تعلو أصوات في هذه الأيام تحاول أن تملأ نفوسنا بالخوف، بعضها يأتي من كلام تهديد أو انفجار قنبلة أو هجوم مسلح أو دعوة لمظاهرات وصدامات لإثارة الفوضى وزعزعة الأمن. إنأصحاب هذه الأصوات يعرفون جيداً أن ما يعملونه لن يستطيع أن يعيد عقارب ساعة التاريخ وسير الأحداث لما كانت عليه من قبل. إن كل ما يطمحون فيه هو نوال بعض المكاسب فلا تكون خسارتهم كاملة. ولكي يتمكنون من تحقيق هذا يستخدمون سلاح التخويف ليربكوا المشهد ويثيروا الذعر ليعطلوا مسيرة التقدم، على أمل أن يعطيهم هذا فرصة أفضل للتفاوض على بعض المكاسب التي يبتغونها.
الخوف سلاح اكتشفه الإنسان منذ القديم واستخدمه الأفراد والجماعات للتحكم والسيطرة على الآخرين. الخوف قوة مستبدة تجعل الخائف يخضع للذي يخيفه. الخوف يُفقد ثقة الخائف في نفسه وقدراته ويجعله ينسحب من الموقف أو يحقق إرادة الذي يخيفه. الخوف قوة يستخدمها كل من القوي والضعيف. يستعرض القوي قوته ليخيف من هو أضعف منه، ويبالغ الضعيف في قدراته ليوهم من هو أقوى منه أنه قادر أن يصيبه بأذى. الذي يريد أن يسيطر يستخدم التخويف لنبقى عبيداً له في بيت الخوف.
يعلمنا الكتاب المقدس أن المحبة الكاملة هي العلاج الحقيقي للخوف، إذ يقول “لاَ خَوْفَ فِي الْمَحَبَّةِ، بَلِ الْمَحَبَّةُ الْكَامِلَةُ تَطْرَحُ الْخَوْفَ إِلَى خَارِجٍ، لأَنَّ الْخَوْفَ لَهُ عَذَابٌ، وَأَمَّا مَنْ خَافَ فَلَمْ يَتَكَمَّلْ فِي الْمَحَبَّةِ. نَحْنُ نُحِبُّهُ لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلاً” (1 يوحنا 4: 18-19). نحتاج أن نلاحظ أن هذه الكلمات جاءت في إطار الحديث عن الله المحبة الذي في محبته العظيمة أرسل يسوع المسيح كفارة لخطايانا. لذلك لا يخاف المؤمن بالمسيح من عقاب دينونة على خطاياه إذ قد غُفرت في فداء المسيح. إن الذي لا يؤمن بفداء السيد المسيح يعيش في عذاب الخوف من دينونة الله. لكن الذي يؤمن أن السيد المسيح قد أخذ عقاب خطاياه بدلاً عنه فهو لا يخاف دينونة الله بل يعيش في سلام. إن محبة الله الكاملة التي أُعلنت في تقديم السيد المسيح نفسه ليموت بدلاً عنا تطرد كل خوف من دينونة. أمام هذه المحبة ينشد المؤمنون بالسيد المسيح “نَحْنُ نُحِبُّهُ لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلاً”.
إن محبة الله الكاملة تملأ نفس المؤمن باليقين في إرادة الله الصالحة لأولاده الأحباء في وسط ظروف الحياة المختلفة. لذلك أيها المؤمن لا تعطي أذنك لزئير الشر الذي يحاول أن يخيفك. أستمع لصوت الحب الإلهي القادر أن يملأ نفسك سلاماً وأماناً. هذا ما فعله الرسول بولس فتحولت تهديدات الشر التي حوله إلى أغنية ثقة ويقين، فقال: “مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضِيقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟ 36كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ «إِنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهَارِ. قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ». 37وَلَكِنَّنَا فِي هَذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا. 38فَإِنِّي مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ، وَلاَ مَلاَئِكَةَ وَلاَ رُؤَسَاءَ وَلاَ قُوَّاتِ، وَلاَ أُمُورَ حَاضِرَةً وَلاَ مُسْتَقْبَلَةً، 39وَلاَ عُلْوَ وَلاَ عُمْقَ وَلاَ خَلِيقَةَ أُخْرَى، تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا” (رومية 8: 35-39). عش في بيت الحب الإلهي، فتطرد محبة الله الكاملة كل خوف وتعطيك قوة على الصمود والتخطي. إن الأيام سوف تثبت القوة الحقيقية لكل واحد، فتظهر محدودية الضعيف الذي كان يبالغ في قوته. سنرى حقاً أن الله الذي معنا أقوى من الذي علينا(رومية 8: 31).