لا شك أن الكلمة المقدسة لها دورها المحوري في العبادة والشهادة، والدليل على ذلك هو أن الرب يسوع اهتم بالتعليم حيث أنه يُشكل الفكر، والفكر يؤثر عى المشاعر ، والمشاعر تدفع إلى السلوك، ولقد مدح الرب يسوع مريم إذ جلست تتعلم وتصغي إليه، وأعطت لذلك أولوية مطلقة في جدول يومها، وعندما ترصد عدسة الوحي المقدس صورة الكنيسة الأولى نرى تعليم الرسل أي تقديم كلمة الله يأخذ مركز الصدارة كما هو مكتوب “وكانوا يواظِبونَ علَى تعليمِ الرُّسُلِ، والشَّرِكَةِ، وكسرِ الخُبزِ، والصَّلَواتِ”(أع2: 42).
ويرجع أهمية كلمة الله للأسباب الآتية:-
أولاً: كلمة الله سر الحياة والبقاء:
توصف كلمة الله بأنها ” كلمة الحياة” يقول الرسول بولس إلى أهل كورنثوس “ولدتكم في المسيح يسوع بالإنجيل” (1كو 4: 15 ) ويقول إلى أهل فيليبي “متمسكين بكلمة الحياة” (في 2: 16 )
ويقول الرسول بطرس “مولودين ثانية….بكلمة الله الباقية إلى الأبد (1بط 1: 23 ) ويقول الرسول يعقوب “شاء فولدنا ثانية بكلمة الحق … (يع 1: 18)
ثانياً: كلمة الله نور وضياء:
يقول الحكيم عن الكلمة المكتوبة “الوصية مصباح والشريعة نور” (أم 6: 23 ) ويشدو المرنم
“سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي” (مز 119 : 105)
ويقول “فتح كلامك ينير يعقل الجهال” (مز 119 : 130)
وينصح الرسول بطرس بالإهتمام بكلمة الله فيقول: “تفعلون حسناً إن انتبهتم إليها كما إلى سراج منير في موضع مظلم إلى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبكم” (2بط 2: 19)
نعم! طالما كلمة الله هي نور وضياء، فهي تصحح الأخطاء، وتصوب أي التواء، فيقول الرسول يعقوب ” كونوا عاملين بالكلمة لا سامعين خادعين نفوسكم لأنه إن كان أحد سامعاً للكلمة وليس عاملاً فذاك يشبه رجلاً ناظراً وجه خلقته في مرآة ، فانه نظر ذاته ومضى وللوقت نسى ما هو “(يع1: 22- 25).
ثالثاً: كلمة الله طعام وغذاء:
1. كلمة الله المكتوبة هي طعام لأرواحنا فكما قال الرب يسوع ” ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله ” (مت 4: 4، لو4: 4)، والرسول بطرس يقول: ” كأطفال مولودين الآن اشتهوا اللبن العقلي العديم الغش لكي تنمو به (1بط2: 2)، ويشدو المرنم بناموس الرب فيقول: ” أحلى من العسل وقطر الشهاد ” [ والشهاد هو الشمع الذي يكّون فيه النحل العسل ] (مز19: 20) . ويقول إرميا ” وجُد كلامك فأكلته فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي (ار15: 16).
رابعاًً : الكلمة كالماء للارتواء:
ترسم ريشة الوحي المقدس ببراعة ومهارة شديدة صورة بديعة الجمال في سفر أشعياء ص55: 10- 11 عن كلمة الله عندما يقول ” لأنه كما ينزل المطر والثلج من السماء ، ولا يرجعان إلى هناك بل يرويان الأرض ويجعلانها تلد وتنبت وتعطي زرعاً ، هكذا تكون كلمتي ” . فكلمة الله كالماء ، تروي الأرض العطشانة ، عندئذ تعطي ثمراً كثيراً حلواً ومشبعاً.
