ماذا حدث للمصريين هذه المرة ؟ أهي حكمة نزلت عليهم فجأه أم هو وحيٍ نزل عليهم نذيرآ مسقطا الغشاوه من علي أعينهم
كنت قد كتبت مقال علي موقع هذه الجريده الغراء منذ عدة شهور بعنوان انه الاقتصاد يا غبي ، وتوقعت حينئذٍ أن الشعب المصري سوف يثور وينتفض مرة اخري ضد حاكمه وسوف يكون العامل الاساسي المحرك لهذه الثوره هو الاقتصاد من الدرجه الاولي .
واليوم وبعد كل ما شاهدت في شوارع وميادين مصر ، اعترف أن رؤيتي لم تكن دقيقه للدرجه الكافيه، لانه اتضح انه هناك عامل محرك أخر لايقل أهميه عن الاقتصاد الا و هو الحفاظ علي الهوية المصريه ،
وهنا لابد ان أذكر إنه عندما تحدثت النخبه السياسيه طوال العام السابق عن ان هناك ثوره اخري قادمه لامحاله ولكنهم جميعا وبلا استثناء كانوا يتكلمون عن ما يسمي بثورة الجياع والتي كما قيل انها سوف تاكل الاخضر واليابس علي حد قول احد رجال السياسة المرموقين في ذالك الوقت من العام المنصرم ، وأن من سوف يفجر هذه الثوره ويقوم بها هي الطبقه المطحونه في المجتمع والتي كانت لديها سقف توقعات عالي جدا بعد ثورة يناير املآً في تحسين أوضاعهم الاقتصاديه ثم بائت كل احلامهم بل فشل بعد ذالك .
ولكن ما حدث في يوم ٣٠/٦ لا شك انه اذهل كل المراقبين ليس في مصر فحسب ولكن في العالم اجمع ، فقد قام المجتمع المصري عن بكرة ابيه بكل طبقاته الاجتماعيه وألوانه وأطيافه وليست الطبقات الوسطي أو الفقيره فقط، نزل الي الميادين لينتفض رافعا علم بلاده في مشهد غير مسبوق لم يعرفه العالم من قبل، ولم يكن هناك كلمه اخري علي لسانه غير كلمة .. مصر .. ولم نسمع منه في الميادين سوي التغني بحب هذا البلد العظيم وليس اي شئ اخر من مطالب اقتصاديه ،او فئويه، ولكنه كان يتحدث بجميع اطيافه و حتي اطفاله عن مدنية الدوله ، عن الديموقراطيه الحقيقيه ، عن الوحده الوطنيه ، ومره اخري عن العيش والحريه والعداله الاجتماعيه وايضا عن استعدادهم للتضحيه في سبيل هذا الوطن مهما كان الثمن .
فعندما تري مجموعه من الشباب لايتعدي العشرين عاما يهتف قائلا .. مدنيه … مدنيه … مش دينيه ،او تسمعه يقول .. انا مش كافر انا مش ملحد.. جورج حبيبي قول للمرشد !!!!! اذا نحن هنا امام جيل يعرف تماما ما يريد، نحن امام جيل يصنع تاريخه ومستقبله كما يترائي له ، جيل لديه من الوعي السياسي الفطري مالم يكن لدي الكثيرين من اجيال سابقه، جيل تتناغم احلامه مع لغة هذا العصر التي يعرفها ويتقنها تماما، ولما لا !! فمشهد الاب توب والاي باد اصبح مشهدا عاديا في قري وصعيد مصر.
المصريين لايقبلون أن تفرض عليهم رؤية محددة للدين لا تتسق مع طبيعتهم الثقافية لأن الهوية المصرية كامنة داخلهم ومححدة لكل طباعهم وعاداتهم اليومية من مأكل ومشرب علاوه علي لكنة اللغه التي يتكلمونها فهي مصريه صميمه، وبما ان اللغه هي وعاء الهويه اذا فهؤلاء مصريون مائه في المائه وينبض قلبهم بحب مصر ، وبما انهم خارج الدين السياسي اذا هم يعرفون جيدا بل واكثر من غيرهم ماذا تعني الدوله الدينيه وما هي متطلباتها ، لهذا نري اعداد كثيره جدا منهم يرفضون حكم الاخوان بالرغم من كل مافعله الاخوان والشيوخ من استخدام الدين لاقناعهم ان المجتمع المصري كافر و يعيش في ضلال وقد ان الاوان لاصلاحه ، وحتي من خُدِعوا منهم في البدايه وصدقوهم الا انه سرعان ما انتفضوا ضدهم مفضلين ان تبقي مصر كما هي بدون ان تغير هويتها.
اذا و من هنا استطيع ان اقول ان الدافع الاساسي والمحرك لثورة ٣٠/٦ هو انقاذ الهويه المصريه التي يري المجتمع انها اصبحت في خطر حقيقي يسلتزم الثوره ضد من يحكمونها وبعد ما سقط القناع عنهم فتبدي للجموع اي خطر يحيط ببلادهم وهويتها.
ليس بالاقتصاد وحده يحيا الانسان بل هي الحريه والديموقراطيه والاحساس بالامن والأمان والامل في مستقبل افضل تتناسب مفراداته مع القرن الواحد والعشرين .
ولا يسعني هنا ان اختم هذه الكلمات دون ذكر مشهد كان علي احدي الفضائيات لعدة اطفال في محيط ميدان التحرير ، اصطفوا معا لينشدوا في مشهد بديع ، لكي يا مصر السلامه وسلامه يا بلادي ان رمي الضهر سهامه اتقيها بالفؤاد واسلمي في كل حين .
هذا هو الجيل القادم فترقبوه لعله يصلح ما افسده الدهر .