تعيش مصرخلال الثلاثة أعوام الأخيرة حالة من التوتر والارتباك على جميع الأصعدة , جعل البعض يعتقد انها فى حالة من الضعف بحيث تسمح بما كانت ترفضه من قبل وتعتبره ضدد مصالحها وضد أمنها القومى ,
فبعد فشل الاجتماع الثلاثى فى الوصول الى اتفاق يحترم حقوق مصر المائية ووقف بناء السد فعليا وفورا لحين الانتهاء من الدراسات التى تنفى أو توضح الخطورة المرتقبه جراء هذا السد الذى لن يحقق لاثيوبيا سوى العداء لمصر وشعبها دون اى فائده اقتصادية تذكر هذا اذا حالفها الحظ ولم ينهار حسب خبراء الجولوجيا ليجلس مدنا وقرى ويشرد الالاف البشر خاصة بعدما رفعت اثيوبيا مواصفات السد بعد ثورة يناير من 90 مترالى 145 مترا مخالفه بذلك كل المواصفات العالمية للسدود.
وزادت سعة بحيرة السد من 14 مليار متر مكعب الى 74 متر مكعب دون أن تضيف هذه الزيادة اى قدرات اضافية لتوليد الكهرباء ودون وجود أرض صالحة للزراعة فى هذه المنطقة.
ولخطورة الامن المائى لمصر قامت “وطنى” بالتوجه بالعديد من الاسئلة حول هذا الملف الهام الى الدكتور عباس شراقى الخبير الجيولوجى و أستاذ معهد البحوث و خاصة وانه قدم عدد من الاراء تؤكد صعوبة بناء واستمرار سد بهذا الارتفاع وهذه النسبة من تخزين المياة فى اثيوبيا نظرا لطبيعتها الجغرافية.
فى البدايه أعلنت الحكومة الاثيوبية عن بناء سد النهضة بعد ثورة يناير 2011 فهل استغلت الاوضاع السياسية التى اعقبت الثورة ؟
يقول دكتور شراقي : أثارت الخطوة الإثيوبية جدلا واسعا، وتباينت المعلومات المتاحة بشأن السد. فالحقائق العلمية من خلال الدراسات الأمريكية التي أجريت عام 1964 وما تلاها من أبحاث تؤكد أن سعة الخزان تتراوح بين 11.1 و24.3 مليارم3 .إلا أن تصريحات المسئولين الإثيوبيين الأخيرة ذكرت أرقاما أخري حول سعة الخزان، وصلت إلي 62 ثم 67 مليارم3، بيد أنه لا يوجد علميا ما يؤكد تلك البيانات. وكانت الدراسات حول سد النهضة قد بدأت منذ عام 1946 بواسطة مكتب الاستصلاح الأمريكي، في دراسة موسعة حددت 26 موقعا لإنشاء السدود، أهمها أربعة سدود علي النيل الأزرق الرئيسي. وحمل سد الألفية في تلك الدراسة اسم سد بوردر .
وبعد أن أعلنت الحكومة الإثيوبية تدشين المشروع، وإسناده إلي شركة ساليني الإيطالية بالأمر المباشر، وأطلقت عليه مشروع إكس ,قامت بالفعل بوضع حجر الأساس للمشروع في الثاني من أبريل 2011، وقررت تغيير الاسم إلي سد الألفية الكبير.ثم تغير الاسم للمرة الثالثة في الشهر نفسه ليصبح سد النهضة الإثيوبي الكبير.
ماذا عن الطبيعة الجولوجية للارض التى يقع فيها سد النهضة والتى يؤكد العديد من الخبراء انها غير ملائمة ؟
يوضع لنا دكتورشراقى: يقع السد في منطقة تغلب عليها الصخور المتحولة لحقبة ماقبل الكمبري، والتي تشبه في تكوينها جبال البحر الأحمر الغنية ببعض المعادن والعناصر المهمة، مثل الذهب والبلاتين والحديد والنحاس، بالإضافة إلي محاجر الرخام وهناك عوامل جيولوجية وجغرافية كثيرة تتسبب في فشل كثير من المشروعات المائية في دول منابع نهر النيل بصفة عامة وإثيوبيا بصفة خاصة، من بينهالأن طبيعة الأراضي الإثيوبية لا تصلح لإقامة سدود كبري, أن إثيوبيا هي عبارة عن هضبة مرتفعة, صعبة التضاريس حيث تصل أعلي نقطة بها إلي4620 مترا فوق سطح البحر وأقل نقطة-.122 وعلي الرغم من أن إثيوبيا تملك9 أنهار كبيرة, وأكثر من40 بحيرة بينها بحيرة تانا, فإن نصيب الفرد السنوي فيها من المياه المخزنة يصل إلي83 مترا مكعبا فقط بخلاف نصيبه من مياه الأمطار التي يصل مقدارها سنويا علي إثيوبيا إلي639 مليار مترا مكعبا, يتبخر80%منها بسبب المناخ المداري وارتفاع درجة الحرارة, وتعد إثيوبيا الدولة الوحيدة في الحوض التي لا تستقبل أي مياه من خارج أراضيها. وبعد انتهاء الحرب الأهلية في إثيوبيا تتجه أنظار الحكومة إلي التنمية الداخلية مما جعلها تفكر في مياه النيل.
