فريق من خبراء الاثار لإنقاذ مغارة البشارة في الناصرة
المغارة فقدت توازنها الكيميائى وتتآكل بمقدار 5 سم كل سنة تقريبا
تواجه مغارة ” البشارة ” بالناصرة التى تعود للعثور الاولى للمسيحية مجددا خطر الانهيار ،حيث بدأت تدريجيا تتفتت أجزاء من جدرانها ، ولهذا تقوم مجموعة من المتخصصين بعلم الآثار بمشاركة مجموعة من الرهبان الفرنسيسكان ـــ الذين يسهرون على حراسة هذا الموقع منذ عام 1620 – بمحاولة انقاذ المغارة بعد ان بدأت تفقد من توازنها الكيميائى وتتآكل بمقدار 5 سم كل سنة تقريبا .
ويعي الرهبان تماماً بأن التلف الذي أصاب المغارة حتى الآن لا يمكن إصلاحه ، ولكن بإمكان المتخصصين حماية ما تبقى من المغارة فقط، والوصول إلى ضبط لنظامها البيئي ، ولكن الأشهر القليلة القادمة ستكشف عن نتائج هذا الترميم ومعرفة هل استطاع علماء الاثار ايقاف التلف الذي يصيب المغارة بسبب الرطوبة، أم لا .
وأكد مجموعة من العلماء مؤخرا على ان حجارة هذه المغارة الكلسية حدث لها العديد من التغييرات والتعديلات على مر الزمان، جعلتها تفقد من توازنها الكيميائي ، لان اى مغارة في العالم يعتمد نظامها البيئي على درجة الحرارة ونسبة الرطوبة إضافة إلى عملية تبادل الغازات فيها ، ومن هنا فان هذا التفتيت يعود إلى ارتفاع في نسبة الرطوبة والامطار المتساقطة اعلي الكنيسة والانفاق المجاورة الخاصة بالصرف الصحى هذا فضلا عن كثرة عمليات الإستنشاق داخل المغارة اثناء توافد الزوار المستمر ، واذا لم تعالج هذه الاسباب والعوامل قد تنهار المغارة خلال 50 عاما.
اختلال التوازن البيئى والكيميائى
ويتفق المتخصصون الذين استطاعوا تفحص المغارة، على أن تفتتها يعود إلى ارتفاع في نسبة الرطوبة، ناتج عن عاملين أساسيين، أحدهما خارجي والآخر داخلي ، أمّا العامل الخارجي فهو ناتج عن تعرق أجساد الزائرين وعن تنفسهم ويتسبب هذا كله بظهور رطوبة مشبعة من الحوامض الكربونية التي تهاجم الحجارة الكلسيّة وتؤدي إلى تلف فيها لا يمكن اصلاحه لذلك تم اغلاق المغارة بواسطة سياج حديدي عام 2006 لمنع الزوار من الدخول إليها ، كما تم تعديل نظام الإضاءة فيها، وإستبداله بإضاءة باردة ، ورغم المحاولات العديدة لإصلاح المغارة وتنظيفها ومعالجتها، إلا أن الرطوبة والبقع كانت تظهر باستمرار، رغم أنه يستحيل حدوث رشح للماء بالمغارة نتيجة لذلك، قررت حراسة الأراضي المقدسة النّظر في الأسباب الداخلية والجيولوجية التي تكمن وراء هذه الظاهرة
دراسة موثقة حول المغارة
طلب الرهبان الفرنسيسكان من مؤسسة “ACCO Solutions deBolzano” الإيطالية مساعدتهم في ذلك ، قامت هذه المؤسسة بإرسال عدد من خبرائها في مجال إزالة الرطوبة، بدأوا أولاً بإقامة دراسة موثقة حول المغارة، تبيّن لهم من خلالها أن إرتفاع نسبة الرطوبة في المغارة يعود إلى ما يدعى بالخاصية الشعرية في علم الفيزياء. ذلك يعني في الواقع أن هنالك كمية من المياه في أرضية المغارة، العميقة أو القريبة من السطح، التي لا ترشح إلى الخارج والتي تتسبب في إنتاج ما يدعوه الأخصائيون “بالرطوبة التصاعدية”. وبناء على خبرتها في العديد من البيوت والمتاحف والقصور والكنائس، ومن بينها خبرتها في بازيليكا سانتا ماريا ديلاّ سالوتي في مدينة البندقية، إقترحت مؤسسة “ACCO Solutions” على حراسة الأراضي المقدسة وضع حاجز أفقي ثابت وفعال، يهدف إلى منع المياه من أن ترشح إلى جدران المغارة.