خامساً : كلمة الله مصدر عزاء ورجاء :
الرسول بولس في معرض حديثه عن القيامة ، ومجيء المسيح ثانية يختم كلامه بالقول ” عزوا بعضكم بعضاً بهذا الكلام .. ما هو هذا الكلام الذي نعزي به بعضنا البعض ؟! كلمة الله التي تحمل لنا رجاء القيامة ، كلمة الله التي تحمل لنا الأخبار السارة بأن المسيح مات لأجلنا وقام، وأقامنا معه، وأجلسنا معه في السماويات ، فلا نحزن كالباقين الذين لا رجاء لهم (1تس4: 13، 18، 5: 11).
نعم! كلمة الله ثرية بمواعيده الصادقة والأمينة، وتملأ حياتنا بالتعزية في وقت الألم والحزن، والسلام الذي يفوق كل عقل وسط مخاوف ومخاطر الحياة، وبالقوة في وقت الضعف، وبالرجاء وسط الإحباط واليأس، وتوجه أنظارنا إلى أمجاد السماء وأقدامنا تعاني من مشقة المسير في دروب ذي الحياة.
سادساً: كلمة الله دافع للطهر والنقاء :
قال الرب يسوع عن الكلمة المكتوبة :- ” أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به “.
(يو15: 3) وفي صلاته الشفاعية قال :- ” قدسهم في حقك كلامك هو حق ” (يو17: 17).
نعم ! إن الكلمة المكتوبة عندما تسكن في قلوبنا بغنى تنقينا، وتوجهنا، وتعلمنا، وترشدنا، وتقودنا في طريق القداسة.
سابعاً : كلمة الله دواء وشفاء:
يقول المرنم في( مزمور 107: 20) “أرسل كلمته فشفاهم ونجّاهم”، والحالة التي يصفها المرنم حالة مريض خاطئ فقد شهيته للطعام واُصيب بالضعف، ووصل لدرجة الموت، وأضحى بقايا إنسان فصرخ إلى الرب طالباً الإنقاذ فأرسل الرب كلمته وشفاه ونجاه من الموت، حقاً ! إن كلمة الله تحمل سلطان الله، فهو الذي يقول فيكون، ويأمر فيصير.
ثامناً : كلمة الله أساس البناء :
عندما إنتهى الرب يسوع من موعظته الخالدة على الجبل ختم حديثه بالقول ” كل من يسمع أقوالي هذه ويعمل به أشبّهه برجل عاقل يبني بيته على الصخر فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبت الرياح ووقعت على ذلك البيت فلم يسقط لأنه كان مؤسساً على الصخر، وكل من يسمع أقوالي هذه ولا يعمل بها يُشّبه برجل جاهل بني بيته على الرمل فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبت الرياح وصدمت ذلك البيت فسقط وكان سقوطه عظيماً (مت7:24- 27) فيجب أن تكون الكلمة المقدسة هي الأساس التي نبني عليها حياتنا، أهدافنا، مستقبلنا، بيوتنا، علاقاتنا.
تاسعاً : كلمة الله سلاح لمحاربة الأعداء:
في مسيرنا في ذي الحياة نواجه تحديات وصعاب ، وندخل في معارك وحروب، سواء من مكايد الشيطان، أو شهوات الجسد ، أو إغراءات العالم ، وهنا نجد الرسول بولس يوصينا قائلاً ” احملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس … سيف الروح الذي هو كلمة الله، ويقول كاتب العبرانيين ” لان كلمة الله حية وفعاله وأمضى من كل سيف ذي حدين (عب4: 12و 13) فكلمة الله عندما نتحصن بها ، ونعيشها ونترجمها في حياتنا يمكننا أن ننتصر في معارك الحياة مهما كانت شراستها وضراوتها.
عاشراً: كلمة الله كنز وثراء :-
يقول المرنم عن الكلمة المكتوبة ” أشهى من الذهب والإبريز الكثير (مز19: 10) (الإبريز نوع من الذهب الخالص النقي ). ويقول شريعة فمك خير لي من ألوف ذهب وفضه… أحببت وصاياك أكثر من الذهب والإبريز (مز119: 72، 127).
ويبقى السؤال هل كلمة الله محورية في عبادتنا وشهادتنا؟!.