ظل نيافة أنبا ميخائيل رئيسا وأبا غيوراً على الحق ومدافعاً عن ديره بقوة ومحبة وشجاعة وروحانية وإنكار للذات علي مدي الـ66 عاماً التي قضاها رئيساً للدير.
ولما أحس في السنين الأخيرة عدم قدرته بسبب كبر سنه، وعدم استطاعته القيام بمهام إدارته للدير، ولأجل رغبته الحارة التي كانت تسيطر علي فكره في أواخر أيامه أن يطمئن علي من يخلفه في رئاسة الدير من أبناء الدير المخلصين. لكي يستمر دير القديس أنبا مقار - كما كان يشتهي، في مكانته المعروفة عنه وعن رهبانه في التقوي والنسك والتفاني في محبة المسيح والكنيسة، سعي بكل اهتمام لدى قداسة البابا تواضروس الثاني عقب رسامته بابا وبطريركياً للكرازة المرقسية بقليل، أن يسمح لرهبان دير القديس أنبا مقار أن يختاروا من بينهم واحداً من إخوتهم مشهوداً له بالتقوى والعلم والحزم لرئاسة الدير.
فوافق قداسة البابا علي ذلك، وتم انتخاب نيافة أنبا إبيفانيوس أسقفاً ورئيساً للدير، لكي يعيد للدير أمجاده كما اشتهاها مطراننا المتنيح القديس أنبا ميخائيل أن يظل دير القديس أنبا مقار مكان الصلاة والتقوى والنسك والروحانية العالية.
وقد طلب نيافة أنبا إبيفانيوس من قداسة البابا أن يظل اسم نيافة أنبا ميخائيل مذكوراً في القداسات والصلوات طوال حياته بجوار اسم قداسة البابا واسم نيافته.
* * وقد تنيح صاحب النيافة أنبا ميخائيل مطران أسيوط ورئيس مجمع رهبان دير القديس أنبا مقار ببرية شيهيت عصر يوم الأحد 23 نوفمبر 2014، بعد صراع طويل مع المرض، عن عمر يناهز الثلاثة والتسعين عاما، وبعد أن حقق العديد من الإنجازات في إيبارشيته المتسعة الأرجاء، مدافعا عن الحق بمواقف مشرفة للكنيسة والوطن، وكذلك في دير العذراء بأسيوط حيث هيأها بالمباني والكنائس ووسع تخومها لتسع الجموع الغفيرة التي تجتمع في أيام احتفالات صوم العذراء، وكذلك رعايته لدير القديس أنبا مقار في وادي النطرون.
* * ولد أبونا نيافة أنبا ميخائيل عام 1920 تقريبا في قرية الرحمانية التابعة لمركز نجع حمادي بمحافظة قنا.
* * التحق بدير القديس أنبا مقار في وادي النطرون في 19 فبراير عام 1939، وترهبن بإسم الراهب متياس المقاري ولم يكن قد أكمل العشرين من عمره.
* * رسم مطرانا في 25 أغسطس عام 1946 علي مركز أسيوط والبداري وساحل سليم بيد قداسة البابا يوساب الثاني البابا الخامس عشر بعد المائة في تعداد بطاركة كرسي الإسكندرية، خلفا للبابا مكاريوس الثالث الذي كان قبل تنصيبه بطريركاً مطرانا لأسيوط الذي لما تنيح أصبح لابد من رسامة مطران لأسيوط بدلاً من البابا مكاريوس. وكان يقال آنذاك أن أنبا ميخائيل كان علي صلة قرابة للبابا يوساب الثاني (ابن أخته). وقد كان لسيامته مطراناً لأسيوط قصة متداولة في ذلك الوقت. إذ أنه عندما كان راهبا في دير القديس أنبا مقار، كان شجاعا دائم الدفاع عن الحق مما جعله يصطدم بممارسات رئيس الدير ويراجع بكل وداعة رئيس الدير عن سلوك خاطئ. لكن رئيس الدير قرر أن يتخلص منه بالطرد، وقيل أنه في نفس الليلة ظهرت السيدة العذراء للبابا يوساب بابا الإسكندرية وأمرته بالإسراع إلي دير أنبا مقار وأنه سيجد راهباً اسمه متياس وأن عليه أن يرسمه مطراناً علي أسيوط الذي كان كرسيها شاغراً في هذا الوقت. وأسرع البابا إلي الدير، وفوجئ الرهبان بزيارته فاحتفلوا بمقدمه. وحينما سألهم عن الراهب متياس المقاري، ظن الرهبان أنه سمع عن الخلاف بينه وبين رئيس الدير، فقالوا له: إنه سيغادر الدير اليوم!! فأجابهم: نعم سيغادر الدير لأنه سيرسم مطراناً علي أسيوط.
