شارك نيافة الأنبا مارتيروس، أسقف عام كنائس شرق السكة الحديد للأقباط الأرثوذكس، ورئيس لجنة المصنفات الكنسية، بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، في مؤتمر السلام، المنعقد مؤخراً فى مدينة سول بكوريا الجنوبية بمشاركة 2000 عضو من أنحاء العالم من رجال الدين والسياسة على حد سواء، ووقع على وثيقة السلام التي تعتبرأساس دستور السلام العالمي.
وقدم نيافته نيابة عن قداسة البابا تواضروس الثانى وباسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر تمثال السلام، كإهداء إلى متحف السلام الذي سوف تقيمة هيئة HWPL بمدينة سول عاصمة كوريا الجنوبية.
جدير يالذكر أن نيافة الأنبا مارتيروس ألقى كلمة في المؤتمر كممثل للكنيسة الأرثوذكسية قال فيها:
طبعًا تحرك رجال الدين ومعهم رجال السياسة لغرض أساسي هو الوحدة من أجل السلام، والسيد المسيح دعي رئيس السلام وأعطانا وصايا كثيرة عن السلام، وهو ما نتبناه منذ كرازة معلمنا مارمرقس الإنجيلي؛ بل إن آباءنا التلاميذ أخذوا طريق السلام وعرفوه جيداً، رغم ماتعرضوا له من آلام من أجل الكرازة وبشارة الملكوت .. قدم السلام تلاقي سلام.. قدم المحبة تلاقي محبة.. قدم الخير تلاقي الدنيا بقت خير.. إذا سامحت غيرك يسامحك.. وإذا غفرت لغيرك يغفرلك.. لاتعثر غيرك في الدين.. الدين معناه روحانية معناه ترفع وسمو معناه حب ورحمة ومساعدة للآخر لا تتأخر عن غيرك.. اذهب لنجدته ضع نفسك مكانه.. ضحى لأجل غيرك.. اوهب نفسك لغيرك لا تكن أنانياًّ.. عيش لغيرك.. ولا تتردد أن تجعل نفسك مثلاً للجميع يتعلم منك الجميع “ليروا أعمالكم الحسنة فيمجدوا أباكم الذي في السموات”.. أسرع في طريق إلهنا يسوع المسيح الذي قال:”طوبى لصانعي السلام ﻷنهم أبناء الله يدعون”.. هل تريد أن تعبر عن إيمانك ..؟!! افعل الخير واطلب السلام واجتهد في إثره فترى أياماً صالحة.
مضيفاً أن السلام هو سلوك حيوي معيشي ينبع من قيم المجتمع واتجاهاته، ويمثل السلام ضرورة حيوية لكل الشعوب والدول، وكل إنسان على وجه الأرض يتمنى السلام ويرغب دائماً أن يعيش في سلام مع نفسه ومع الآخر، وكلما رأى الاضطرابات من حوله سعى ليبحث عن الأمان والهدوء والسلام، إن الصراع الدائم معناه محاولة كل طرف إفناء الآخر، ومعناه أيضاً غياب دور الحوار الجاد والبناء، ومعناه غياب العقلانية وحلول الروح القبلية، ومعناه غياب الرغبة فى التعايش المشترك وحلول الرغبة فى التهجير والطرد من الديار، ومعناه أيضاً غياب لغة السلام وحلول لغة السلاح، بل إن الصراع الدائم معناه فرض الرؤية الأحادية دون التجاوب مع رؤية الآخر، ومن هنا يظهر دورنا كرجال دين وقادة في أماكننا في غرس مبادئ الحب والتعايش المشترك في نفوس الناس، ولا نضع الدين حجر عثرة أمام وحدة وتماسك المجتمع، أو نستخدمه أداة للتعصب الأعمى، فيكون سبباً للتفرقة وليس سبباً للحب والتعايش المشترك، وأنه من العار علينا أن نجعل الدين أو المبادئ السماوية حافزاً للتناحر والصراع، فإن أعنف أشكال المواجهات هي تلك التي تتخذ أشكالا دينية، حيث يشكل التطرف الديني صورة مخيفة من صور التطاحن السياسي المعاصر، ومظهراً من أكثر مظاهر البؤس الإنساني ،فى حين أن الدين وضع لتهذيب النفس وتنقية الذات من الرذائل والأنانية، لذا يبدو أن دور رجال الدين كبير في السعي إلى ماهو للبنيان.
وصرح نيافته لـ “وطني” أنه اقترح بعض النقاط التي تظهر الأداء الجيد الواعي لرجل الدين من أجل نشر السلام:
1- ألا يتطرق رجل الدين في وعظه إلى أي آيات أو أحداث في كتابه الكريم تشير إلى العنف، لأن ذلك يعطي مشروعية في تنفيذها أو جعلها نموذجاً جيداً يحتذى به.
