خرج داود النبي مع رجاله للحرب وعاد بعد أيام ليجد العمالقة قد غزوا صقلغ حيث كان يقيم مع رجاله، وحرقوا المدينة وأخذوا النساء والأطفال أسرى وسبايا ونهبوا كل كان لهم. رفع داود والشعب الذي معه أصواتهم وبكوا حتى لم تبقى لهم قوة للبكاء. نادى الشعب برجم داود من شدة حزنهم وضيقهم على بنيهم وبناتهم
. لكن الكتاب المقدس يقول: “وأما داود فتشدد بالرب إلهه” (صموئيل الأول 30: 6)، فطلب وجه الرب الذي شجعه على ملاحقة أعدائه فإستطاع أن يخلص كل النساء والبنين والبنات بل أيضاً الأملاك والمقتنيات التي أُخذت منهم.
الذي حدث مع داود النبي يحدث مع الكثيرين منا حيث يشعرون أن طعم الحياة وبهجتها قد سُلب منهم. يستخدم عدو الخير أُناساً ويدبر مواقف وأحداثاً تُصيبنا بضرر مادي أو معنوي يكسر النفس ويغرقها في ضيق وحزن شديد. يصل البعض في خسارتهم وأحزانهم إلى شعور كبير بالإحباط ينزع منهم كل قدرة بل ورغبة في الحياة، فينسحبون في مرارة ضيقهم إلى إستسلام سلبي للظروف الصعبة ويغرقون تحت وطأتها فيغلقون على أنفسهم فرصة النجاة وتغيير الأوضاع كما حدث مع رجال داود.
لكن داود فعل أمراً مختلفاً. لجأ داود للرب في عمق أحزانه وطلب وجهه وإرشاده، فوجد داود في الرب نوراً جديداً وأملاً يومض ولو من بعيد. قام داود من حزنه المفرط وسعى نحو الأمل متشدداً بالرب، فتحول الأمل إلى واقع إذ عوض الرب الخسارة وأعاد للحياة فرحتها وبريقها.
إن قوى الشر والظلام تعمل ضد الخير والسلام. إنها تريد أن تسلب منا السعادة بل الحياة إن أمكن. إن الشيطان عدو نفوسنا لا يحب الإنسان بل يعمل على تدميره وهو يستخدم في ذلك أناساً أسلموا أنفسهم لإرادته فتحجرت قلوبهم وذهبوا معه في غيهم إلى إيقاع الأذى بآخرين. لقد أعمى الشرير أذهانهم، إنهم لا يبصرون بل يعيشون في ظلمات أوهامهم الضالة معتقدين أنها الحقيقة. دعني أقتبس وصفاً لهم من كلمة الله مع ملاحظة أن المكتوب بحروف صغيرة هو إضافة على النص الكتابي لتوضيح الأمر: “وَلَكِنَّ هَؤُلاَءِ يَفْتَرُونَ عَلَى مَا لاَ يَعْلَمُونَ. وَأَمَّا مَا يَفْهَمُونَهُ بِالطَّبِيعَةِ، كَالْحَيَوَانَاتِ غَيْرِ النَّاطِقَةِ، فَفِي ذَلِكَ يَفْسُدُونَ. 11وَيْلٌ لَهُمْ لأَنَّهُمْ سَلَكُوا طَرِيقَ قَايِينَ (الذي قتل أخاه هابيل)، وَانْصَبُّوا إِلَى ضَلاَلَةِ بَلْعَامَ (الذي حاول أن يلعن شعب الرب) لأَجْلِ أُجْرَةٍ، وَهَلَكُوا فِي مُشَاجَرَةِ قُورَحَ. 12هَؤُلاَءِ صُخُورٌ فِي وَلاَئِمِكُمُ الْمَحَبِّيَّةِ، صَانِعِينَ وَلاَئِمَ مَعاً بِلاَ خَوْفٍ، رَاعِينَ أَنْفُسَهُمْ. غُيُومٌ بِلاَ مَاءٍ تَحْمِلُهَا الرِّيَاحُ. أَشْجَارٌ خَرِيفِيَّةٌ بِلاَ ثَمَرٍ مَيِّتَةٌ مُضَاعَفاً، مُقْتَلَعَةٌ. 13أَمْوَاجُ بَحْرٍ هَائِجَةٌ مُزْبِدَةٌ بِخِزْيِهِمْ. نُجُومٌ تَائِهَةٌ مَحْفُوظٌ لَهَا قَتَامُ الظَّلاَمِ إِلَى الأَبَدِ” (يهوذا 10-13).
أما الرب فهو إله الحب وواهب الخير حيث تقول كلمة الله: “كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي الأَنْوَارِ، الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ. 18شَاءَ فَوَلَدَنَا بِكَلِمَةِ الْحَقِّ لِكَيْ نَكُونَ بَاكُورَةً مِنْ خَلاَئِقِهِ” (رسالة يعقوب 1: 17-18). إن الله يريد أن يحول ظلمتك إلى نور وينهي ليل أحزانك بإشراق نهار جديد تستطيع أن تنعم فيه بنبض الحياة وقوتها. فتوجه للرب في ضيقك وتشدد به. اطلبه بكل قلبك وسيوجد لك. حول عينيك إليه ليضيئ لك الحياة والخلود. سيفتح لك الرب طاقة أمل من جديد وستجد قوة تتولد في أعماقك تدفعك نحو مستقبل مبارك في ظل الرب الكريم.