معوقات طبيعية
ويضيف شراقى: إثيوبيا تعاني من العديد من المعوقات الطبيعية التي تواجهها عند إقامة مشروعات تنموية سواء كانت مائية أو زراعية, أهمها: التوزيع الزمني غير المتجانس للأمطار, حيث تهطل الأمطار في فصل واحد فقط وقصير( يونيو ويوليو وأغسطس), وبالتالي فإن الزراعة المطرية في إثيوبيا تتم في موسم واحد فقط وهو موسم المطر بينما الزراعة المروية لا تشكل سوي3% فقط من الزراعات الإثيوبية. وأيضا التوزيع الجغرافي غير المتجانس أيضا لسقوط الأمطار, التي تتركز غرب وجنوب إثيوبيا بينما الشرق وخاصة مثلث عفار يعاني ندرة المياه, علاوة علي ارتفاع معدل البخر الذي يصل متوسطه إلي87% رغم ارتفاع الأراضي الإثيوبية عن سطح البحر, وصعوبة التضاريس, حيث الانحدارات الشديدة(1-2%) والأودية الضيقة العميقة.
كما إن نوع الصخور يلعب أيضا دورا سلبيا بالنسبة لمشروعات تخزين المياه في إثيوبيا, إذ تشكل الصخور الصلبة نحو75% من مساحة السطح, أما الـ52% المتبقية فأغلبها صخور رسوبية جيرية متشققة, وبالتالي صخور غير مناسبة لتكوين خزانات مائية سواء كانت سطحية أو جوفية وايضا صعوبة التضاريس، حيث الجبال المرتفعة والأودية الضيقة والعميقة، وما يتبعها من صعوبة نقل المياة من مكان إلي آخر في حالة تخزينها’وانتشار الصخور البركانية البازلتية، خاصة في إثيوبيا، وهي صخور سهلة التعرية بواسطة الأمطار الغزيرة، وأيضا ضعيفة هندسيا لتحمل إقامة سدود عملاقة.
كما ان تأثير الصخور البازلتية أيضا في نوعية المياه، خاصة في البحيرات، حيث تزيد من ملوحتها كما هو الحال في البحيرات الإثيوبية التي تقع في منطقة الأخدود في كل من إثيوبيا وكينيا وتنزانيا، والتي تشكل عائقا أيضا في تكوين مياه جوفية,ووجود الأخدود الإفريقي في جميع دول المنابع، وما يسببه من تشققات وفوالق ضخمة، ونشاط بركاني وزلزالي قد يؤثر في المشروعات المائية خاصة في إثيوبيا.
هل هناك تجارب سابقة لإثيوبيا تثبت تزايد معدلات الخطر فى المشروعات المائية؟
يجيب عباس: بالطبع هناك تجارب سابقة لإثيوبيا فى مجال المشروعات المائية تثبت ارتفاع معدلات الخطورة واحتمالية حدوث انهيار فى أى وقت، وهناك إحصائية علمية موجودة عن المشروعات المائية فى إثيوبيا بصفة عامة تؤكد أن 70% من المشروعات الإثيوبية تفشل بسبب الجيولوجيا والمشاكل الفنية’ومن أبرز تجارب إثيوبيا فى هذا المجال: سد “تيكيزى” الذى يخزن 9 مليارات متر مكعب على نهر عطبرة، وهو أحد الأنهار التى تغذى نهر النيل بحوالى 11 مليار متر مكعب سنويا، حدث فيه انهيار جزئى فى أثناء العمل مما أخّر افتتاح المشروع لمدة سنة.