2- تركيز رجال الدين في وعظهم وإرشادهم للناس على التعاليم الإيجابية، التي تبني الفرد والمجتمع وتنمي روح التعايش المشترك، وإعلاء الجانب الأخلاقي في الدين وتجنب العنف٬ واحترام الحوار وقبول التنوع الثقافي وذلك لإصلاح داخل الإنسان تنمية سلامه الداخلي.. فإن المسألة الحقيقية للسلام الدائم للعالم يتعلق بالبشر، لذلك نجد أن المشاعر الإنسانية أساسية فإنه يمكن تحقيق السلام للعالم من خلال السلام الداخلي، حيث تتضح أهمية المسؤولية الفردية.. يجب أولاً أن نتوصل للسلام داخل النفس، ثم يتوسع تدريجياً ليشمل عائلاتنا ثم مجتمعاتنا وفي نهاية المطاف الكوكب بأكمله.
3- التضامن والمساندة منا كرجال دين لهيئات نبذ العنف وهيئات حقوق الإنسان وهيئات عدم التمييز، سواء على أساس الدين أو العرق أو اللون أو الجنس؛ لدعم مبادئهم الإيجابية لفرض روح التسامح والمحبة، والتعاون الحقيقي في معالجة الأسباب الكامنة وراء العنف.
4- مشاركة رجال الدين في التنمية المجتمعية الشاملة وتشجيع الناس على ذلك؛ حتى نلفت نظر المواطنين إلى أهمية تقدم مجتمعهم بالعمل والإنتاج لتوفير الحياه الكريمة، وبذلك نقدم للإنسان صورة الله المحب للخير والمحب للبشر.
5- الإكثارمن اللقاءات والملتقيات بين القادة من رجال الدين مختلفي العقيدة والهوية؛ ليكونوا نموذجاً للحب والإخاء أمام مريديهم وتابعيهم.
6- يجب التأكيد على رد الحقوق المسلوبة إلى أصحابها وتفعيل القانون الوضعي على مستوى العالم؛ لنشر السلام في الأماكن الملتهبة.
لذا من الأهمية أن يبدأ الإصلاح على المستوى السياسي أولاً حتى تزول الأسباب الرئيسية، والتي تؤجج الصراع الداخلي أو الخارجي، والتي من أهمها الصراع الداخلي على القيادة والحكم والصراع الخارجي على الأرض والمياه، والصراع على الخلفيات الدينية والثقافية وعلى أساس اللون أو الجنس أو العرق، مع مراعاة أن تحرص الدول الكبرى بمساعدة مناطق الصراع لحل مشاكلهم وبالتدخل الأمين لا لمصالح وأطماع خاصة؛ بل لاستتاب السلام فيها ومنع مزيد من الدماء والدمار، وتزايد روح العداء بين الشعب الواحد أو بين الشعوب وبعضها.. إننا نتمنى أن ينتشر السلام فى كل مناطق العالم لوقف نزيف الدماء وحماية الإنسان من أسباب العنف.
ماذا يحمل تمثال السلام؟
وشرح نيافته مغزى تمثال السلام الذي أهداه إلى متحف السلام المرتقب قائلاً: هذا التمثال من النحاس و مطلي بماء الذهب.. وهو عبارة عن قاعدة خشبية مربعة رمز لجهات الأرض الأربع ويرتكز عليها قاعدة مخروطية ترمز إلى جرس الإنذار الذى يدق بسبب تزايد الصراعات والحروب. ثم ترتكز عليها أسطوانة نحاسية على شكل حلقات متتالية عددها 18 حلقة. وعدد 18 هو حاصل ضرب 3 × 3 + 3 × 3 وهو رمز للثالوث المسيحي (الآب و الابن و الروح القدس) والثلاتة هم واحد وهو الله أي أن هذه الأسطوانة ترمز إلى الوحدانية أى وحدانية الله التي نؤمن بها.. وأيضاً دعوة إلى وحدة العالم من أجل السلام الذي نرجو أن يتربع على جهات الأرض الأربع. وفوق هذه الأسطوانة يظهر تمثال هروب العائلة المقدسة إلى مصر لأن مصر هي بلد السلام والحب والأمن و الأمان وقبول الآخر، والتعايش المشترك.
يظهر في الشكل السيدة العذراء مريم وهي تحتضن الطفل يسوع وهي راكبة على حمار أو آتان ويتقدمهم القديس يوسف النجار، وهو ممسك بعصاه التي تأخذ شكل حرف “تاف” القبطي. والموكب يسير على أرض مصر بمحاذاة نهر النيل رمز الخير والنماء، و تظهر هالة المجد حول الثلاثة أشخاص. ويظهر السيد المسيح معلناً السلام على الأرض لأنه عند ميلاده رنم جمهور الملائكة في السماء “المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة”.
إنني أهدي هذا التمثال لهذا المتحف ليكون تذكاراً مناًّ، ولمناشدة العالم كله للحفاظ على السلام وإنهاء النزاعات والحروب في الأماكن الملتهبة. وإنني أدعو كل إنسان يعيش على هذه الأرض أن يطلب السلام، ويسعى إليه لنترك الأرض للأجيال القادمة خالية من النزاعات والحروب، التي راح ضحيتها الكثير والكثير من الأبرياء.