الرطوبة مشكلة لها حل
وتم تشكيل فريق مكون من مهندسين وعلماء في الجيولوجيا ومتخصصين في الترميم وفي معالجة المشاكل الناتجة عن الرطوبة؛ بدأ في العمل منذ عدة أشهر. قاموا أولاً بتظيف البقع التي تظهر في كل مكان تقريباً على الجدران، ثم قاموا بتصريف المياه منها ، كما تم إدخال أقطاب كهربائية ولاقطات في فتحات صغيرة من الجدار. وظيفتها هي إلتقاط وعلاج الرطوبة التي تنتقل من مكان إلى آخر في الجدار على مدى النهار ، وذلك دون اللجوء إلى أي تدخل يؤدي إلى إتلاف الجدار أو إحداث أي ضرر فيه، وستقوم هذه الأقطاب الكهربائية المرتبطة بمولد للكهرباء بمحاربة القوة الطبيعية للماء وستعمل هذه الأداة بحسب مبدأ البطارية، أي سيكون لها قطبان، أحدهما موجب، وهو أرضية المغارة، والآخر سالب، هي الجدران نفسها. وستنتقل المياه دائماً من القطب الموجب نحو السالب، بينما تقوم التفريغات الكهربائية بقلب اتجاه التيّار.
كنيسة البشارة و الملاك جبرائيل
وتقع المغارة داخل منزل السيدة العذراء مريم وتحديدا في المكان الذى ظهر فيه الملاك ليبشرها بولادة السيد المسيح قبل ان تتحول فيما بعد لكنيسة “البشارة” ، تلك الكنيسة التى تعد من اهم الاماكن الاثرية في الناصرة والتى تعج دائما بالزوار من جميع انحاء العالم .
وتعد كنيسة البشارة ثالث أهم مكان مقدس فى المسيحية، بعد كنيسة القيامة في القدس وكنيسة المهد في بيت لحم، وتاريخياً يعود اسم الكنيسة إلى تبشير الملاك جبرائيل لمريم العذراء بحملها. وتقع كنيسة البشارة وسط مدينة الناصرة، وتعتبر الكنيسة أبهى وأجمل مواقع المدينة في الجليل، وقد أنشئت فوق بيت السيدة العذراء عام 427 ميلادية، في العصر البيزنطي، وقد تم تجديدها على مر العصور، كان آخرها عام 1969
إن الكنيسة بنيت من قاعة وسطى كبيرة وبني إلى الجنوب منها دير صغير، وهناك مطلع درج يوصل إلى المغارة المقدسة التي كادت تفصل بصورة تامة عن الكنيسة نفسها ،وتم استعمال الكنيسة خلال حوالي 700 عام حيث أجريت تصليحات مختلفة فيها، وبمرور الزمن تهدمت بصورة شبه نهائية ، وعند مجئ الحملة الصليبية على فلسطين، أعاد تانكريد، أمير الجليل، بناء الكنيسة وأقام في المكان بازيليكا فخمة مترامية الأطراف، ودمجت مغارة البشارة داخل الكنيسة وصار الجمهور ينزل إليها على الدرج، حيث أقيم فوقها مذبح صغير .
وفي عام 1620، ومع بداية الحكم العثماني على فلسطين، سُمح الأمير فخر الدين المعني الثاني الذي اشتهر بُحسن معاملته للمسيحيين بعودة الرهبان الفرنسيسكان إلى المكان، حيث سكنوا في الناصرة قرب مغارة البشارة وبنوا ديرًا متواضعًا، ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم يقع المكان تحت تصرف الرهبان الفرنسيسكان.
وفي عام 1730 تمكن الفرنسيسكان من إعادة بناء الكنيسة بعد الحصول على موافقة حاكم الجليل ظاهر العمر ، وفي عام 1877 تم ترميم الكنيسة ووسعت وأعيد بناء واجهتها، وفي عام 1955 تقرر إقامة كنيسة البشارة الحالية فهدمت الكنيسة القديمة، و في عام 1930 بني إلى جانب الكنيسة الدير والمدرسة الفرنسيسكانية.