يبدو أننا نتحدث عن حقائق عندما نربط بين الثورة والشباب، وبين الاستفتاء على الدستور ومشاركة النساء، وحيازة المواقع القيادية فى الدولة من قبل الرجال. وعندما نتحدث عن الشباب والنساء فإننا ضمنيا نتحدث عن الشابات بوصفهن القاسم المشترك فى الثورة والاستفتاء. وعلى الجانب الآخر،
فإن الأشكال الاحتجاجية للإخوان المسلمين يتصدرها ميدانيا الشباب والنساء، وضمنيا الشابات. ومن هذا المنطلق يمكن القول أن الشباب والنساء هم وهن الفئة الأكثر نشاطا على الصعيد الميدانى، وأن الرجال مازالوا الأوفر حظا فى الوصول إلى أو حيازة المواقع داخل الدولة والمؤسسات.
ولأن الصورة كذلك، فربما يكون ما نراه هو جزء من الحقيقة، أما الجزء الآخر فيتمثل فى عمليات التوظيف الإعلامى والسياسى لصورة الشباب والنساء فى معادلة سياسية طرفاها الإظهار والاستبعاد. فمن ناحية يجرى الاحتفاء والاحتفال بالشباب والنساء، ولكن كل ذلك من أجل لاشئ بالمعنى السياسى، على الأقل حتى الآن. فقط علينا أن نتذكر زخم الاحتفال والاحتفاء بالشباب بعد “ثورة” يناير 2011، وكيف كان الظهور الاعلامى للعديد من الشباب والشابات والذين اختفوا واختفين عن المشهد بحلول عام 2014. وفى النهاية، لو صدقت الأنباء، فإن مشاركة الشباب فى عملية الاستفتاء على الدستور كانت ضعيفة بشكل ملحوظ.
وجاء يناير 2014 وفى لحظات الاستفتاء على الدستور تم الاحتفال بمشاركة النساء، وإبراز فرحتهن أمام صناديق الانتخابات. ومثلما حاول الإعلام إظهار هذا المشهد، فقد عبرت مجموعات “نسوية” عن السعادة إزاء المشهد، ربما رغبة فى فى إبراز الدور الفاعل للنساء، وربما، من ناحية أخرى، كيدا فى تيارات الإسلام السياسى المحافظة أو فى الرجال أنفسهم الذىن همشوا الوجود النسائى فى عالم المشاركة السياسية. ومع ذلك، يمكن القول أن مشاركة النساء فى الانتخابات وخاصة نساء الريف، لم تكن يوما ضعيفة، فمن المعروف أن حشد النساء للتصويت من الأمور الملحوظة. ولكن الأمر المثير حقا مؤخرا هو ارتباط “نعم” بدستور 2014 بـ “لا” للإخوان، وهنا تحديدا يمكن أن نقول أن ثمة شئيا مختلفا، فقد خرجت نساء عديدة بإرادتهن وعلى ما يبدو أنهن كانوا الأكثر رغبة ليس فى قول “نعم” للدستور بقدر قول “لا” للإخوان. وهذا أمر يستحق الدراسة وخاصة وأن “لا” للإخوان ترتبط فى الذهنية العامة بالرغبة فى تحقيق استقرار ما. وبالتالى فإن الرغبة فى الأمن والاستقرار يجب ألا تغيب عن أعيننا ونحن ننقاش مثل هذه الظواهر التى يتفاعل فيها السياسى بالثقافى والاجتماعى. فهذه الرغبة تعكس توقعات مستقبلية أكثر ما تعكس حالة آنية.
وفى كل لأحوال فإن الوجود الميدانى للشباب والنساء مسألة ملموسة، كما أن التوظيف السياسى لهذا الوجود كان ملحوظا أيضا. ويبقى الجانب المؤسسى بوصفه موقع السلطة والقيادة، فإلى أى حد أمكن أو يمكن ترجمة هذا الوجود الميدانى إلى واقع مؤسسى. وهذه مسألة معقدة، ليس فقط لأن من هم فى السلطة من الرجال يستبعدون الشباب والنساء، ولكن أيضا لأن الغالبية العظمى من الشباب والنساء على وجه الخصوص لم يشاركوا حتى الآن ضمن أطر مؤسساتية حزبية أو مدنية أو غيره، ولذا فسوف نظل نتحدث عن مجموعات غير معرفة سياسيا أو حتى مجتمعيا، بقدر ما هى معرفة بالمعنى العمرى أو الجنسى، وبالتالى فسوف تكون النتيجة حسب الحاجة، إما لغة للإظهار والاحتفاء، وإما ممارسات للتهميش والاستبعاد. وقد تظل الصورة على ما هى عليه مرسومة لغويا، فنعطى الثورة للشباب، ونعطى الاستفتاء للنساء، وتبقى الدولة للرجال.