* * وبعد سيامته لاقى معارضة شديدة من باشوات أسيوط في ذلك الوقت، بدعوى صغر سنه، ولكن مع مرور الوقت أصبح أنبا ميخائيل هو محبوب شعب أسيوط وكل الصعيد.
* * في عام 1956 قرر المجمع المقدس عزل البابا يوساب الثاني عن كرسي الإسكندرية، إثر فساد أزعج شعب الكنيسة بسبب تلميذ له في البطريركية كان يتقاضي رشاوي مقابل رسامة مطارنة، لذلك قرر المجمع تشكيل لجنة لإدارة شئون الكنيسة من: أنبا أغابيوس مطران ديروط وقسقام، وأنبا ميخائيل مطران أسيوط، وأنبا بنيامين مطران المنوفية.
* * وفي أوائل عام 1969, وبوساطة القمص صليب سوريال راعي كنيسة مارمرقس بالجيزة، تمت المصالحة بين البابا كيرلس السادس والقمص متي المسكين برجوع الأب القمص متي المسكين والرهبان الذين معه من صحراء وادي الريان ليتوجهوا إلي دير القديس أنبا مقار وذلك بعد أن كان قد تشاور مع نيافة أنبا ميخائيل رئيس الدير في ذلك. الذي بناء علي رؤيا رآها نيافة أنبا ميخائيل بضرورة العودة فوراً إلي مصر من رحلته ضمن البعثة التي توجهت إلي روما لإحضار رفات القديس مرقس كاروز الدير المصرية، عاد فجأة ليحضر هذه المناسبة.
* * وفي يوم 9 مايو 1969 حضر القمص متي المسكين مع رهبان وادي الريان إلي البطريركية وكان نيافة أنبا ميخائيل حاضراً. وفي هذه الجلسة كلف قداسة البابا كيرلس السادس القمص متي المسكين بإعادة الحياة الرهبانية إلي دير أنبا مقار وتجديد مبانيه التي كانت علي وشك الانهيار. وقد توجه الآباء جميعا إلي الدير في هذا اليوم. وقد كلف نيافة أنبا ميخائيل الأب متي المسكين أن يكون هو الأب الروحي لرهبان الدير.
* * كان نيافة أنبا ميخائيل سعيداً بحضور الأب القمص متي المسكين ورهبان وادي الريان الإثني عشر إلي الدير، وسرعان ما أقبل الكثيرون إلي الدير بقصد الترهب. وكانت الرسامات الرهبانية تتم بموافقة وتصديق نيافته في أسيوط. كما كان يداوم علي زيارة الدير والبقاء فيه لمدة أسبوع علي الأقل، وكانت له قلاية خاصة به يقيم بها حين حضوره. وكان يتجول في كل أرجاء الدير وفي المزارع وأماكن العمل. وكانت له لقاءات خاصة مع الأب القمص متي المسكين يتحادثان معاً في الأمور الروحية والرهبانية، وكان يبدي رأيه في أعمال الدير ونشاطاته المختلفة.
