ربما من بين أكثر ظواهر المجتمع المصري إثارة للانتباه، والتي تستدعي التوقف باهتمام، ظاهرة إقامة بعض الأسر المصرية في المقابر، بجوار صناديق الموتى، إنها حياة بطعم الموت ورائحته المميزة جداً التي تزكم الأنوف، أو ربما هي نصف حياة أو أقل من ذلك كثيراً.
وواقع الأمر أنه تتعدد أسباب تلك الظاهرة كما تتعدد النتائج أيضاً، ولكن الحقيقة المؤكدة في كلتا الحالتين هي أنها “عيشة” غير إنسانية وحياة لا آدمية تتنافى مع كافة القوانين والمواثيق المحلية والدولية الخاصة بحقوق الإنسان والتي أقرها المجتمع الدولي وشاركت مصر- بشكل أو بآخر- ليس في التوقيع عليها فحسب ولكن أيضاً في صياغة تلك المواثيق وإقرارها.
أذكر هنا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948م، ذلك الإعلان الذي شاركت مصر في وضعه وصياغته من خلال ممثلها آنذاك الدكتور محمود عزمي (1889- 1954)، إذ تقول المادة (25) منه أنه “لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة، وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته”.
كما تنص المادة (68) من دستور مصر 2012م، المعطل حالياً، في باب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، على أن “المسكن الملائم والماء النظيف والغذاء الصحي حقوق مكفولة. وتتبنى الدولة خطة وطنية للإسكان؛ تقوم على العدالة الاجتماعية، وتشجيع المبادرات الذاتية والتعاونيات الإسكانية، وتنظيم استخدام أراضي الدولة لأغراض العمران؛ بما يحقق الصالح العام، ويحافظ على حقوق الأجيال”.
ورغم هذه النصوص المقبولة وغيرها من مواثيق فإن استمرار ظاهرة سكنى المقابر إنما تعبر عن غياب واضح لمعاني الحق في ظروف حياتية مناسبة ولائقة فضلاً عن معاني الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، تلك القيم التي قامت من أجلها ثورة 25 يناير منذ أكثر من سنتين، ولكنها للأسف لم تتحقق حتى الآن ولم تر النور!!
إن ساكني المقابر هم في حقيقة الأمر ضحايا لا مذنبون، هربوا من الفقر والاحتياج ومن نار ارتفاع الأسعار وتضخمها في كل شيء، وخاصة سوق العقارات، بصورة غير معقولة، بل وبصورة جنونية، وهم يعانون بالطبع من غياب الخدمات المختلفة: الصحية والتعليمية والترفيهية.. الخ، وإن كان البعض منهم قد استغل تلك الأزمة والتي تمثل ظاهرة متفاقمة لممارسة بعض الأعمال غير القانونية.
وعلى أية حال فإنه تتعدد المسئولية، لتجاوز هذه الظاهرة التي لا تليق بمصر والمصريين، وهي مسئولية قومية بالأساس نحو مواطنين مصريين لهم حقوق مثلما عليهم واجبات، فهناك أولاً مسئولية الدولة، ممثلة في الحكومة بوزارتها وأجهزتها المعنية، وهناك أيضاً مسئولية منظمات المجتمع المدني من جمعيات ومؤسسات أهلية تطوعية، بالإضافة إلى مسئولية رجال الأعمال وغيرهم من المواطنين القادرين مادياً، نحو شركائهم في الوطن من غير القادرين مالياً من حيث وجوب مساعدتهم على تحمل ظروف وأعباء المعيشة.
ويتمثل المطلوب هنا وبالدرجة الأولى في ضرورة السعي نحو توفير مساكن مناسبة لساكني المقابر، تتناسب وإنسانيتهم، على أن تتمتع تلك المناطق التي يجب أن ينتقلوا إليها بكافة الخدمات الصحية والتعليمية والترفيهية وكافة ظروف المعيشة اللائقة والمناسبة.
عيد سعيد
إلى كل الأخوة والأصدقاء والزملاء الأعزاء داخل مصر وخارجها. كل عام وأنتم بخير بمناسبة عيد الأضحى المبارك. عيد سعيد يأتي على الجميع بالخير والحب والفرح والطمأنينة والسلام. تمنياتي بقضاء أوقات سعيدة. ودعواتكم من أجل مصر وشعبها في صلاة العيد.