع كتابة الشعر كانت عجيبة ففي عام 1961 كان نجم مسجونا بتهمة تزوير استمارات حكومية وقد اعترف بهذه التهمة ، حيث نشر أول تجربة شعرية له في المجلة التي تصدرها مصلحة السجون انذاك ويحررها المسجونون .. هذا بدوره شجعه على كتابة ديوانه الكامل بعنوان ” من الحياة الي السجن” الذي تحمست له دكتورة سهير القلماوي وكتبت مقدمته من فرط اعجابها بالديوان ..
وفى عام 1968 كتب نجم قصيدة بعنوان “صبر أيوب ” تعبر عما بداخله بعد النكسة ليظهر كذب وسائل الاعلام وتضليلهم للشعب لعدم الاعتراف بالهزيمة
كما ان نجم كان يحكي عن مذكراته عما بعد النكسة مباشرة انه بعد التأكد من النكسة نزل الى الشارع وكان مصدوما مخطوفا لدرجة انه نزل الى الشارع “بفردة شبشب”واحدة .. وظل يمشي الى ان وصل لميدان الجيش وتبعته جموع غفيرة كانت غاضبة وبدأت تردد نشيد بلادي الذي كان ممنوعا آنذاك !.. وبعدها لم يعد نجم الى منزله بل ظل متنقلا من مكان لمكان وبعد ثلاثة ايام من التسكع في شوارع مصر رجع الي بيته ونام فترة طويلة إلى ان جاءه الشيخ إمام الذي اقترح عليه ان يترك فراشه وينزل معه للتمشية قليلا وعندما وصلا الى باب زويلة وقف نجم وقال لإمام “هنا شنق طومان باي نفسه ” فقال له إمام “نحن الذين تجوز عليهم الرحمة ع الاقل هو مات بطل” فجاءته فكرة ” بقرة حاحا”
البقرة انقهرت .ف القهر انصهرت .وقعت ف البير .سألوا النواطير. طب وقعت ليه؟. وقعت م الخوف . و الخوف ييجي ليه. من عدم الشوف. وقعت م الجوع. و من الراحة . البقرة السمرة النطاحة . ناحت مواويل النواحة . على حاحا . و على بقرة حاحا
[T-video embed=”ghGSW-K2_m8″]
قصيدة بيان هام ..
كتبها نجم لينتقد ويسخر من البيانات التى يلقيها الرئيس السادات حيث انها –في نظره – خطابات تضلل الرأي العام وبلا مضمون واضح ..
فيا اخوتى ويا أخوات
اليكم بيانى كما هو آت
جميع المسائل تمام التمام
وكل الكلام دا مجرد كلام
فصبرا جميلا ولا تقلقوش
وشغل الضغاين أنا ما أقبلوش
ما فيش أى حاجه
على الطلاق والعتاق بالتلاته
ما فيه اى حاجه
وقدر كمان ان فيه أى حاجه
ما لوش أى لازمه الكلام واللجاجه
وعيب ان عيل يسوق السماجه
ويعمل لى باللو ويعمل ديباجه
[T-video embed=”9PYtlR849cE”]
وذات مرة كتب قصيدة في نفس الفترة بعنوان “أوأه” والتي تمت محاكمته عسكريا بسببها وصدر الحكم فى مارس 1978 بالسجن سنة مع الشغل والنفاذ بتهمة اهانة رئيس الجمهورية واثارة الرأي العام
ومن أشهر قصائد نجم التي يحفظها جميع محبيه من فرط تعبيرها عن قهر وظلم السلطة بطريقة رائعة وبسيطة ، قصيدة ” الممنوعات ” التى كتبها نجم عام 1976 حيث تلقى نجم وقتئذ دعوة هو والشيخ إمام من وزير الثقافة الفرنسي للذهاب إلى باريس فاستخرج نجم جواز سفر وعندما وصلا إلى صالة المطار فوجئا بالاذاعة الداخلية للمطار تستدعيهما للحضور فذهبا ليستكشفا الأمر فتم ابلاغهما بأنهما ممنوعان من السفر ! فسأل نجم المسئول عن أمن المطار لماذا المنع من السفر ؟ فأجابه انت ممنوع من السفربأمر المدعي العام الاشتراكي فأجاب الشيخ إمام على النكتة بطريقته حيث قال ” لا يمكن ان يكون المدعي الاشتراكي الذي منعنا انما المدعي العام الرأسمالي” فكتب نجم في المطار هذه القصيدة على علبة السجائر فلحنها الشيخ امام قبل الخروج من المطار
ممنوع من السفر
ممنوع من الغنا
ممنوع من الكلام
ممنوع من الاشتياق
ممنوع من الاستياء
ممنوع من الابتسام
وكل يوم فى حبك
تزيد الممنوعات
وكل يوم باحبك..
اكتر من اللى فات
[T-video embed=”Qp52nm-Td40″]
وبلغ يا سمير غطاس
يا ضيف المعتقل سنوي
بصوتك دا اللي كله نحاس
صباح الخير على الثانوي
وأهلا بيكو في القلعة
وباللي في الطريق جايين
ما دامت مصر ولاده
وفيها الطلق والعاده
حتفضل شمسها طالعه
برغم القلعه والزنازين
[T-video embed=”fxKgkBCVVxg”]
هذا الرجل المناضل الذي كان يؤمن بمبادئ الحرية والعدالة ومناصرة المستضعفين والمظلومين هذه المبادئ التي اجرؤ ان أقول أنها إلهية وقد كسرها الحكام المتعاقبين على مصر كلا بطريقته الخاصة ..
هذا الرجل الكبير سنا ومقاما وموهبةً إنما هو مثال حي لكل شخص يؤمن بمبادئه ولا يبيعها مقابل الفتات من المناصب أو الألقاب أو الكراسي أو حسابات البنوك ..
عاش عم أحمد فؤاد نجم وعاش من بعده كل رجل صاحب مبادئ عادلة متجردة متحررة من كل هوى سوى الضمير والمصلحة العامة للوطن .