* * وظل أنبا ميخائيل رئيساً للدير حتي يوم السبت 21 مارس 2009 حيث قدم لقداسة البابا شنودة استقالته من رئاسة الدير. ولكن بعد نياحة البابا شنودة الثالث وفي 17 مارس 2012 توجه بعض من رهبان الدير إلي نيافة أنبا ميخائيل يرجونه أن يستأنف رئاسته للدير فقبل هذا الرجاء بفرح، وكانت دموعه تسيل من الفرح لغيرته علي ديره، وكان يقول بإتضاع شديد: اعتبروني واحدا من مجمعكم.
* * وبعد رسامة البابا تواضروس الثاني طلب نيافة أنبا ميخائيل من قداسته أن يسمح للرهبان أن ينتخبوا راهباً من بينهم ليكون أسقفا للدير بسبب عدم استطاعته القيام بمهام إدارته للدير، فوافق قداسة البابا علي ذلك علي أن يظل نيافة أنبا ميخائيل رئيسا شرفياً للدير. وفي 10 مارس 2013 تمت رسامة نيافة الأنبا إبيفانيوس أسقفا ورئيسا للدير. ولكن ظل اسم نيافة أنبا ميخائيل يذكر في القداسات داخل الدير جنباً إلي جنب مع ذكر اسم كل من قداسة البابا تواضروس ونيافة أنبا إبيفانيوس، وكان ذلك بناء علي طلب نيافة أنبا إبيفانيوس.
* * ومن المعروف عن المتنيح نيافة أنبا ميخائيل أنه الأسقف الوحيد الذي رفض الخروج من إيبارشيته والصلاة خارجها، وعندما اشتد عليه المرض في شهر أغسطس الماضي (عام 2014)، وتزامنا مع نهضة السيدة العذراء في ديرها بمنطقة درنكة بجبل أسيوط، والذي يشرف عليه نيافته، ذهب نيافة أنبا ميخائيل لحضور النهضة علي كرسي متحرك، واللاصقات الطبية تحيط بجسده.
* * عاصر أنبا ميخائيل مدة جلوسه علي كرسي مطرانية أسيوط أربعة بطاركة وهم: البابا يوساب الثاني البطريرك 115 وهو الذي سامه أسقفاً فمطراناً، والبابا كيرلس السادس البطريرك 116, والبابا شنودة الثالث البطريرك 117, والبابا تواضروس الثاني البطريرك 118.
* * بعد نياحة مثلث الرحمات قداسة البابا أنبا شنودة الثالث في 17 مارس 2012، اعتذر نيافة أنبا ميخائيل عن قبول منصب قائمقام البطريرك وذلك لكبر سنه، حيث كان هو أكبر المطارنة سناً، وكان يليه نيافة أنبا باخوميوس مطران البحيرة.
* * يلقب أنبا ميخائيل بعدة ألقاب ومنها شيخ مطارنة الكنيسة لأنه أكبر المطارنة الموجودين سناً، وعميد أساقفة الكنيسة، كما يطلق عليه أقباط أسيوط لقب أسد الصعيد.
* * للأنبا ميخائيل مواقف حاسمة في المواجهة مع المسئولين، ومنها عندما أراد شراء قطعة أرض، لكن المحافظة رفضت ثم باعتها لشخص آخر، فقام بإلغاء احتفالات مولد السيدة العذراء في جبل أسيوط بـدرنكة الأمر الذي دفع المحافظ لعقد اجتماع موسع مع مسئوليه لإيجاد حل للأزمة، ثم قرر تقديم 13 فداناً من الأراضي المتاخمة للدير فقام أنبا ميخائيل بإصدار بيان رسمي يشكر المحافظ فيه، إعلانا عن انتهاء الخلافات.
* * ومنذ عدة شهور دخل نيافة أنبا ميخائيل في أزمة صحية سافر علي أثرها لتلقي العلاج في ألمانيا، علي الرغم من عدم سفره في أوقات سابقة للخارج لتلقي العلاج.