نشر تنظيم دولة العراق والشام الإسلامية “داعش”، خريطة لتصور الدولة الإسلامية التي يسعى لإقامتها، وبدا لافتا إلى أن التنظيم وضع الكويت ضمن دولته المرتقبة
وضمت أيضا الخريطة -التي تناقلتها المواقع الإخبارية- دول أخرى مثل الأردن وفلسطين ولبنان إلى جانب سوريا والعراق. هذا وقد استولت داعش على مساحة تقدر بحوالي 38 ألف كيومتر وهي بذلك تتفوق على مساحة بعض الدول العربية. وحتى كتابة هذه السطور فإن داعش قد وصلت بالفعل إلى الحدود مع الأردن وأعلنت عن استعدادها للزحف إلى لبنان وفلسطين أيضا بالإضافة إلى قتالها المستمر في العراق وسوريا قد تقدمت حتى حدود العاصمة بغداد.
داعش
وتقول أميرة الطحاوي كاتبة متخصصة في الشأن العراقي إن داعش تستخدم مصطلحي “الفتوحات العُمَرية – نسبة للغزوات والتوسعات خارج الجزيرة العربية في عهد عمر بن الخطاب” و”الزحف لعاصمة الرشيد” لوصف ما يقومون به من هجمات وتوسع ميداني في العراق. وقد بدأوا في فرض نظام متشدد (ضمن 16 بندا تضمنها ما عرف بوثيقة المدينة) يتعلق بمفهومهم لشكل الحياة اليومية وطريقة ملابس النساء الذين قالوا ان خروجهم يجب ان يكون في أضيق الحدود، وحظر وجود أحزاب أو منظمات وحياة سياسية أو مدنية وثقافية، و تقول تقارير حقوقية انهم قتلوا المئات ممن سقط في أيديهم من قوات الجيش العراقي بالموصل كأسرى، ونشرت داعش بالفعل بعض صور للجثث مع هويات منسوبي الجيش والشرطة العراقيين. واستولوا على عتاد وأسلحة نقل بعضها لسوريا بالفعل. كما انهم يستخدمون تقنيات تواصل حديثة ويحرصون على نشر أخبارهم بلغات أجنبية أيضا ويضعون معلومات مفصلة عن مواقع باحداثيات عبر هواتف وأجهزة حاسوب متقدمة.
وقالت أميرة: “بالرغم من أن داعش استولت على أموال وأسلحة أثناء اجتياحها في العراق مما عزز موقفها العسكري إلا أن التمدد في حد ذاته أرهق التنظيم وأضعفه، فنجدهم يتقدمون في مدينة ويسقطون في أخرى، فاستولوا على كركوك لكنهم انسحبوا من صلاح الدين ونفس الشئ أيضا يحدث في سوريا فهناك مدن سقطت من ايديهم لتعود للنظام السوري، وأظنهم أقل عددا من أن ينقلوا الأسلحة من العراق إلى سوريا.” ونفت ما تردد حول فكرة الدولة المرتقبة في منطقة لهلال الخصيب فهم يتحدثون عن خلافة بلا حدود.
النفوذ الكردي
وأشارت إلى أنه بعد انسحاب الجيش العراقي من كركوك استولى عليها مقاتلو البيشمركة التابعة لإقليم كردستان العراق، الذي ينعم باستقرار نسبي مقارنة ببقية مناطق العراق، وهي قوة نظامية تتألف بالأخص من مقاتلي الحزبين الأقدم هناك (الحزب الديموقراطي الكردستاني – البارتي، والاتحاد الوطني الكردستاني – يه كه تي ) كما سيطروا لاحقا على منفذ ربيعة الحدودي بين العراق وسوريا، لكن دخول مقاتلي داعش يتم عبر العديد من المنافذ والحدود غير المؤمنة بين البلدين، بالطبع هناك استفادة كردية من الفراغ الأمني في بعض المناطق التي يتواجد بها أكراد أو تلك التي يعتبرها الساسة الكرد جزء من كردستان تاريخيا وجغرافيا، كما قال مسعود برزاني الرئيس الحالي للإقليم انه سيدافع عن مواطني كردستان حتى خارج الإقليم، لكن وجود قلاقل وجماعات متطرفة أو اضطرابات أمنية بهذا القرب من محافظات الإقليم الحالية (3 محافظات) لن يكون لصالح الاستقرار فيه، كما ان هناك جماعات متطرفة بالفعل في أطراف محافظة السليمانية وبعضها في أربيل.
الأهالي واللاجئين
وأوضحت أميرة إن هناك حركة نزوح من الموصل لنحو نصف مليون بحسب المنظمة الدولية للهجرة ومنظمات إغاثة محلية ودولية، انتقل هؤلاء وغالبهم من المدنيين والعائلات لمخيم خازر في محافظة أربيل بإقليم كردستان العراق، وهو تابع للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة، وحركة النزوح الداخلي بين محافظة أو أخرى معروفة في العراق على الأقل خلال الربع قرن الماضي، وحتى في الستينات كان هناك حركة نزوح من مسيحيي الموصل إلى البصرة والعكس. وقد تدفع الظروف المعيشية البعض للعودة بحكم وجودهم في مدن وارتباط عملهم بها، ولا أظن إن التغيير سيكون كبيرا أو دائما من ناحية تغيير ديموجرافي واضح لان الوصف يتطلب أمدا زمنيا أوسع للوقوف على طبيعة النزوح واتجاهاته والاستقرار في مناطق جديدة.
