بمناسبة مرور أربعين عاما على وفاة المفكر العالمي طه حسين، أقام المعهد الفرنسي أمس 18 نوفمبر أمسية قام فيها الفنان أشرف عبد الغفور والممثل والمخرج المسرحي الفرنسي كريستوف روكسل بقراءة مرسلات بين أندريه جيد وطه حسين مع عزف على آله العود للفنان عيسى مراد
وفي نفس الإطار أقيم يوم الاثنين 17 نوفمبر أمسية بعنوان “طه حسين: شهادات وإطلالات” ، تحدث خلالها القائم بأعمال السفارة الفرنسية نيكولا كاسيانيديه Nicola Kassianides وقال : ” إن طه حسين يعتبر من أعظم رجال الأدب الفرنسي، وقد اهتم المعهد بذكرى وفاته لسببين هما : حداثة فكره ، حيث نجد إن أرائه مهمة في كل وقت، فطه حسين الأمس هو طه حسين اليوم، والسبب الثانى هو أنه ساهم في نقل الثقافة الفرنسية لمصر ، حيث تأثر بالاستنارة الفرنسية في أفكاره وكتاباته، وقد عرف طه حسين الكثير من شخصيات الفكر الفرنسي وذلك أتاح له تخطي إعاقة بصره والدخول في عام الثقافة الفرنسية. تعرف على علم الاجتماع وعلم النفس في بدايات تكوينهم، وتعرف على إيميل دوركيم مؤسس علم الاجتماع، عمل على تطوير التعليم الأولي ونادى بمجانية التعليم ومن أقواله في هذا الصدد: الديموقراطية التي يسيطر عليها الجهل مجرد أكذوبة.
وأضاف كاسيانيديه : إن هناك أيضا قيماً مرتبطة بطه حسين مثل الحرية والعدالة التي طالب بها و ثار من أجلها المصريون هذه الأيام ، الأمر الذي يؤكد إن طه حسين لا يزال يحيا بيننا. ونحن نتساءل هل سيكون طه حسين هو طه حسين الذي نعرفه إن لم يكن كفيفا، أنا أرى أن إرادة طه حسين هي السبب في تكوينه.”
أما ألسكندر بوكشيانتي الصحفي بإذاعة فرنسا الدولية فأشار إلى أن طه حسين فقد بصره لكنه تمتع بالبصيرة الجيدة، وهذا ما جعله يرى مستقبل مصر ، وحتى الآن فالكثيرون يحتاجون لقراءة أعمال طه حسين لمعرفة مستقبل مصر وما يجري فيها. وأضاف : “كان طه حسين ثائرا ، وأدلل على موقف إنه عندما كان عميد آداب رفض أن يعطي دكتوراة فخرية لسياسيين ذو وزن في عالم السياسية في تلك المرحلة مثل علي ماهر، ورد على وزير المعارف قائلا له عميد كلية آداب ليس مأمور المركز الذي يتلقى الأوامر من العمدة وينفذها، وبسبب ذلك الموقف أحيل للتقاعد عم 1932. أول رسالة دكتوراة لطه حسين كانت عام 1914 عن أبي العلاء المعري والتي أثارت ضجة في الأوساط المحافظة والأوساط الإسلامية وهي أول مرة يتم اتهامه فيه بالزندقة.
ولنتساءل الآن ماذا إذا كان طه حسين حيا اليوم؟ اعتقد انه كان سيستقيل من وزارة التعليم العالي في عهد مبارك ، وسيهرب من البلد بسبب سوزان مبارك، وقد يعود في 25 يناير 2011 وينضم إلى متظاهري التحرير ليختلف بعد ذلك مع المجلس العسكري ثم مع الأخوان ثم جبهة الإنقاذ، وستقام ضده العشرات والمئات من قضايا مابين ازدراء الإسلام وإهانة الرئيس، بالإضافة إلى قضايا فصله عن زوجته واتهامه بالكفر والزندقة، وبالطبع ستتم محاولة اغتياله بـ”السنجة” أو الجرينوف، لكن الشئ الجيد أنه سيكون هناك شخص يستطيع تحديد مستقبل الثقافة في مصر بعد الأحداث الحالية، فهو في العام 1938 ألف كتاب عن مستقبل الثقافة في مصر طالب فيه بفصل الدين عن الدولة وطالب بالتسامح والتنوير والحرية، وكلها أمور نحتاجها الآن في مصر.”
أما الدكتور أحمد مرسي أستاذ الأدب الشعبي فأشار إلى أن طه حسين كان سابق لعصره ، لذا فإن علوم الآداب التى كان يقدمها كانت غير مفهوم لدى الجميع بعصره ، فلم يعد الأدب بنظر طه حسين صناعة كبقية الصناعات، بل دعا إلى ربطه بالحياة ، وربط اللغة بالحياة، فلم تعد اللغة تعيش في برج عاجي منعزلة كبقية الناس يقوم على أمرها من تعلموا تعليميا عاليا ويجيدون الحديث بالعربية الفصحى، وكان هذا ثمرة من ثمار اللقاء بين الثقافة المصرية العربية والحضارة الغربية التي صقلها طه حسين والجيل الذي سبقه والجيل المعاصر له ، لأن تلك الأجيال هي التي قامت عليها دعائم الحرية.
وأضاف د. مرسي : أنه أيضا في اللغة زاد اهتمام د. طه حسين بمستخدم اللغة، وقد اتسعت اللغة عنده لتتجاوز الكلام المنطوق فتشمل أشياء مثل الإشارة والحركة أو الإيماءة ، فكل هذه أدوات تعبير، وبالنسبة لطه حسين فاللغة أساس في تكوين الهوية وتحقيق الوجود ،بالتواصل بأي نوع هذه اللغة منطوقة أو مرسومة أو في شكل إشارات. ولا يمكن لإنسان أن يستعمل لغة لا يفهمها غيره كما يستطيع الإنسان أن يستخدم أكثر من وسيلة تعبير، وكان هذا تغييرا لكثير من المفاهيم، فهنا أصبحت اللغة لا ترتبط فقط بالنحو والصرف وإنما اللغة التي تّفهم ويُفْهِم بها.
وأكد د. مرسي أن د. طه حسين ربط اللغة و الأدب بالحياة ، الأمر الذي أنتج دراسات الأدب الشعبي فأصبح ليس المثقف أو الشاب الذي ينال الاحترام هو من يدرس الأدب الجاهلي أو العباسي أو ما إلى ذلك فقط ، بل من يدرس أدب الشعب أو أدب “الناس العاديين” أيضا، موضحا إن طه حسين قام بتوجيه تلميذته سهير القلماوي لأن تدرس حكايات ألف ليلة وليلة ، وكان هذا ثورة في دراسة الأدب أن يتم الاعتراف بألف ليلة وليلة أدبا، وأبدى د. مرسي أسفه لأن نجد بعد أربعين عاما من تلك الثورة الفكرية من يخرج علينا مطالبا بحرق ألف ليلة وليلة.