أي مراقب للمشهد الطائفي في مصر لابد أن يلاحظ أنمحافظة المنيا، على بعد 230كم جنوب القاهرة، لها نصيبالأسد فى الهجمات ضد الأقباط – بنسبة 65 في المائة منأحداث العنف الطائفي ضد الأقباط .. فإن السؤال الذييطرح نفسه هو “لماذا المنيا؟ وهل تختلف المنيا عن بقية محافظات مصر في هذا الشأن؟”
كلما اردت ان افهم ماذا تريد جماعات الاسلام السياسي ، اذهبالي مسقط راسي بالمنيا ، التقي من التقي من الاصدقاء القدامي، من مختلف الاتجاهات ، ومنهم الاسلاميين ، لكي ادرك ماهيةخارطة الطريق الاسلامية.. وأتذكر انني سافرت المنيا ومكثتاسبوعين أثناء انتخابات مجلس الشعب السابقة 2011-2012 التي أسفرت عن أغلبية إسلامية من الاخوان والسلفيين. وفي يونيو 2012، جاء الاخوان للسلطة عندما فاز مرشحهم محمد مرسي برئاسة مصر.
في ذلك الوقت، كان المصريون على استعداد لإعطاء الإسلاميين،الذين كانوا يقدمون أنفسهم للشعب على انهم “رجال الله” ووعدوابمستقبل مشرق لمصر، فرصة لقيادة البلاد. وبمجرد وصول جماعة الاخوان المسلمين إلى السلطة كشفت بشكل واضح أن ولائهم في الاساس كان للحركة الاسلامية العالمية التى تؤسس للخلافة الاسلامية وليس لمصر. علاوة على ذلك فقد فشلوا في إخراجالبلاد من الركود الاقتصادي والسياسي الذي عم في أعقاب ثورةيناير 2011.
بعد زيارتي للمنيا 2012 ، كتبت مقالا في اليوم السابع عليحلقتين تحت عنوان:”وصف مصر بالمنياوي” اكدت فيه علي انجماعة الاخوان قد عقدت اتفاقا مع الجماعة الاسلامية والسلفيينعلي جبهة من اجل تحقيق هدفين هما :الولاية الصغري للاخوانوالسلفيين اي “حكم مصر”، والولاية العظمي للحركة الاسلاميةبقيادة التنظيم الدولي للاخوان “الخلافة” ،مع اعطاء الجماعةالاسلامية نصيبهم في الحكم المحلي كمحافظين ، والسلفيةالجهادية قطاعات من قنا والبحر الاحمر ومطروح ، واجزاء منسيناء ، وبالطبع لم يلتفت احد من مفكري “التوك شو” الي ذلكالمقال ، والان اعود الي المنيا لكي ادرك ماذا تريد الحركةالاسلامية ؟
منذ 1978 اتابع احداث العنف الديني ،تارة كصحفي .. واخريكباحث ، كذلك من خلال عملي في مركز ابن خلدون من مطلعالتسعينيات وحتي الان ..يمكن الوصول الي قناعة “علمية” ، انمحافظة المنيا هي العاصمة البؤرية للعنف الديني ، ومن واقعدراسات واحصائيات المركز.. تحتل المنيا مركز الصدارة (65%)من الاحداث، الغريب ان المنيا من المحافظات التي تحتل مكانةمتقدمة في العمل المدني (2611) جمعية اهلية، و يتواجد في مدينةالمنيا ..اكثر من مقر لمنظمات دولية ، وجمعيات ومؤسسات اهليةكبري مثل كريتاس ،والهيئة القبطية الانجيلية ، والجيزويت ،وجمعية الصعيد، وحوالي عشرة منظمات حقوقية ،وغيرهم ،لكنباقي مراكز ومدن المحافظة لا تحظي بالتواجد الاهلي او المدنيمثل عاصمة المحافظة، والمثال الصارخ مدينة ديرمواس التيشهدت احداث البدرمان ودلجا ، لا تتواجد فيها اي منظمات تنمويةاو حقوقية تعمل بشكل حقيقي ،واذا نظرنا للثلاثة قري التي تكررتبها احداث عنف ديني طوال الاربعين عاما الماضية،سنجد ان قريةدلجا(120ألف نسمة 10% مسيحيين) بها 54مقهي و16صالةبلياردو، و83 مسجد وزاوية ،و6 كنائس ، ولا يوجد بها احزاب اوجمعيات اهلية مدنية ، كذلك البدرمان (45الف 40% مسيحيين) 4كنائس ، 20 مسجد وزاوية ، 17 قهوة ، ولا توجد احزاب ولاجمعيات اهلية مدنية ، نزلة عبيد (40 ألف نسمة ) ، 7كنائس ،لايوجد بها مساجد لان كل سكانها اقباط ارثوذكس ، 45 مقهي،لايوجد بها احزاب (الوطني والتجمع سابقا) وهناك مشاريعلبعض الجمعيات المسيحية كلها لانشطة دينية ،اما قرية الحوارتة(15) الف نسمة ايضا كلهم مسلمين ، بها 15 قهوة ، 10 مساجدوزوايا ، لاتوجد احزاب ولا جمعيات مدنية .