مصر
للأسف الكثير اعتبر أن خطاب أمير داعش للظواهري (زعيم تنظيم القاعدة) حديث، لكنه يعود للأسبوع الثاني من مايو الماضي، وكان يهاجم فيه عبد الفتاح السيسي والاخوان معا، ويدافع عن العمليات الارهابية التي تستهدف الشرطة والجيش وحتى المواطنين في مصر. من المدهش أن هناك من يقول إن داعش إخوانية أو إيرانية أو بعثية. الكثير يفتي في الأمر دون خجل مستغلا تلاحق الاحداث. داعش دائما ما تتحدث عن أن حدودها ستتمدد حتى الكويت والجزيرة العربية ومصر، هم يحلمون بعودة ما يسمى دولة الخلافة، لكن ما يحدث عمليا هو أن هناك جماعات متطرفة تنتهج العنف كأسلوب عمل، تنسق مع جماعة أخرى خارج الحدود تتفق معها على نفس الأفكار والمنهج، وتنسب ما تقوم به من أعمال للجماعة الأكبر أو تعلن انضواءها تحت رايتها، فالدولة الإسلامية في العراق (التي تمددت لتصبح داعش) دانت بالولاء لتنظيم القاعدة وقدمت البيعة لأسامة بن لادن في 2004 ، ومن الوارد ان تقوم مجموعة متطرفة في مصر بالأمر نفسه، خاصة ان هناك مقاتلون مصريون بين صفوف داعش (منذ أكثر من عامين) وحتى ضمن الجماعات الإسلامية المتطرفة الأخرى التي تقاتل ضدها في سوريا. هؤلاء قد يشكلون رصيدا مضافا لقوة أية جماعة متطرفة في مصر وقد يسهلون التواصل مع قيادات داعش في سوريا والعراق، فتكون الجماعات الصغيرة بمصر جزء من داعش تنظيميا. ودخول مقاتلين من داعش او غيرها من الحركات المتطرفة في سوريا والعراق إلى مصر يحدث حتى الآن، فقد وصل للقاهرة هذا الشهر قيادي سوري كان يعمل للهدنة بين داعش وجبهة النصرة واعلن عن رقم حساب ببنك مصري لجمع تبرعات للمقاتلين في سوريا، وهو أمر غريب ان يحدث الان.
ونفت أميرة احتمالية التدخل العسكري لمصر، واستطردت: “ولا انصح بأي تدخل من هذا القبيل في العراق أو غيره، الأمر أشبه بمستنقع كبير، وفيه أبعاد وتشابكات مذهبية ودينية وإقليمية ولا يجب ان نتدخل فيه أبدا، فلا نحن بالقوة القادرة على حسم الأمر دون خسائر فادحة، ولا هو يؤثر علينا مباشرة فنتدخل، ولا يوجد مسوغ قانوني سواء اتفاقية أو نحوه تدفعنا للتدخل أو تسمح لنا به.”
النهاية
ستكون الأمور أشبه لحد ما بما حدث في الصومال منذ العام 1991 فليس هناك دولتان تحاربان بعضهما البعض لكن حروب بالوكالة او تزكية صراعات أو عنف يومي يؤدي لضحايا ربما أكثر من أي حرب تخوضها القوات النظامية، ولا تحكمها معايير القانون الإنساني الدولي وأحكام الحروب، هي فوضى كبيرة وحروب صغيرة متوالية وتتضخم وتتوسع أفقيا وقد تتوقف لفترة ويحدث تراجع لكن الخطر قائم لوجود قتال في جزء قريب من منطقة الشرق الأوسط، الأمر سيكون أشبه بقطعة الدينامو، والاستقرار لن يحدث في دولة دون اخرى مجاورة وحدود مفتوحة أو مخترقة.
بينما نفى اللواء نبيل فؤاد الخبير استراتيجى هذا الافتراض مؤكدا أن الجيش العراقي جيش قوي بالرغم من محاولة الولايات المتحدة من تفكيكه، في حين إن داعش هي ميليشيا عسكرية تدريبها محدود وافترض نبيل فؤاد إن الجيش العراقي سيستعيد سيطرته على الوضع ثانية.
هذا ومن جانبه أوضح مؤمن سلام الكاتب والباحث إن البعض ينظر إلى العراق بمعلومات الماضي فالجيش العراقي الحالي ليس مدربا بشكل كافي، بالإضافة إلى أن المالكي شخصية مستبدة مفروضة على العراقيين وهو يعتبر شخص أصولي شيعية وبالتالي فهو مكروه بسبب سياسته الطائفية، موضحا إن داعش لا تحارب وحدها فنجد قوات الطريقة النقشبندية ومقاتلي من الجيش العراقي القديمن ولذلك فإننا نجد العراق تسقط من دون مقاومة وبسرعة.
