هناك رواية شهيرة يعرفها الكافة تدلل على حكمة سليمان الحكيم. ذللك أنه أتت اليه امرأتان تتعاركان على طفل رضيع تدعى كل منهما أنه ابنها. ولما لم يستطيع الملك تبين الحقيقة أو معرفة ابن من منهما هذا الطفل، أعلن لهما أن لديه الحل الحاسم لمشكلتهما، فدعا السياف وأمره أن يشق الطفل نصفين ويعطى كل منهما نصفا. عندئذ صرخت احداهما في جزع: “لا…لاتشقه. اعطه لها”. هنا أمر الملك الحكيم أن تعطى هذه المرأة الطفل، فقد تأكد له أنها هي الأم الحقيقية لأنها لم تحتمل أن يصيبه اى ضرر
تتبادر هذه الرواية كثيرا لذهنى هذه الايام حينما أرى ما يفعله الاخوان المسلمون بمصر.انهم يتصرفون وكأن مصر لا تهمهم، بل الاسوأ من ذلك كأن مصلحتهم هى خراب مصر. اتذكر أنه عندما أعلنت نتيجة انتخابات الرئاسية فى ٢٤ يونيو العام الماضى وأعلن أن الفائز هو محمد مرسى، أذكر أن مؤيدى منافسه أحمد شفيق—ولم يكونوا قلة بل كانوا يشكلون حوالى ٤٩ ٪ من الناخبين—تقبلوا الأمر رغم الهزيمة والتزموا الهدوء ولم يعترضوا على ما أعلن أنه نتيجة الصندوق. بل أذكر أن شفيق نفسه هنأ الرئيس الجديد وتمنى له كل نجاح. أى أنهم اختاروا سلامة ومصلحة مصر دون النظر الى ارادتهم.وهكذا بدأ مرسى فترة رئاسته ولم يكن هناك من يتربص به بل كان الكل—حتى من كان ضد حكم الاخوان—ينتظر ليرى ماذا سيفعل أول رئيس من تيار الإسلام السياسى فى مصر
ما تلا ذلك معروف للجمىع. فمن “تكويش” الاخوان على الحكم وسيطرتهم على كل مفاصل الدولة، إلى اقصائهم لكل من عداهم، إلى ولائهم المفضوح لجهات غير مصرية مثل حماس وغزة وسوريا، الى الاعلانات ال(غير)دستورية التى حصن بها مرسي قراراته والمجالس ذات الأغلبية الاخوانية ضد أحكام القضاء، الى التلاعب بالارادة الحرة للشعب فى النتخابات والاستفتاءات، وأخيرا الى الوضع الاقتصادى الكارثى الذى أوصل مصر إليه…انتهى كل ذلك بفقدان مرسى وجماعته لكل تأييد شعبى، اللهم إلا تأييد الجماعة. ومع ذلك استمر مرسى والجماعة معه فى الضرب عرض الحائط بارادة الشعب
الرسالة لشعب مصر كانت ناصعة الوضوح: اذا استمر الاسلام السياسى فى السلطة فقد انتهت الديموقراطية الوليدة بالكامل فى مصر. بل تكون مصر نفسها بتاريخها وثقافتها وحضارتها العريقة مهددة بأن يمحوها الاخوان ليحل محلها ثقافة اسلامية تكرس للخلافة ومحو الهوية الوطنية. انتفض الشعب ضد هذا الاختيار، وكان التمرد و٣٠ يونية. اختار الشعب ومعه الجيش أن يصون مصريته وديموقراطيته الوليدة. فالمشهد اذن كان، بعكس ما رآه العالم، ليس انقلابا على الديموقراطية بل انقاذا لها وحفاظا على الهوية الوطنية
فماذا فعل الاخوان و تيارات الإسلام السياسى؟ انقلبوا—و بمنتهى الوحشية—على مصر والمصريين.فإذا رجعنا إلى رواية سليمان الحكيم عزيرى القارئ من تكون الأم الحقيقية فى مصر؟ من المؤلم بمكان—بل من المرفوض بالكامل— أن ُيطلب منا نحن المصريون أن نسلم مصرنا الحبيبة لمن يريد شقها. أقول هذا؛ لأن ذلك يطلب منا ليس فقط من الاخوان المسلمين—والمثل الشعبى يقول “العيب من أهل العيب مش عيب”—لكن أيضا ممن يزعمون أنهم يمثلون العالم الحر