في ختام تأملات هذا الشهر المريمي المبارك، أشكر الله الذي أعطانا الكنيسة المقدّسة أماّ ومعلّمة ومرشدة، وعلّمتنا من الآباء القديسين الذين امتازوا بتكريم العذراء وتغنوا بأمجادها وفضائلها وعظائمها، أن نستقي منهم ومن الكتب المقدّسة وأن نتعمق في مراحل حياتها وفضائلها وألقابها وأمجادها، لأن الله تعالى اختارها لتكون أُماً لإبنه الفادي المخلّص. وجعلها ملكةً على السماوات والأرض
ملكة السماوات لأنها تتطلّع من عليائها بالرحمة والحنان على أبناء البشرية. وملكة الأرض لأن لها مملكة واسعة النطاق ولها ابناء عديدون في جميع الاصقاع يدينون لها بالخضوع والمحبة والولاء.
إنها متوجة بتاج العظمة والمجد، لأنها والدة الكلمة المتجسّد، وبتاج القداسة و الطهارة والنقاوة حيث حُبِلٓ بها بدون وصمة الخطيئة الأصلية. ولقد انتقلت من العالم بالنفس والجسد محمولة على أجنحة الملائكة، وتطأ بأقدامها النجوم الساطعة زهور السماء، وقد فاقت زنابق الحقل حسناً وبهاءً.
ومهما تكلمنا أو كتبنا عن العذراء مريم وأظهرنا حُبّنا النبوي نحوها لم نستطع أن نذكر إلاّ الشيء الضئيل، لا بل الضئيل جداً من فضائلها وأمجادها. ولكن لا عجب في ذلك، إذ أنّ القديس مار إفرام السرياني والمعروف بقيثارة الروح والشهير بمحبته للبتول القديسة عندما أراد أن يتكلم عن مريم والدة الإله لم يسعه إلا ان يصرخ قائلاً:
” حقاً أنّ الإنسان لعاجز عن أن يذيع محاسنكِ يا مريم . فأنت طاهرة نقية مقدّسة سامية . نوركِ أبهى من نور الشمس المضيئة والكواكب المنظّمة . فهذه كلهّا تتغيّر وتغرب . أنت أسمى مجداً من الكاروبيم وأرفع قدراً من الساروفيم انت أعلى مقاماً من القوات والسلاطين …”
فالمطلوب منّا إذاً أن نعمل على تكريم السيدة العذراء ، ولنعمل جميعاً بنشاط وثبات وغيرة روحية لنكرمها ونعظّمها لأنها فوق كل مديح . وإذا كان الملائكة يكرّمونها ، فما هو إكرامهم بجانب إكرام الله لها ؟
وما هو إكرام السماوات والأرض بجانب إكرام الثالوث الأقدس ؟
وما هو مديح البشر وكل تسبيحات الملائكة والقديسين بجانب كلمة ” يا أُمي ” التي ناداها بها يسوع مخلّص العالم ، إذ صار لها ابناً حقاً ! وأعطانا إياها أُماً من على الصليب بشخص يوحنا التلميذ الحبيب عندما قال لها : ” هذا ابنُكِ ” . ومهما تبارى وتسابق الناس شرقاً وغرباً في تكريم هذه الأُم السماوية ، فهي تستحق من أبنائها الأوفياء ، في كل زمان ومكان ، التعظيم والتمجيد والإكرام ، فهي أمّنا وحاميتنا وشفيعتنا لدى رب القدرة والعظمة . ومع ذلك فالعذراء مريم ترحبّ بإكرام أبنائها مهما كان ضئيلاً لإنها أُمنا . وإذا وجدت منا نحن أولادها شيئاً يسيراً ولو كلمة … أو عاطفة حب … تقبله منّا بارتياح ، وتغمرنا بكل النعم والبركات السماوية التي نحتاج إليها في هذه الحياة ، إلى أن تجمعنا حولها في السماء حيث ننعم بالسعادة الأبدية ونُسبّح ونبارك معها إلى الأبد ، مراحم الثالوث الأقدس الآب والابن والروح القدس ، آمين .