نيافة الأنبا بولا أسقف الغربية، وممثل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى لجنة الخمسين لإعداد الدستور شخصية مصرية قوية ومفكر كبير ومحلل مدقق، وباحث متعمق لما يقوم به..
هذا بالإضافة لعمله الرئيسى كأسقف فى الكنيسة القبطية له خبرة كبيرة فى اللاهوتيات وعلوم الكنيسة.. وبالجملة نقول إن الرجل فى مكانه هذا يحقق المقولة الصحيحة التى تقول: الرجل المناسب فى المكان المناسب..
ولأنه هكذا فقد حدث خلاف بينه وبين بعض أعضاء اللجنة، وصل به الأمر إلى الإنسحاب أكثر من مرة، ثم يعيدونه وهكذا.
وحتى نكون مدققين فى الأمر منذ البداية فإن حكاية تعديل دستور 2012 هى عملية خاطئة من البداية؛ لأن كل ما يبنى على باطل فهو باطل، وهذا الدستور الذى يريدون تعديله باطل أساسا بسقوط نظامه ومن وضعوه، بالإضافة إلى الحوار والمواد التى أضيفت إليه بهدف إقامة دولة دينية مكبلة بالنصوص التى تمنع الحريات وتحرم العبادات وتفرق بين الشعب الواحد. كان يجب أن يوضع ويؤسس الدستور من جديد بعد ثورة شعبية مجيدة أرادت الحرية والديمقراطية لهذا الشعب.
الفقرات والبنود التى إعترض عليها الأنبا بولا وكل الممثلين للكنيسة بطوائفهم المختلفة، إعترض عليها معظم أعضاء لجنة الخمسين لأنها لا تخدم الدولة وتعوق الحريات العامة والدينية، ولا تقيم الدولة المدنية المنشودة، وحتى كلمة “المدنية” هذه وافق عليها الأعضاء – وهم 14 عضوا، وافق 10 على الكلمة ولم يوافق 4 فقط، ثم فى الصياغة النهائية وجد موافقة جماعية عليها فكيف يحدث هذا؟! وكيف تلعب بعض القوى وتزور إرادة الأعضاء وهم الممثلون للشعب؟!
فهل أنتم جادون أيها السادة أعضاء لجنة الخمسين فى وضع دستور يليق بمصر ذات الحضارة العريقة وأول من عرفت القانون.. أم أنكم تفعلون ما كنتم تفعلونه فى الماضى تبزرون وتسلقون كل شئ حتى الدستور؟!.
إعترض الأنبا بولا على المادة 219، وهذه المادة إعترض عليها الكثير – حتى أيام محمد مرسى ورجاله، لأنها مادة تكرس الدولة الدينية الإسلامية وتحرم غير المسلمين من حق المواطنة، بل تعتبرهم مواطنين الدرجة الثانية، وليس من حقهم الشهادة أمام المحاكم، بل شهادتهم هى نصف شهادة! وهو ما لا يحدث حتى فى الدول المتخلفة الرجعية.
هل هذا هو الدستور الذى تتبناه ثورة 30 يونيو الشعبية العارمة والتى نزل الشعب فيها يأمر الجيش بإقامة الحرية والدولة المدنية التى يتنكرون لها الآن.. أو ليس من حق الأنبا بولا أن يستقيل وينسحب منها ويعلن فشل تحقيق ووضع دستور يليق بثورة الشعب؟!
ثم إلى متى إنكار والتهرب من حق أقباط مصر فى أن يشاركوا فى كتابة دستورهم ومحاولة الكذب وعدم إعلان عددهم الحقيقى الذى هو أكثر من 17 مليون نسمة، وقد قال الإحصاء الأخير أن عدد الأقباط حوالى5ر3 مليون وهو ما سخر منه كبار المفكرين والكتاب المصريين المسلمين قبل الأقباط؟!.
إعترض الأنبا بولا أيضا على عدم مساواة المرأة مع الرجل فى المجتمع فى الحقوق والواجبات وهو ما ينكره بعض الدراويش الذين يعتقدون بأن المرأة أقل مكانة إنسانية من الرجل، وهى خرافة وجهل، فلو كان هؤلاء الجهلة يعرفون القراءة أو حتى قراءة الصحف وليس الكتب، لعرفوا أن المرأة المصرية المفضالة العظيمة عرفت المساواة منذ آلاف السنوات وفى كتابها عن:
(روح مصر القديمة).. تقول الكاتبة الانجليزية: أنا رويز Ana Ruiz.
حظيت النساء فى مصر القديمة بالمساواة الكاملة مع الرجال، وتمتعن باحترام كبير، وكان إظهار عدم الإحترام لإمرأة، وفقا لقانون (ماعت) ربة العدالة، يعنى معارضة أسس المعتقدات المصرية والوجود المطلق.. وتمتعت النساء بالعديد من الحقوق القانونية، مثل المشاركة فى التعاملات التجارية، وامتلاك الأراضى والعقارات الخاصة، وإدارتها وبيعها، وكن يشهدن فى المحاكم.. وفتح باب العديد من الوظائف المهنية أمام النساء مثل.. مستشارة الفرعون، وكبيرة الكاهنات، والكاتبات، وطبيبات ومنهن الطبيبة المعروفة ( بيشيشت) أول طبيبة فى التاريخ المدون ورئيسة الأطباء.. هكذا كانت المرأة المصرية منذ آلاف السنوات، ويأتى الزمن الأغبر الذى يريدون فيه النيل من حقوق المرأة المصرية المشرفة دائما عبر العصور.
نيافة الأنبا بولا أنت على حق، أنت مسئول أمام كل المصريين عن حضارة مصر العظيمة التى يريدون لها الظلام والدمار، وستنتصر يا أبى مع كل المصريين الأحرار الذين يعملون من أجل مصر العظيمة حتى تستعيد مكانتها وموقعها العبقرى ودورها الفاعل فى الحضارة الإنسانية كلها، أنت لها، شخصية عظيمة نعتز بها.