هل لابد أن يكون مستشار الرئيس للشئون القبطية قبطيا؟
بعيدا عن الاسماء الرؤية للملف القبطي هل رؤية أمنية أم رؤية مواطنة..
لعب المواطنون الأقباط دورا محوريا منذ معركة الاتحادية ، في اسقاط الاخوان ومرسي ، وصولا للمشاركة المؤثرة في انتخابات الرئاسة ، مرور بأنتفاضة التفويض والعقاب الجماعي الذي طالهم من جراء مواقفهم الوطنية ، الامر الذي زاد من حجم توقعاتهم من الرئيس السيسي ،
لذلك فإن الاخبار التي تناثرت حولنا خلال اليومين السابقين من بعض المواقع (المحسوبة علي بعض مراكز استطلاعات الرأي ) واخري ممن يريدون “حرق اشخاص بعينهم” حول إختيار الرئيس عبد الفتاح السيسي فريقه الإستشاري، قد خلفت جدلا عنيفا في الوسط القبطي ، فالرئيس السيسي هو الرئيس الثاني الذي يختار مجموعة من المستشارين كل منهم مسئول عن ملف معين، وكان ملف الأقباط من نصيب الدكتور سمير غطاس(كما زعمت هذة الاخبار) ، ومع كامل احترامنا لكل من تداولتهم الاخبار ، فإن الرسالة ( وهي الحقيقة الوحيدة) التي وصلت تشير الي ان الحكم الجديد يبحث في تلك المرحلة الخطيرة ان المطلوب الاكثر كفاءة من أهل الثقة ، والمعيار الثاني هو ارتباط معيار الكفاءة المهنية لصاحب الملف بالفهم للبعد “الامني والتفكير الاستراتيجي” اي ارتباط البعد المهني بالآليات الامنية والرؤية الاستراتيجية ، والاهم ان الرسالة المحددة فيما نشر تتوجه بالاساس للنخب الاعلامية والقبطية ، والذين يتصورون ان مهمة “المستشار” سلطة !! وبعضهم اسرف في الاونة الاخيرة في تسريب اخبار ونسج قصصا عن قربهم من حملة المشيرالسيسي (الي حد انهم صدقوا اكاذيبهم) وبعد ان فشلت الحملة الرسمية امام الجميع .. سقطت اوهام هؤلاء او انهم اسقطوا انفسهم بأيديهم ، ومن الكذب ما قتل!!
الملاحظة الثانية التي تستحق التأمل هي تذكرنا بمنهجية الراحل السادات ، وهي “حرق الاشخاص” اي تقديمهم في المسئوليات القيادية وتغيرهم سريعا لكي يحملهم الراي العام الفشل( 7وزارات في 11 سنة بمعدل وزارة كل سنة ونصف) هكذا حرق الرئيس السادات اثنا حكمة عشرات الشخصيات ، في حين استهلك الرئيس الاسبق مبارك (8وزارات في 30 سنة اي وزارة كل اربع سنوات) اما عبد الناصر فقد عين (7 وزارات في 12 عام ، اي وزارة كل سنتين ) وهكذا نجد ان السادات هو الوحيد الذي كان يختار رجاله و مساعديه بشكل غير مستقر
مستشارين وملفات :
وكان الدكتور سمير مرقس القامة والقيمة الكبيرة أول مستشارا للرئيس للملف القبطي، وهو الباحث المهتم بقضايا المواطنة والتعايش السلمي وله من الأبحاث التي إن إستعانت بها مؤسسة الرئاسة وقت توليه منصبه لربما كان ترك الإخوان حسنة وذكرى طيبة قبل رحيلهم إلا أن د.سمير مرقص بلغة الكورة (لم يختبر)
في تاريخ الرئاسة المصرية منذ محمد نجيب الذي لم يستمر في منصبه الا شهور قليلة وإنتهاءا بمحمد مرسي الذي لم يجلس على عرش مصر أيضا الا شهور قليلة، ظهرت شخصيات قبطية بالجوار من الرؤساء، فالنظام الرئاسي الذي تحولت له مصر بفضل ثورة الجيش في الثالث والعشرين من يوليو وبالتالي تولي قادة هذه الحركة المباركة مقاليد الأمور في مصر والتي كانت تخلو من الأقباط على الأقل في صفها الأول، فكان لابد من الاستعانة بوجوه مسيحية تعمل معهم مراعاة لطرف المعادلة المصرية الثاني، فكانت البداية في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بجندي عبد الملك، وكمال رمزي إستينو، وهم اللذان شاركا في وضع لائحة 57 الخاصة بالأحوال الشخصية للأقباط، وكان إستينو هو المسيحي الوحيد في مجلس الوزراء عقب رحيل جندي عبد الملك كوزير للتموين وكذلك هو العضو المنتخب في الاتحاد الإشتراكي العربي مما جعله من المؤثرين في القرارات السياسية التي كانت تتخذ في ذلك الوقت، وكان إستينو من الشخصيات التي تعبر عن مسار ثورة 23 يوليو التي كان شعار العلم والعمل معبرا حقيقيا عنها، فرمزي إستينو المولود عام 1910 والذي عايش ثورة 1919 وثورة يوليو.. فأصبح من المخضرمين وايضا كان يمثل الارستقراطية القبطية من جهة والتكنوقراط من جهة ليكون المعبر عن الأقباط لدى مؤسسة الرئاسة وحلقة الوصل بين الرئاسة والكنيسة، فكان إستينو هو الوسيط عبد الناصر والبابا الراحل كيرلس السادس قبل أن تتوطد العلاقة بين الرجلين حتى أصبحت أقوى ما يكون.