سيناريوهات العراق
كما أوضح أن الأمر ليس منفصل عن بقية الشرق الأوسط ككل ولا يمكن فهمه من دون الرجوع للأحداث في المنطقة، ملمحا إلى ما يحدث في سوريا من تطورات
وأشار إلى أن داعش مدعومة من حكومة قطر كما هي مدعومة من أفراد خليجيين، مشيرا إلى الغرب سيستفيد بالطبع من ذلك إما بالتدخل أو ببيع السلاح، وأضاف: “بالطبع إيران ستتدخل وستتعاون مع الولايات المتحدة وبريطانيا على عكس ما يشاع، ونرى ذلك التعاون بدءا من تسوية أزمة النووي الإيراني المؤقتة حيث تبعه سحب الولايات المتحدة دعمها لمقاتلي المعارضة السورية وانتصار بشار الأسد في عدة مواقع.” وأوضح مؤمن إلى أن تلك المعارك قد تنتهي بتقسيم العراق مشيرا إلى أن ذلك هو ما يجري الإعداد له منذ فترة بعيدة، واستطرد قائلا: “ستؤسس دولة شيعية ودولة سنية في الوسط وأخرى كردية تنضم إلى كردستان سوريا ملمحا إلى عدم مشاركة كردستان سوريا في الانتخابات الأخيرة، كما أدت الحرب الطاحنة في سوريا إلى تقوية نفوذهم فاستطاعوا دحر مقاتلي جبهة النصرة وداعش. لكن الأمر في إقامة دولة كردستان مرهون بيد تركيا فهل تستطيع الولايات المتحدة الضغط عليها لسماحها بتكوين دولة كردية تضم كردستان العراق وسوريا، أم لا؟
أما المسيحيين وباقي الأقليات الدينية فأوضح مؤمن إلى أنه من الأفضل أن ينضموا إلى دولة كردستان حيث أن الحزبين الكبيرين في كردستان وهم الحزب الديموقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني حزبين علمانيين ذلك بالإضافة إلى أن القوات البشمركية استطاعت الاستيلاء على الجانب الأيسر من الموصل وهي التي كان يطالب بها الكرد منذ زمن.
وتطرق مؤمن إلى أن سيناريو التقسيم قد يتعطل نتيجة مخاوف السعودية من التمدد الإيراني، ومخاوف تركيا من استقواء الكرد بعد قيام دولة كردستان، لذا فالحوار الدائر حاليا يصب في جانب عزل المالكي، إلا إنه ألمح أن موقف تركيا قد يتغير وخاصة بعد التعاون الأخير بين كردستان العراق وتركيا لنقل النفقط العراقي، مشيرا إلى المخاوف التركية قد تنتهي في حال تخلت الدولة الكردية عن أكردا تركيا.
سيناء
وتطرق مؤمن إلى الوجود الداعشي في مصر فأفاد إن داعش موجودة بالفعل في سيناء منذ تولي محمد مرسي رئاسة الجمهورية، والآن فالحكومة المصرية تحارب داعش ولكن في الأماكن القريبة منها، فهي تدعم حفتر عن لم يكن بالسلاح على الأقل بالمعلومات، كما تغلق الأنفاق التي كان يستطيع مقاتلوا داعش وسائر الجماعات الإرهابية التزود منها بالسلاح والانتقال من غزة إلى سيناء وبالعكس، فضلا عن محاربة الجيش المصري لكافة الجماعات الإرهابية في سيناء.
الأردن ولبنان
وأشار مؤمن إلى استحالة دخول داعش إلى الأردن فهي حسب وصفه “محمية أمريكية إسرائيلية”، وأوضح إلى إنه في حال توغل داعش في الأردن ستقوم الولايات المتحدة وإسرائيل بردعهم كما فعلوا في حادثة أيلول الأسود عندما تدخلت إسرائيل بطلب من الولايات المتحدة لتحمي الملك حسين من اللواء السوري الذي تدخل لمساندة لحركة فتح ضد الملك، ونفى مؤمن استفادة اسرائيل من حربها مع داعش حيث أن التمدد الإسرائيلي لن يتم بسبب عدد السكان الصغير، مشيرا غلى أن اسرائيل قد تهاجم داعش دفاعا عن الأردن لكنها لن تستطيع البقاء في الأردن. أما لبنان فأفاد مؤمن إن داعش فن تستطيع الصمود أمام المليشيات اللبنانية المتعددة والتي ستتكاتف جميعها (عدا المليشيات السلفية) لصد التمدد الداعشي. وختم مؤمن بقوله لقد توهم الداعشيون إن كل ما حققوه من انتصارات تعود لقوتهم الذاتية وليس بسبب كراية السنة للمالكي أو لتوازانات خارجية، لذلك اعلنوا عن استعدادهم لاجتياح الاردن ولبنان وفلسطين وسيناء لكن اأمر مختلف تمام على أرض الواقع، وأقصى ما يتم هو رفع الروح المعنوية للداعشيين.