.. كنائس مصر اليوم تتحول إلي مجمرة وشورية كبيرة تخرج منها النيران.. كي تصل رائحتها للسماء من أجل أن يتحنن الله علي شعبه ويصنع آيات ليس لها مثيل علي أرض مصر..
هكذا قال مثلث الرحمات المتنيح نيافة الأنبا ميخائيل مطران أسيوط: في تعليقه علي حرق الكنائس والهجوم علي الأقباط, وقد وصف رجل الله شهداء الذين تقدمهم الكنيسة لوطننا الغالي بأنه بخور في حب مصر…
إنه الرجل الذي كان يسعي دائما نحو السلام.. حمي الصعيد من الجماعات المسلحة التي استهدفت مصر.
رسالة وطنية وكنسية
من عظمة هذا الرجل الجبار الإيمان أنه تشبه بسيدة عندما غفر لأعدائه وهو معلق علي خشبة عود الصليب, فالتاريخ سيذكر أنه عند موجة حرق الكنائس يوم 2013/8/14, قام المتطرفون بحرق بعض كنائس أسيوط وكتبوا علي أسوار الكنائس عبارات مسيئة جدا, قام الأنبا ميخائيل بتعليق علم مصر علي مبني الكنيسة مكتوبا عليه نحن نغفر إعلانا منه عن غفران المسيحيين للذين أحرقوا الكنائس!!
ولقد واجه الأنبا ميخائيل شيخ مطارنة مصر وأسد الصعيد موجة الإرهاب في أسيوط في من السبعينيات وحتي التسعينيات القرن الماضي, وقال قولته الشهيرة ستنتهي أيام الشيطان إلي غير رجعة وقريبا جدا, وسنقول عبرت الأيام الشريرة.
وصمدت أسيوط علي خطي صمود راعيها الأمين الذي قال لهم وقت الضيقة العظيمة: نحن نشعر بالألم ولكننا لا نيأس لأن لنا ملك الملوك ورب الأرباب, نحن لا نهرب بل نتقدم مطمئنين إن كان استشهاد أو غير استشهاد, سلاحنا الوحيد هو التضرع إلي الله واللجوء لملك الملوك الذي بيده السماوات والأرض, ليس لنا من درع نحتمي فيه غير الصراخ إلي الله, وسيرسل ملاكه ويخرجنا من هذا السجن الذي نحن فيه.
وانتصرت أسيوط وكانت مثالا للكنيسة المنتصرة واستحقت تحية خاصة من السيدة العذراء لها ولشعبها ولمطرانها الجليل عام 2005, حيث ظهرت السيدة العذراء وباركت مدينة المسيح الصامدة, لقد آمن شعب أسيوط بالنصرة والتعزبة وطلب القوة من الله وحده فاستجابت السماء.
ملحمة روحية
اشتهر مثلث الرحمات أنبا ميخائيل بجانب أنه بركة الكرازة المرقسية بأنه كان رجل المواقف الصعبة علي جميع المستويات وامتاز بعلاقته الطيبة مع الجميع أقباطا ومسلمين واستغل هذه العلاقات في البناء والتعمير.. قد جعل أنبا ميخائيل من دير السيدة العذراء بجبل أسيوط تحفة معمارية وملحمة روحية تحدث الجميع بيد الرب التي تعمل في هذا المكان المقدس الذي استنار بقدوم العائلة المقدسة إليه وإقامتها في المغارة الكبري الموجودة بالدير.
ملامح ومواقف
يحدثنا القس بولس بشاي بمطرانية أسيوط عن مواقف وحكايات عديدة خلال خدمته مع المطران الجليل المتنيح, فقال: إن نيافة أنبا ميخائيل بحق رجل الله ويمثل حلقة ذهبية في سلسلة مشرفة من تاريخ الكنيسة لا يمكن أن تنسي, كان يقول لي: قداسة البابا المتنيح كيرلس السادس تربطني به علاقة خاصة, لقد كان يناديه بـالجنتلمان وذلك لتدقيقه في المواعيد والنظام, وما يميزه أيضا الزهد والالتزام.
