اعتبروني منحرفًا سياسيًا ومهرطقا وفاشيًا لمجرد أننى مارست حقى الديمقراطي فى تأييد صباحى منذ أن أعلنت عن ترحيبى بترشيح حمدين صباحى للانتخابات الرئاسية، واجهت بحالة لا أستطيع أن أصفها كباحث إلا بـ«الهياج» الذى يرقى إلى حد ما أسميه «الحمدينوفوبيا»، على صفحتى فى الفيسبوك..
وعلى مدى يومين، تصدى لإعلانى عن رغبتى فى إعطاء صوتى لحمدين (501) صديق وصديقة، (381) منهم أى ما يزيد على 75% صبوا جام غضبهم بشكل شبه هستيرى على شخصى، وعلى حمدين، وعلى ذلك الاختيار، ووصفت على سبيل المثال بـ(المنحرف سياسيًا، المهرطق، الفاشى، الشيوعى)، والبعض الآخر شبهنى بالدكتور رفيق حبيب، وبلغ عدد الاتهامات (14) اتهامًا، جردت فيها من قبل الأصدقاء المسيحيين من المسيحية تقريبًا، ومن الأصدقاء السياسيين بالانحراف، والخيانة، والفاشية إلخ.
أما الاتهامات التى وجهت الى حمدين: (مؤيد لحماس، خائن، أخته إخوانية وابنته نصابة (رغم أن سلمى تمت تبرئتها من القضاء)، لا مهنة له، يمول من القذافى وصدام وخيرت الشاطر) واتهامات أخرى لا أستطيع ذكرها لأنها تعد من جرائم السب والقذف!!
ما تبقى من (220) تعليقًا منهم (91) مؤيدون لحمدين بنسبة تقارب الـ 20%، وما تبقى تراوحوا مابين الاندهاش من تأييدى لحمدين؟! دون سباب، وفقط 7% من الأصدقاء دافعوا عن حرية اختيارى بغض النظر عن موقفهم من حمدين.
وفى وسائل الإعلام المختلفة.. وعلى مدى الأسبوع الماضى، انتابت الأوساط الإعلامية حالة هياج سياسى ترقى إلى حد العصاب الاعلامى، وتم استدعاء جميع الشخصيات المحسوبة على حمدين والناصرية، (بطريقة بلدى) للهجوم على ترشح حمدين، وبمتابعتى لأربعة برامج شهيرة ليومين بعد إعلان حمدين عن ترشحه.. وجدت أن نصيب الهجوم على الإخوان والإرهاب انخفض 60%، وتحولت الحرب على شخص حمدين !!
من شيطنة حمدين إلى تأليه السيسى:
على الجانب الآخر من الصورة تابعت ما كتب عن المشير عبد الفتاح السيسى:
الأنبا أرميا مدير المركز الثقافى القبطى، وصف فى 23 يناير الماضى بالمصور (الفريق أول حينذاك) بـ17 صفة منها: رجل المبادئ، المسئولية ، المشاركة، الرؤية، الوطنية وغيرها، وعدد بطولات الفريق أول فى الجيش والدولة والمجتمع والعالم، ولعلنى متابع جيد للشأن القبطى، ولما يكتبه نيافة الأسقف، لم أجد له مقالًا واحدًا فى الخمس صحف التى يكتب فيها عن أى من الباباوات الأقباط بما فيهم البابا تواضروس الثانى، أو حتى الراحل الأنبا شنودة الذى وضعه فى سكرتاريته وقدمه للحياة العامة المجتمعية والكنسية، وليس ببعيد البرنامج الذى تحدث فيه الشيخ الأزهرى صاحب الفضيلة أحمد كريمة ووصف فيه المشير السيسى بصفات تقربه من الرسل !! الأمر الذى أحرج الأزهر، على الجانب الآخر نجد القمص بولس عويضة يقول: «إن المشير السيسى وسيم فى هيأته وعقله وحلمه»، مضيفًا «عندما أنظر على صورة المشير أذوب شوقًا»!! ووصل الأمر أن أحد أساتذة الجامعات، وهو د. مينا بديع عبد الملك كتب بالمصرى اليوم موجها حديثه للمشير السيسى: «اكسيوس» أى مستحقا، وهى صفحة لا تطلق إلا على القديسين!!
