تتحول الصلاة أحياناً إلى صمت لأن الشركة والسلام مع الله يمكنهما الاستغناء عن الكلمات . ” لقد هَدَّأتُ وسكَّنتُ نفسي كالطفل الفطيم مع أمه ” . كالطفل الذي يشعر بالاكتفاء والرضا فيكف عن البكاء بين يدي أمه ، هكذا نفسي في حضرة الله . حينئذ لا تحتاج الصلاة إلى كلمات ، وربما لا تحتاج حتى إلى أفكار .
كيف يمكننا إذن الوصول إلى الصمت الداخلي ؟ أحياناً نكون صامتين ، ولكن نتحدث في داخلنا بأصوات عالية ، نواجه آخرين من نسج مخيلتنا أو حتى نتصارع مع أنفسنا . كي نحفظ نفوسنا في سلام نحتاج نوعاً من البساطة : ” لم أسلك في العجائب أو العظائم التي أعلى مني ” . عندما نصمت نعرف أن مخاوفنا لن تجدي شيئاً ، فنترك لله كل ما هو أبعد من إمكانياتنا وقدراتنا . لحظة من الصمت ، وإن كانت قصيرة ، فهي وقفة مقدسة كراحة السبت المقدس ، هي هدنة من المخاوف .
إن اضطراب أفكارنا يمكن مقارنته بالعاصفة التي هزَّت مركب التلاميذ في بحر الجليل بينما يسوع كان نائماً . قد نكون بلا سند مثلهم ممتلئين من القلق وغير قادرين على تهدئة نفوسنا . لكن المسيح يمكنه أن يأتي إلينا ليعضدنا ويهدِّئ قلوبنا عندما تموج بالخوف والقلق كما انتهر الريح والبحر ، وبعدها ” كان هدوءاً عظيماً ” .
لنبقى ساكنين وواضعين رجاءنا في الله . فعندما تنتهي كلماتنا وأفكارنا ، فإن تسبيح الله يكون في صمت ودهشة وإعجاب . وعلى جبل سيناء كلـَّم الله موسى وشعب بني إسرائيل . الرعد والبرق وأصوات البوق العظيمة سبقت وصاحبت كلمة الله ( خروج 19 ) . وبعد مُضي عدة قرون عاد إيليا النبي إلى جبل الله ذاته حيث اختبر عاصفة ً وزلزلة ً وناراً كما اختبر أجداده ، وكان مستعداً ليسمع الله يحادثه في الرعد . ولكن الله لم يكن في أي من الظواهر القوية المألوفة . وعندما هدأ كل الضجيج سمع إيليا ” صوت من السكون المطبق ” ، و تكلم الله معه ( سفر ملوك أول : 19 ) .
عندما يصبح صوت الله ” صوت من السكون المطبق ” ، فهو يصبح أكثر تأثيراً في تغيير قلوبنا . العاصفة القوية على جبل سيناء فتتت الصخور ، لكن كلمات الله الصامتة قادرة على تفتيت وفتح قلوب البشر المتحجرة . حتى بالنسبة لإيليا نفسه فإن السكون المفاجئ كان على أغلب الظن أكثر مهابة من العاصفة والرعد . إن استعلان الله في مجد عظمته وقوة جبروته كان مألوفاً بالنسبة لإيليا نوعاً ما ، ولكن صمت الله كان مربكاً لأنه كان مختلفاً تماماً عما عرفه قبلاً .
الصمت يجعلنا مستعدين للقاء جديد مع الله فمن خلاله نُمكـِّنْ كلمة الله من الوصول إلى الجوانب الخفية في قلوبنا . في الصمت تظهر كلمة الله ” أمضى من كل سيف ذي حدين وخارقة حتى لمفرق النفس والروح ” ( عبرانيين 4: 12 ) . عندما نصمت نكف عن الاختباء من الله فيستطيع نور المسيح أن يصل ويشفي ويغيِّر حتى ما نخجل منه .
قال المسيح : ” هذه هي وصيتي : أن يحب بعضكم الآخر كما أحببتكم ” ( يوحنا 15: 12 ) . نحن في حاجة إلى الصمت لنقبل هذه الكلمات وننفذها عملياً . عندما نكون مضطربين في دوامة الحياة وليست لنا راحة يكون لدينا الكثير من الأسباب التي تمنعنا من الصفح ولا تتيح لنا أن نحب بسهولة شديدة . لكن عندما نحفظ ” نفوسنا في سلام وهدوء ” تنتهي هذه الأسباب فلا تعد تؤثر . قد نتجنب نحن الصمت أحياناً ونفضِّل عليه الضوضاء أو الكلام أو أي شيء يُلهينا ، لأن السلام الداخلي قد يكون فيه مجازفة : فهو يجعلنا فارغين فقراء ، يفتت العبوس ويقودنا لمعرفة هبة أنفسنا . في صمتنا وفقرنا تنقاد قلوبنا بالروح القدس ، تمتلئ من الحب غير المشروط . الصمت هو طريق متواضع لكنه آمن للوصول إلى الحب .