وهناك أيضا مشروع آخر على نهر أوموا الذى يصب فى بحيرة “توركانا” الكينية، والذى قام الإثيوبيون بعمل عدد من المشروعات المائية عليه، وهى”جيبا 1″ خزان أقل من مليار متر مكعب، و”جيبا 2″ وهو عبارة عن نفق من الخزان الأول إلى النهر فى مسافة أقل من 26 كم داخل جبل يفصل الخزان عن النهر، الذى يجف بعد موسم المطر وذلك من أجل توليد الطاقة الكهربائية، إلا أن النفق قد حدث فيه انهياران فى أثناء العمل، فكان من المفترض أن يفتتح فى 2007، ولكن تم افتتاحه فى 2010، وبعد افتتاحه بـ10 أيام فقط حدث انهيار ثالث أوقف المشروع، والشركة المنفذة لهذا النفق هى الشركة الإيطالية نفس التى تنفذ سد النهضة الحالى، التى اشترطت فى العقد أنها غير مسئولة عن المشروع بعد تسليمه بيوم واحد.
ما هو الهدف من بناء اثيوبيا لهذا السد اذا كان يمثل خطورة ولا ياتى بعائد اقتصادى او تنمية حقيقية؟
الهدف من وراء السد ليس التنمية الاقتصادية لأن تكلفة بنائه ستفوق العائد المتحقق منه بمراحل، ولكن الهدف سياسى للقيادة فى إثيوبيا، حيث أراد زيناوى -رئيس الوزراء الراحل- أن يصنع لنفسه مجدا شخصيا يذكره له التاريخ، كما حفر “عبد الناصر” اسمه مع السد العالى، وكان يسعى لِأَن يكون زعيما إفريقيا، وله بصمة واضحة فى العمل الإفريقى من خلال اللجان النوعية للاتحاد الإفريقى، إلى جانب كسب التأييد الشعبى.
فقد حشد زيناوى الإثيوبيين على أن هناك مخاطر خارجية، وهناك دول لا تريد لإثيوبيا النمو، وعلى رأسها مصر، والإثيوبيون اتهموا مصر بأنها سبب رفض البنك الدولى لتمويل السد، ولكن الحقيقة أن السياسة العامة للبنك فى السنوات الأخيرة هى عدم تمويل السدود، فحشد زيناوى حشدا ضخما لدعم إنشاء السد بوصفه مشروعا قوميا، وقام بعمل أسهم وسندات لبناء السد يشتريها الشعب من أجل بناء الوطن، حتى إنه طرحها أيضا للإثيوبيين فى الخارج، فاستطاع أن يوحّدهم على مشروع وطنى، وتم الإعلان عن المشروع فى فبراير 2011 تحت اسم “سد الالفية وبسعة تخزينية 11 مليار متر مكعب، وأخذ زيناوى يبالغ فى ضخامة المشروع من أجل المزيد من الحشد لمواطنيه حتى وصل فى 45 يوما الارتفاع إلى 145م بسعة تخزينية 74 مليار متر مكعب فى منتصف إبريل 2011، وهو ما يدل على التسرع ويعكس البعد السياسى للمشروع.
التكلفه تفوق العائد
كما أن تكلفة السد تفوق العائد المرجو منه بعكس السد العالى الذى كلف مصر حوالى مليار دولار، وأتى بتكلفته فى حوالى عام ونصف العام، حيث حمى مصر من الفيضانات، ووفر المياه للشرب والزراعة، إلى جانب توليد الكهرباء التى كانت تكفى احتياجات مصر فى وقتها.
أما السد الإثيوبى فهو لن يوفر الماء للإثيوبيين الذى يعيش 90% منهم فى الجبال بعيدا عن منطقة حوض نهر النيل، ويعد توصيل المياه إليهم مستحيلا بسبب بعد الخزان، كما أن إثيوبيا ليست فيها أراض مسطحة تسمح بالرى والزراعة، ومن ثم لن تستخدم المياه على الإطلاق، أما عن توليد الكهرباء فقد أعلنت إثيوبيا منذ البداية أنها ستقوم بتصديرها؛ لأنها لا تستطيع مد شبكات توصيل الكهرباء للإثيوبيين الذين يعيش 80% منهم فى الظلام؛ لأنها ستتكلف مليارات الدولارات، ولن يدر العائد الذى تتوقعه إثيوبيا أو يغطى تكلفة المشروع؛ لأن الدول المحيطة بها دول فقيرة، ومصر لن تستخدم العملة الصعبة فى استيراد الكهرباء، والسودان تقريبا حققت الاكتفاء الذاتى من الكهرباء .