المصريين من النقيض للنقيض !!
مع كامل احترامى وتقديرى للمشير السيسى، ومواقفه الوطنية والبطولية، فالرجل لم يعلن عن ترشحه حتى لحظات كتابة هذا المقال، (19فبراير)، وحتى إذا كان يريد الترشح.. فلم نقرأ للرجل برنامجًا أو رؤية للحكم، ترى ما الأسباب الموضوعية التى دفعت قطاعات مختلفة من المصريين للسير فى اتجاه الرغبة فى أن يترشح المشير للرئاسة؟
بالتأكيد هناك دوافع عديدة وراء ذلك.. منها إحساس المصريين جميعًا بالخطر، وليس أدل على ذلك من سوابق تاريخية مشابهة، انتظر فيها المصريون المخُلص العسكرى، بعد هزيمة عرابى فى التل الكبير واستشهاد البطل أحمد عبيد، ظل المصريون أكثر من عقد من الزمان لا يصدقون موت أحمد عبيد وينتظرونه ليحررهم من الإنجليز، وحينما أعلن ناصر عن تنحيه بعد هزيمة يونيو 1967، خرجت الجماهير فى 9/10 يونيو إلى الشوارع، ولم تعد لمنازلها إلا بعد عودة عبد الناصر، وخرجت أيضًا لا تصدق موته 1970، وكذلك غنت للسادات ورفعته فوق الأعناق بعد نصر أكتوبر 1973، ووقفت بقوة وحب بجوار مبارك فى مواجهة الإرهاب، واستقبلوه استقبال الأبطال بعد نجاته من الاغتيال فى أديس أبابا 1995، ولكن نفس الشعب خرج منتفضًا ضد ناصر احتجاجًا على أحداث قادة الطيران 1968، وهوجم بشكل لامثيل له بعد أقل من عام من رحيله، وبطل العبور السادات خرجت ضده بضراوة الجماهير فى انتفاضة الخبز فى يناير 1977، ووصل الأمر إلى حد الصدمة للرجل مما يدفع بعد المحللين إلى أن يعزوا مبادرته بالذهاب إلى إسرائيل لتلك الصدمة، ودفع السادات حياتة ثمنًا لذلك فى 6 أكتوبر 1981، والآن نرى ماذا يحدث لمبارك (صاحب وبطل الضربة الأولى للطيران 1973)، كل ذلك يؤكد على حزمة من المؤشرات، وهى أن الشعب المصرى يلجأ إلى الأبطال العسكريين لمواجهة أعدائه الخارجين أو الداخلين، وحينما تنتهى المهمة، ويفشل هؤلاء القادة الكبار فى حل الأزمات الاجتماعية والاقتصادية .. يخرج نفس الشعب ضد هؤلاء القادة بنفس الحدة والحماس الذى أيدوهم به من قبل !!
ترى ما الأسباب الموضوعية التى تجعل ما يقارب 77% من الشعب تنتخب الإسلاميين (إخوان وسلفيين) فى برلمان 2012، وتعطى 51% من الأصوات للدكتور محمد مرسى، تنقلب فى عام تقريبًا ضد هؤلاء وتقاتلهم فى الشوارع ؟
كل تلك المؤشرات تشير إلى أن هذا الشعب العظيم متغير كفصول السنة، ومتقلب كموج البحر، كما أن هذا الشعب العظيم قام بست ثورات فيما يقارب القرنين من الزمان (1804 بقيادة عمر مكرم، و1882 بقيادة عرابى، و1919 بقيادة سعد زغلول، و1952 بقيادة ناصر، و25 يناير 2011، و 30 يونيو. كما كتب المصريين 8 دساتير وهى وثيقة عمر مكرم 1804 (أول وثيقة دستورية فى الشرق والرابعة فى العالم)، و1923، ودستور صدقى 1930، ودستور 1954، و1956، و1971، و2012، 2013، ورغم ذلك لم تكتمل لنا ثورة ولم يعش لنا دستور؟!! ترى لماذا؟
هل يعود ذلك للشعب ؟ بالطبع لا، لأن الشعب قدم من الشهداء والتضحيات، وكان يقوم تقريبًا بثورة كل ما يقارب الثلاثين عاما، بل ودفع المصريين من الدماء ما يكفى من 1930وحتى 1935، من أجل عودة دستور 1923، ولكن النخب سرعان ما ألغته، ولم يطبق هذا الدستور إلا سبعة أعوام أثناء حكومات الوفد، وانتفض المصريون فى انتفاضة الطلبة والعمال 1946من أجل العدالة الاجتماعية ولم تطبق حتى الآن، وانتفض المصريون 1977 ضد رفع الدعم، ورغم تراجع السادات عن القرار إلا أنه هناك من يريد أن يلغيها الآن!! تلك هى النخب الفاشلة والتى أدمنت الفشل، هذه هى النخب التى لاتبحث سوى عن مصالحها، ولا ننسى أن تلك النخب شبهت مبارك فى بداية عهده بعبد الناصر، وبنفس الأداء الممجوج تحاول إعادة انتاج التشبيه على المشير السيسى !!