يقول أيضا القس بولس بشاي: حكي لي أبي بالجسد أن الكنيسة بأسيوط لم يكن بها وعاظ, فقام سيدنا المتنيح بنهضة في موضوع الوعظ حيث كان ينتقي الوعاظ الجيدين بغض النظر عن صوتهم ثم يرسمهم كهنة, وقد نجحت الفكرة, أيضا كان يكتشف المواهب الروحية ويمنحها ويسمي ذلك الدكاء العاطفي, ونحن بحق نحتاج إلي تنمية في هذا المجال.
وعن حياة الفقر الاختياري ذكر القس بولس بشاي: أن قلاية سيدنا كانت بسيطة للغاية.. فقر في كل شيء, فعند دخول الغرفة لأول مرة ظننت أنها مكتب خارج الغرفة, خاصة أننا كنا ونحن أطفال ندخل الحديقة فنجد بها أناشه ورخام… إلخ فكان مرسوما في ذهني أن غرفته كذلك أيضا, بقلايته مكتب صغير ووسادة بسيطة للغاية وسرير صغير جدا, بالضبط إنها غرفة طالب مغترب, حتي الحمام كان بسيطا للغاية.. لذلك ليست أن هذه القلاية يحتفظ بها كأرشيف في التاريخ, كما كان يوزع أي ملابس تأتيه كهدايا علي الفقراء فهو لا يحب أية أنواع من الهدايا.
أيضا يستطرد القس بولس بشاي: إن المسئولين كانوا يحبونه ويحترمونه ويأتون لنوال البركة, ذات مرة حكي لي أحد المسئولين في أسيوط لن أذكر اسمه كيف قام بحل مشكلة ما, فلما علم سيدنا صلي من أجله كثيرا أن يرتفع ويرتقي بمكانته, فكان كلما ترقي هذا المسئول تذكر كلمات سيدنا له بالدعاء والصلاة.
ومن المواقف المهمة جدا التي تطرق لها القس بولس بشاي أنه شخص جذوره أصلا إنسان روحاني, فما لا يعرفه الناس أنه عام 1960 تقريبا حدثت مشكلة مع مجموعة رهبان أبونا متي المسكين, فقال الأنبا ميخائيل لقداسة البابا كيرلس: أنا علي استعداد أن أخذهم في ديري فرفض, وبعد تسعة سنوات طرح الموضوع مرة ثانية, فقال البابا كيرلس لنيافة الأنبا ميخائيل: هل مازلت عند رأيك وتأخذ هذه المجموعة من الرهبان:؟ لأنني أريد الراحة من جهتهم, علما بأن هؤلاء كانوا متكتلين.. يحكي أنبا ميخائيل أنه لم يكن يعرف شكل القمص متي المسكين وخجل أن يقول هذا لقداسة البابا كيرلس عندما طلب منه أن يصطحب القمص متي المسكين لنبدأ صفحة جديدة.. والذي حدث أن أبونا متي حضر إلي الكاتدرائية المرقسية بكلوت بك بمعجزة إلهية فلم يكن مخططا لهذه الزيارة من قبل.
ولعل نختم حديث القس بولس بشاي بالجانب الروحي والاجتماعي, كان صواما بشكل كبير, يطوع جسده روحيا, أي يستعمل جسده ولا يستعمله جسده, لأن الجسد مهزلة من الله, لابد أن أصوم فكانت مأكولاته عبارة عن طعام بسيط جدا كطعام المرضي فكان يأكل بعقله وليس بفمه, مما ساعده علي المطانيات في سن متقدم جدا, الجسد يصوم بمفهوم روحي عملا بقول الكتاب المقدس أقمع جسدي وأستعبده.