غبن تاريخى
وفقا لدراسة أجراها مركز ابن خلدون، فإن عدد السكان الأقباطفي المنيا هو مقارب لعدد السكان المسلمين. الأرقام الرسميةوالتي تميل إلى تقليص عدد الأقباط تضع أعدادهم في المنيا في35 في المائة من السكان.
هذا الوجود القبطي الكبير أمام أقرانهم المسلمين هو تحد لتفوقهمالعددي .. لذلك يميل هؤلاء إلى محاولة “اّذلال” الأقباط من خلالمهاجمتهم باستمرار. على نقيض ذلك فأن المحافظات التى لا يحظى فيها الاقباط بندية عددية متل محافظة الشرقية حيث الاقباط بالفعل أقلية صغيرة العدد تقل بل تكاد تنعدم الاحداث الطائفية. فى المنيا الأقباط هم الاكثر ثراء وتعليما ووعيا. على سبيل المثال فأننحو 80 في المائة من أقباط المنيا لديهم شهادات جامعية…والقرىالقبطية مثل دير البرشا ودير أبو حنس نبذت عادة ختان الإناثتماما بفضل التوعية التى قامت بها الكنيسة.
كما أن الأكثرية من ملاك الأراضي وأصحاب المشاريع التجاريةالناجحة هم من الأقباط ، وكان ذلك منذ منتصف القرن 19، عندماساهم الأقباط بفاعلية في بناء الدولة المصرية الحديثة في عهدمحمد علي باشا (1805-1848)، التي من أجلها تم مكافأتهمبمساحات واسعة من الأراضي الزراعية… على النقيض في العاصمة، فإن مسلمي المنيا أكثر فقرا وأقل تعليماً، والعاداتالاجتماعية مثل تعدد الزوجات ومعدل المواليد المرتفع لا يساعدهم على التقدم.
علي سبيل المثال نشأت “الحوارتة” من (حرث الارض) للعمل فينزلة عبيد ،منذ اللائحة السعيدية وظهور ال صاروفيم (منهمصاروفيم بك ومينا بك صاروفيم) من اوائل من خدموا عند محمدعلي باشا في بناء الدولة، ومعهم محمد شعراوي باشا والد هديهانم شعراوي ، وهؤلاء انفردوا من مطلع القرن التاسع عشروحتي منتصف القرن العشرين بالسيادة، ال صاروفيم شمال شرقالنيل ، وال شعراوي ، في الزاوية جنوب شرق النيل ، وبعد ثورةيوليو امتطي ابناء واحفاد هؤلاء الاتحاد الاشتراكي ، وفي زمنالسادات ومبارك انتقلوا الي الحزب الوطني.
لكن بعد ظهور الاسلام السياسي في أواخر السبعينيات، وجدالمهمشون والفقراء من مسلمي المنيا ضالتهم ، فعوضوا عدموجودهم في اعلي السلم الاجتماعي او الحكومي ، بخلق مكانةبالانضمام في الحركات الاسلامية السياسية ، وكذلك الامر فيالبدرمان ودلجا ،اضافة لحوالي 15 قرية وتجمع سكاني من شمالغرب سمالوط ، ومركز المنيا ، وحي جنوب المنيا ، وابوقرقاصوالفكرية ، وملوي ، وديرمواس ، مثل قري طرفا ، ونزلة الفلاحين ،وطحا العمودين بسمالوط ، ونزلة عبيد والحوارتة ونزلة حسينوالدوادية، وحي جنوب المنيا ، واسمنت ونزلة رومان والفكريةبابوقرقاص، ودير البرشا ، بملوي ، ودلجا والبدرمان بديرمواس.شهدت هذة البؤر تواجد جماهيري للجماعة الاسلامية وتنظيماتالعنف الديني ،ومن هؤلاء القادة عاصم عبد الماجد ،كرم زهدي ،ابو العلا ماضي ، فؤاد الدواليبي ، ال الاسلامبولي (خالدوشوقي) ال عقرب وكدواني وغيرهم ، بحيث بلغت نسبة المحكومعليهم من المنيا في قضايا الارهاب 45% من اجمالي الذين تلقوااحكام.
الاعتداءات الوحشية فى المنيا على الأقباط وممتلكاتهم وكنائسهمتعكس ليس فقط كراهية الإسلاميين للأقباط، ولكن أيضا تشير إلىالإنفلات الأمني، وعدم تدخل الدولة وغياب تطبيق القانون.. نتيجةلذلك، لجأ الأقباط لحمل السلاح من أجل الدفاع عن أنفسهم، وهوالتطور الذي هو بالتأكيد