لماذا الحمدينو فوبيا؟
ترى إذا كان المشير عبد الفتاح السيسى مكتسحًا، ويكاد يضمن الفوز فى الانتخابات، فلماذا الهجوم على حمدين؟
لا أريد أن أذكر مناقب حمدين.. سواء بنضاله لأكثر من 40 عامًا، واعتقاله 17 مرة لأسباب وطنية ضد التطبيع، ومن أجل فلسطين أو لأسباب اجتماعية دفاعًا عن العمال والفلاحين، أو من أجل الحريات والديمقراطية، ولا كون أن صباحى ابن فلاح فقير، ويمكن لمن يريد أن يطلع على إقرار ذمته المالية أن يجده، فلا ثروات ولا عمولات.. وإذا كانت أخته وزوجها من الإخوان كما يقال فما الضير من ذلك ؟ وهل نحن مسئولون عن انتماءات أشقائنا أو حتى أولادنا؟
الحقيقة أن الصدمة التى أحدثها ترشيح حمدين لنفسه.. سببها أنه ذكر أعداء ثورة 25 يناير بالثورة التى ظنت أطراف من الفاسدين وحاشية ما قبل 25 يناير.. أنهم شيعوا جنازتها بالحملة «المكارثية» التى اعتمدت على الاعلام الأمنى!!
كما أن ترشح حمدين صباحى أفسد مخطط هؤلاء فى تحويل المعركة الانتخابية إلى استفتاء.. وبيعة، والاستفراد بالمشير، كما حاول مراكز القوى الاستفراد بالسادات من قبل ؟! كما شعر من يريدون أن يقتسموا السلطة مع المشير(لهم السلطتان التشريعية والتنفيذية)، وللمشير الرئاسة فقط.. ويديرون هم البلاد من الخلف، كل هذا الهجوم والتشويه ليس له من تفسير سوى أن حمدين أشعرهم بالخطر من أن تؤول تلك الشراكة ليس لهم بل لما يمثلة حمدين من تيار ثورى شبابى فلاحى عمالى، وليس لجماعات المصالح والفساد، ماذا يضير هؤلاء من أن يستقطب ويحتوى حمدين صباحى شباب الثوار والكادحين، وكان هؤلاء وأبواقهم قد شوهوا من قبل وزارة د.حازم الببلاوى وأرغموا د.زياد بهاء الدين على الاستقالة تحت زعم (الطابور الخامس والأيدى المرتعشة)، واغتالوا معنويا بحق أو بدون حق شباب الثوار (ولى على هؤلاء الشباب العديد من الملاحظات) بشكل غير قانونى، واتهموهم بالخيانة بدون محاكمة عادلة مجرد محاكمة إعلامية أمنية، وهكذا لا تمتلك تلك النخب أى رؤية سوى مصالحها والفساد، هذه الأوليجاركية المالية التى سيطرت على البلد عبر لجنة السياسات، ليس لها أى نية لمواجهة الارهاب، ولا تخشى حمدين المرشح بل تخشى القوى الثورية والاجتماعية التى من خلفه، ولا يهمها المشير عبد الفتاح السيسى بل تريد أن يكون ذلك البطل حصان طروادة لكى تعود عبرة للحكم !!
«اللهم احم السيسى من أنصاره أما أعداؤه فهو كفيل بهم».