ماتت “سهير” قبل أيام إثر عملية ختان وقبل سنوات ماتت “بدور” أيضا بعد عملية ختان، وقبل أيام وتحديدا يوم 14 يونيو مر اليوم العالمى لمناهضة ختان الإناث في صمت، فلم تفعل المنظمات النسائية والديمقراطية ما كان لابد أن تفعله بأن تنظم حملات دعائية ضد هذه العادة الإفريقية القديمة التي لا علاقة لها بالدين كما يؤكد شيوخ ومفتون وباحثون في علوم الفقه يصدقهم الناس.
ورغم هذه التأكيدات تقدم عدد من المحامين المنتمين للأحزاب الدينية بدعوى للمحكمة الدستورية العليا يطالبون بإلغاء قرار وزير الصحة الذي صدر سنة 2007 بمنع إجراء عمليات الختان في المستشفيات الحكومية. ولكن المحكمة الدستورية أكدت صحة قرار الوزير فظل الأطباء ممنوعين من إجراء العملية في المستشفيات الحكومية ولكن بقيت المستشفيات الخاصة وممارسات الدايات .
ولأن الحجة الدينية دفاعا عن ختان الإناث هي حجة ضعيفة ومشكوك في مصدرها فإن التحليل الأعمق لظاهرة إصرار بعض الأحزاب الدينية على الدفاع عن ختان الإناث، بل وقيام عدد من نساء هذه الأحزاب بتنظيم قوافل تزور القرى خاصة تلك القرى التي كانت قد تخلصت تماما من هذه الممارسة الضارة بجسد المرأة بعد عمل دءوب وصبور قامت به بعض الجمعيات النسائية، فأخذت هذه القوافل تشجع الأسرة مرة أخرى على إجراء عملية الختان للبنات، بل وتطوع أطباء ينتمون إلى هذه الأحزاب لإجراء هذه العملية.
لكن الحصاد الذي كان قد نتج عن حملة الدعاية القديمة ضد الختان كان لا يزال موجودا إذ رفضت أسر تختين بناتها رغم استخدام القوافل الجديدة للشعارات الدينية وكان رفض الأسر علامة من علامات صحوة الوعي الشعبي بعد ثورة 25 يناير هذه الصحوة التي تراكمت عناصرها وتفاعلت طويلا على امتداد السنين وخافت منها كل القوى الرجعية والمحافظة التي ترى في الختان إخضاعا للنساء باسم العفة والشرف بعد أن ضعفت حجة الدين.
وهنا يبرز السؤال: لماذا يريدون إخضاع النساء وما الذي تتطلع إليه هذه القوى حين تراهن على خوف النساء من أجسادهن بعد تشويههم إذ تبقى النساء أسيرات لهذا الخوف و يجدن أنفسهن غالبا في حالة دفاع لان الأثر العميق للاعتداء عليهن باسم الختان لا يزول مع الزمن بل انه يؤدى إلى فقدان الثقة في النفس أيضا، وكثيرا ما يؤدى الختان إلى فشل العلاقات الزوجية كما يؤكد الأطباء لأن المرأة الخائفة من جسدها تعجز عن الاستجابة لزوجها بل أن بعض علماء الاجتماع يرون من ظاهرة انتشار المخدرات نتيجة غير مباشرة لختان الإناث.
نعود للسؤال لماذا يريدون إخضاع النساء؟ لنرد على هذا السؤال علينا أن نعود للوراء قليلا حين اندلعت ثورة يناير وشاركت فيها النساء بكثافة وايجابية ملفتة بعد أن طالتهن صحوة الوعي الشعبي في مواجهة الفساد والاستغلال والاستبداد وكأنما خرج المارد من القمقم كما يقال وهو ما كان قد حدث في تاريخ كل الثورات الكبرى من الثورة الفرنسية إلى الثورة الروسية ومن الثورة العرابية في مصر إلى الثورة الوطنية الكبرى عام 1919. في هذه الثورات كلها كانت الطاقة الشعبية المكتملة تسفر عن نفسها بمشاركة النساء والرجال وفى نفس الوقت تتحطم اغلال الذكورية التي هي الشق الثاني للهيمنة الطبقية على الكادحين، فقد تلازمت المنظومة الذكورية عبر التاريخ مع المنظومات الطبقية لذا كانت الجماهير الأساسية للثورات كافة هي جماهير الكادحين الذين لا يفقدون في الثورة إلا الأغلال التي تكبلهم لأنهم لا يملكون شيئا.
وفى تجربتنا الأخيرة مع ثورة 25 يناير استطاعت الثورة أن تنجز هدفها الأول وهو إزاحة ” مبارك” حين انخرطت الملايين الفقيرة في أعمال الثورة يوم 11 فبراير 2011.
والذكورية بحكم التعريف هي وصاية الرجال على النساء و إخضاعهن للشروط التي تحددها هذه الوصاية وبالتالي يتم إخضاع نصف المجتمع اجتماعيا وسياسيا بمعرفة النصف الآخر. والذي يقوم بهذا الدور نيابة عن السلطة السياسية حين يجعل من المجتمع عجينة سلسة بحكم تعذيب النساء هذا إضافة إلى أن التسلط الذكورى على النساء يتضمن في حد ذاته تشويها لوعى الرجال أنفسهم الذين يمارس بعضهم الاستعلاء على النساء بحكم الضعف المفترض في النساء…وذويتهن… طبقا للمفاهيم الذكورية ودونية النساء تعنى فوقية الرجال وسيادتهم.
بل أن هذه المفاهيم الذكورية تشق لنفسها مجرى في وعى النساء أنفسهن و فيما يخص قضية الختان التي نحن بصددها تقول لنا التجربة أن النساء خاصة فى البيئات الفقيرة هن اللاتي يحرصن على إجراء هذه العملية الضارة لبناتهن فضلا عن أنهن يفضلن الذكور على الإناث ويعملن على إخضاع الأخت لأخيها لأنه الذكر، وتخضع الزوجة لزوجها راضية كما سبق أن خضعت لأبيها وأخيها أو ابنها فيما بعد والخضوع هو شئ أخر تماما غير الاتفاق في وجهات النظر.
وإذا كانت الثورة المصرية قد أطاحت جزئيا بمفاهيم الاستعلاء والعنجهية الذكورية، ووضعت هذه الثقافة الذكورية كلها موضع التساؤل فان قوى الثورة المضادة التي تدعى أنها تمثل الدين أخذت تقاوم هذه الآثار الايجابية للثورة في نفوس الشعب وفى أوساط النساء على نحو خاص، وهى تدعو للإخضاع الأولى للنساء عبر الختان والدعوة للزواج المبكر وإعادة النظر في المكاسب الجزئية مثل الطلاق بالخلع وهى المكاسب التي حصلت عليها النساء بعد كفاح طويل عبر قرنين من الزمان، وهى تفعل ذلك تحت راية الادعاء الزائف بأن هذه القوانين هي قوانين “جيهان السادات” أو “سوزان مبارك” .
و هكذا تسعى قوى الثورة المضادة لإعادة المارد إلى القمقم بإزاحة النساء إلى الخلف وتشديد الرقابة الذكورية عليهن، والشئ المؤكد هو أن التاريخ لا يعود إلى الوراء فرغم صور التحرش الممنهج و الإرهاب الجنسي ضد النساء فإنهم يخرجن و يتظاهرن ويعبرن عن رؤى الثورة، وسوف تنجح الحركة النسائية والديمقراطية في آخر المطاف في الانتصار على عادة الختان البغيضة التي تستهدف إخضاع النساء و إذلالهن.