وبرحيل الرئيس عبد الناصر ووصول الرئيس أنور السادات إلى سدة الحكم، وبعد معركة سياسية حسمت في مايو 1971 أو ما يعرف بأسم ثورة التصحيح، تغير الفريق الرئاسي والعاملون إلى جوار الرئيس بشكل كبير فأصبح الأقباط ليس بالضرورة وزراء بينما شخصيات عامة مثل الكاتب موسى صبري وفكري مكرم عبيد عضو المكتب السياسي في الحزب الوطني عام 1978، وفي أعقاب تلك المعركة بشهور قليلة وتحديدا في نوفمبر 1971 جلس البابا شنودة الثالث على كرسي مارمرقس ليصبح بطريرك الأسكندرية، وفي ذلك الوقت كانت العلاقة بين الرئيس جمال عبد الناصر والبابا كيرلس السادس قد بدأت في غرس بذرة تمثيل البطريرك للأقباط، وهي البذرة التي ساعد السادات في تغذيتها لتنمو، فكان السادات أول من تعامل مع البطريرك القبطي بصفته زعيما للأقباط، والعلاقة بين الرجلين بدأت بالصدام وأنتهت بإعتقال البابا وإغتيال الرئيس، وكان تحديد اقامة البابا هو القرار الذي اتخذه السادات بمساعدة مستشاريه الأقباط وعلى الرغم من وجود أقباط في حكومات عهد السادات إلا أننا لا نستطيع أن نجزم بأنهم لعبوا دور تمثيل الأقباط لدى مؤسسة الرئاسة أو حتى مستشارين فيما يتعلق بملف الأقباط، فحتى وإن كانت العلاقة بين مؤسسة الرئاسة ومؤسسة الكنيسة غير جيدة فإن ذلك لا يعني أن الاتصال بينهم لم يكن مباشرا.
وبعد إغتيال السادات ووصول نائبه حسني مبارك إلى منصب الرئيس وفب البداية أستعان مبارك بمصطفى الفقي كمستشار للرئيس في الملف القبطي الذي كان على أتصال بآل عبد النور، بدأ مبارك بداية جديدة لإزالة آثار ما أنتهى به السادات، فالغي قرار السادات بتحديد إقامة البابا شنودة في دير وادي النطرون في يناير 1985، ولكن في عهده نمت بذرة تمثيل الأقباط عن طريق الكنيسة وتبلورت حتى أصبحت الكنيسة بديلا عن الدولة في العديد من الأمور السياسية والأقتصادية لدى الأقباط على الرغم من حفاظه على العرف المتبع بوجود قبطي أو أثنان في الوزارة، وقد أدى هذا الوضع إلى قوة موقف الكنيسة لدى الدولة وحدوث تقارب بين المؤسستين الرئاسية والكنسية، مما جعل البابا إعتباريا مستشار الرئيس في الشأن القبطي بل تولى بشخصه مسئولية التصرف في العديد من قضاياه. وعلى الرغم من الإستقرار النسبي في الملف القبطي في ظل هذه الظروف الا أنه كانت هناك معارضة مستترة خاصة من فئة من الشباب القبطي، والذين أشتركوا فيما بعد في المعارضة الكبرى والإحتجاج الأعظم في يناير 2011 في ثورة على المنظومة كاملة، فسعيا نحو مستقبل جديد ووطن يسوده القانون وتديره المؤسسات خرج هؤلاء الشباب في سعيهم نحو التغيير، ونتج عن هذا السعي وهذا التغيير تغير في شكل مؤسسة الرئاسة، فأصبح الرئيس ملزم أدبيا على إختيار مجموعة من الأشخاص ليتولوا مناصب مستشارين الرئيس في العديد من الملفات والتي من أهمها ملف الأقباط في المستقبل أحد أعراف المسار الإنتخابي المصري.
وها نحن أمام مسار سياسي جديد يقف على قمته الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبعد إستعراض الأنظمة السابقة جاء وقت إستعراض السؤال المستمر، ترى كيف سيدير الرئيس عبد الفتاح السيسي الملف القبطي؟ هل سيحافظ على السياق المتمثل في إعتبار الكنيسة ممثلا عن المسيحيين؟ أم سيفعل منصب مستشار الرئيس؟ أم سيخلق ديناميكية تجمع بين الكنيسة ومستشاره وشباب الأقباط الذين نجحوا في تثبيت وجودهم في الشارع؟ وفي كل الاحوال يبقي السؤال الاهم هل كما نري من مؤشرات حس النيض ستظل الرؤية للملف القبطي رؤية امنية وبناء كنائس ام رؤية مواطنة ، ذلك ما سوف تجيب علية الايام القادمة