يتابع الكثيرون من المصريين والمهتمين بالشأن العام مسألة قيام إثيوبيا ببناء سد النهضة، أو سد الألفية حسب بعض المعالجات الإعلامية، مما قد يؤثر على حصة دولتي المصب (مصر والسودان) من مياه نهر النيل، فضلاً عن التأثير عن توليد الكهرباء. حتى أن الصراع الحالي بات يتركز حول وفرة المياه في المنطقة ونصيب مصر منها، لاسيما في ظل التزايد السكاني الذي يتطلب توفير كميات أكبر من المياه فضلاً عن الحرص في استخدامها.
وفي اعتقادي أن معالجة هذه الأزمة تحتاج إلى تضافر كل القوى واتحادها، وبذل كل الجهود الممكنة، السريعة والعاجلة، فضلاً عن جهود أخرى على المدى الطويل. فعلى المدى السريع نحتاج أولاً إلى فتح باب الحوار والمفاوضات مع الجانب الإثيوبي، خاصة وأنه من حق إثيوبيا أن تسعى للتنمية وتحقيق نهضة شعبها. وقد يحتاج الأمر ثانياً اللجوء إلى التحكيم الدولي، من أجل تأكيد حق مصر في حصتها من مياه النهر، كما أن أي مشروع على طول المجرى المائي لابد وأن يتم بموافقة جميع دول حوض النيل. أما بخصوص ما يطرحه البعض من تدخل عسكري مصري ضد إثيوبيا فهو أمر له خطورته وتبعاته السياسية والاقتصادية، وأتمنى ألا تلجأ مصر إليه.
أما على المدى البعيد فإنه من المهم العمل على تدعيم العلاقات المصرية الأفريقية في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية، من خلال استثمار قوة مصر الناعمة، وتنشيط الدبلوماسية المصرية في دول أفريقيا وبالأخص في دول حوض النيل، فالأمر جد خطير يحتاج إلى استعمال كل الطرق المشروعة والمناسبة، وقد يتطلب الأمر الاستعانة بالمثقفين والأكاديميين المهتمين بأفريقيا لطرح رؤاهم وأفكارهم الخاصة بمعالجة الأزمة والوصول إلى نتائج تناسب الوضع المصري.
هذا بالإضافة إلى ضرورة تنشيط دور الأزهر الشريف، وكذا الكنيسة المصرية في أفريقيا. لاسيما وأن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية قد ارتبطت على مر التاريخ، وربما منذ نشأتها فى أواسط القرن الأول الميلادي على يد القديس مرقس الرسول، بعلاقات قوية مع الكثير من الدول الأفريقية وبالأخص إثيوبيا، حيث كانت الكنيسة الأثيوبية بمثابة ابنة روحية للكنيسة المصرية، وكان البابا/ البطريرك المصرى يقوم بسيامة (رسامة/ تنصيب) مطران أثيوبيا والذى كان يتم اختياره من بين الرهبان المصريين ليتولى رعاية مسيحيى أثيوبيا. وقامت الكنيسة المصرية بإقامة الكثير من الكنائس والأديرة في بعض دول أفريقيا، كما أوفدت الرهبان والكهنة إلى تلك الدول للقيام بخدمات رعوية روحية ودينية.
وشهد التاريخ زيارات عديدة قام بها باباوات وآباء الكنيسة المصرية لأثيوبيا وبعض دول أفريقيا، بعضها لأسباب رعوية وبعضها الآخر لمهام وطنية.
وهكذا فإننا بحاجة إلى استدعاء الدور الوطني للكنيسة المصرية في أفريقيا، وفي مقدمتها إثيوبيا، وهو بالأساس دور وطني أكثر منه دور سياسي، باعتبار الكنيسة القبطية مؤسسة مصرية وطنية، تُساهم- دون تأخر- مع غيرها من المؤسسات المصرية في رعاية مصالح الوطن، وهو ما يؤيده تاريخ مصر القديم والحديث، وقد يتحقق ذلك من خلال تكثيف الزيارات الرعوية إلى أفريقيا إلى جانب الاهتمام بالأفارقة المسيحيين المقيمين في مصر والذين تتولى الكنيسة المصرية رعايتهم روحياً. إذ من شأن ذلك تدعيم العلاقات الاجتماعية والثقافية بين مصر وغيرها من الدول الأفريقية، وتأكيد الحضور المصري في القارة السمراء.
الجدير بالذكر هنا أن نهر النيل حاضر باستمرار فى صلوات الكنيسة المصرية فى الكثير من المناسبات والاحتفالات، حيث تهتم الكنيسة بالصلاة من أجل مياه نهر النيل، وكثيراً ما تتكرر في صلواتها عبارة “نيل مصر يا رب باركه”.