منذ أسبوع رواحد فقط.. فارت فوق هذه المساحة آلام امرأة اسمها مني.. لا تتعدي الأربعين من عمرها.. مصابة بسرطان المعدة.. ابنها المعاق وزوجها الكفيف حجرين معلقين في عنقها يشدان روحها إلي أرض العذاب بينما يصرخ جسدها طالبا الرحيل.. لم تكن قصة مني فقط في إصابتها بالسرطان واحتياجها للعلاج الكيماوي واحتياجها المادي بعد أن كف بصر زوجها.. لم يكن حتي في حياتها التي هي أقرب لحياة القبور والزنازين.. حياة السجون والمعتقلات في غرفة تحت بئر سلم أحد البيوت القديمة في إحدي حارات شبرا.. كل ذلك لم يشكل حجر الزاوية في قصة مني.. إنما كانت قصة ابنها الأكبر المعاق ذهنيا والذي لا تتمكن من الاطمئنان عليه إذا ما سافرت إلي السماء.. فلا أحد يحتمله.
شادي تسع سنوات.. من ينظر في وجهه للوهلة الأولي يعلم مدي إعاقته.. رغم الإعاقة التي لا تفرق بين غني وفقير إلا أن الغلب والشقاء حفرا في كل ركن من ملامحه دربا من القسوة.. يخرج كل يوم.. بعد علقة ساخنة من أحدهم في المنزل.. يجلس فوق الرصيف المقابل.. يغرف هواء الحرية.. ويختلس حنو النسمات بدلا من أنين اللكمات التي يتلقاها كل ساعة من الغريب والقريب.. جاءني شادي مع الخادمة التي ترعي الأسرة.. متعلق بها للغاية.. وهي تشعر أنه سبب بركة كبيرة لحياتها.. تحنو عليه ولا تنفر منه.. لكن ذوي الاحتياجات الخاصة يحتاجون لمعاملة أيضا خاصة.. قد نشفق عليهم في البداية.. لكن ليس كل من ينبض قلبه بالشفقة ينبض بالصبر معها.
عاد شادي إلي المنزل.. ومثلما اعتاد يوميا خرج ليلهو وحيدا مفردا.. أو بين الأطفال محاولا زج نفسه وهم يلفظونه.. عافر شادي في الدخول إلي حلبة اللعب.. تمكن أن يكون بداخل الدائرة عضوا فيها وليس متفرجا مثل كل المرات.. اغتاظ رفاقه.. ظلوا يسخرون منه.. يتخبطون فيه.. يركلونه.. يتقاذفون في نداءات موجعة العبيط اهه.. العبيط اهه.. أصابته حالة هياج.. لفات متكررة صار يلف في دائرتهم.. تقاذفوا الكرة وهددوه بها.. يرفعونها يقذفونها.. مرورا آمنا فوق أسه.. مرات ومرات.. إلي أن احتضنت الكرة بقوة اندفاعها وجه شادي.. سقط مغشيا عليه.. خاف الأطفال فمضوا وتركوه طريح التراب.. بعد قليل.. مرت جارة وجدته ملقي لا حول له ولا قوة ولا عقل يا ولدي الصغير.. ما أقسي الحياة والبشر علي قلبه الغض الذي لا ذنب له إن كان عاقلا أم متخلفا.. حملته السيدة إلي منزله.. أجروا علي الإفاقة اللازمة.. أمسك الولد بعينيه.. لم يعرفوا ما به فوجهه كله متروم جراء قوة اندفاع الكرة.
في اليوم التالي اصطحبته الخادمة إلي الطبيب.. الذي أكد لها أن الولد أصيب بمياه بيضاء علي عينه اليسري.. ويجب إجراء جراحة عاجلة.. يا إلهي لماذا تجتمع المصائب دائما عند المعوزين؟؟.. طلبتني الخادمة تليفونيا.. روت لي ما جري.. ضاق صدري.. ونصحتها بألا تجري الجراحة إلا بعد عرضه علي أكثر من طبيب.. وطلبت إلي الله أن ينظر لأسرة توارثت المرض في كل أفرادها.. وليس أي مرض وإنما تركة ثقيلة جدا جدا.. طوبي لمن يرثها.
لم يلبث موضوع شادي ووالدته مني أن نشر العدد الماضي حتي اتصلت بنا إحدي المترددات علي مساعدة باب افتح قلبك تعرض اصطحابه لإحدي دور رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة.. حتي يطمئن قلب والدته عليه.. لكن سيبقي شادي لحين تشفي عينه وبعدها نري ما ستأتي به الأيام لهذا الطفل التعس.
عيد مازال مبتسما بعد الجراحة
عيد.. ذلك الشاب المبتسم رغم إصابته بالفشل الكلوي فجأة.. ذاك الذي كتبنا عنه منذ أسابيع.. عمره 25 سنة.. متزوج ولديه أطفال.. المنيا مسقط رأسه.. جاء إلي القاهرة بحثا عن فرصة رزق.. فاغتنمته فرصة المرض.. والتهم صحته الفشل الكلوي.. لكنه ما استطاع سرقة ابتسامته وأمله في الحياة.. ظل يقضي في الغسيل ثلاثة أيام كل أسبوع انقطع رزقه.. وعاش عالة.. وتوقفت الحياة والموت أيضا عند أعتاب الأطباء الذين يتقاضون عشرات الآلاف ليجروا جراحة زراعة الكلية.. ذلك بخلاف المتبرع الذي يظل المريض يبحث عنه حتي يكاد يفقد الأمل..
ثم يرضخ لانتهازيته ثم يخضعه لتحاليل التوافق التي قد تأتي مواتية أو لا تأتي وتضيع بقعة النور وسط يأس المرض.. إنما في حالة عيد كان الحظ حليفه إذ قررت والدته أن تهبه كليتها.. ولدها وليس أغلي منه.. وفرت عليه العناء والمبلغ الباهظ الذي كان سيتكبده.. كنت أخشي أن أبحث عن ابتسامة عيد فلا أجدها .. بالاتصال والتواصل مع عديد من أهل الخير تمكن عيد من إبقاء ابتسامته علي وجهه فأجري الجراحة في مركز رشاد برسوم للكلي.. وخرج منها بحالة جيدة.. وحاليا يتعافي ويتماثل للشفاء.. والفضل لكل يد ساهمت في تكلفة جراحة زراعة الكلية لعيد.
إيد الحب
امتدت أيادي الحب بالمبالغ التالية:
600 جنيه ماري حليم
800 جنيه الله قبل فلسين الأرملة
400 جنيه طالبة شفاعة العذراء بقنا
400 جنيه بولا
امتدت أيادي الحب بالمبالغ التالية:
600 جنيه ماري حليم
800 جنيه الله قبل فلسين الأرملة
400 جنيه طالبة شفاعة العذراء بقنا
400 جنيه بولا