التوبة ، تعني تغيرا جزريا في حياتنا وجهة الطريق التي نسلكها و نسير فيها بعيدين عن الله و خلافا لوصاياه. إنها تعبًر عن تحول الانسان عن الخطيئة والعودة الى الله بقلب طاهر نقي
التوبة ، تعني تغيرا جزريا في حياتنا وجهة الطريق التي نسلكها و نسير فيها بعيدين عن الله و خلافا لوصاياه. إنها تعبًر عن تحول الانسان عن الخطيئة والعودة الى الله بقلب طاهر نقي. فالإنسان يتحرر ويخرج من سيطرة الشر ويصبح في ملكوت المسيح الذي بالآمه وصلبه وموته حررنا من العبودية بحميع أشكالها.
من أجل هذا نرى التوبة في الإنجيل المقدس الشرط الوحيد والأساسي للدخول في ملكوت الله لأنها تخلق في الإنسان موقفا جديدا من الله والكون والقريب، يولدًه حدث يسوع المسيح.
في هذا الحقل الوجودي ليس للصوم أي دور يلعبه. ولكن ، إذا كان هناك من علاقة بين الصوم والتوبة فإنها تظهر في حقل تجسيد التوبه في الحياة اليومية، كيف ؟
إن التوبة الكيانية تظهر في الحياة. وكما في المسيرة الأخلاقية والروحية كذلك في مسيرة التوبة، حيث يتعرض الإنسان احيانا كثيرة للفشل وللتراجع ولقطع العلاقات ولقول ” لا ” لتحقيق دعوته ورسالته.
لذا ، تكبر الحاجة الى المصالحة وعيش سر التوبة. هنا يتدخل الصوم ولكن ليس كقوة تثير المصالحة – فهي تسبقه دائما – إنما كفعل توبة يسمح لله بأن يكون الله ، والآخر بأن يبقى الآخر.. أي كعمل يثبت العلاقات الحقة بين أشخاص أحرار.
ومما لا شك فيه أن الصوم لا يمحو الخطايا، فلماذا إذا نمارس فعل التوبة هذا وكأنه عقاب وقصاص؟
في أغلب الأحيان نفكر في ذواتنا قائلين : ” قد خطئنا واهنا الله ، لذا يتحتم علينا التعويض “فنعاقب انفسنا بأصوام وإماتات قاهرة، وبقدر ما تكون الخطيئة كبيرة بقدر ما تزداد هذه الممارسات.
فمفهوم الصوم هذا، الناتج عن نظرة قانونية للخطيئة والتعويض هو غريب عن مفهوم الصوم المسيحي.
“اننا لا نخطىء إلا أمام الله ” الذي أوحى بذاته لنا. فالخطيئة تفترض وجود الأخر أمامنا وجها لوجه لأنها قطع للعلاقة معه وتحويل النظر عنه. فالله يبقى حاضرا في حياتنا، نحن الخطأة، إنما غائبا عن نظرنا. بالمصالحة نصلح وجهة نظرنا ونحيا من جديد، لقاء الله .
فالصوم مخروج من الذات للقاء الأخر لا يجب ان يخلق فينا حالة مأساوية وسوداوية أو يولد شكاوي وتأوهات، بالعكس إنه وقت حافل بفرح لقاء مخلص يصالحنا معه.
وهكذا بخروج التوبة من عالم القصاص – حيث تعيش ذكريات الماضي الفاشل دون أن تستطيع تغييرها – ودخولها في عالم الانفتاح على رجاء الله – حيث حضور إله المحبة يدعونا لاستباق المستقبل في حاضر مخلص- يصبح الصوم فرح وسعادة دائمة لإله بشرنا يوم تجسده بفرح عظيم.
إذا اردنا أن تبقى للصوم كلمة يقولها لإنسان اليوم علينا أن نطهره من شوائب كثيرة. فعوض أن يكون حرمانا من أجل الموت… فليكن حياة حقة للقيامة. وعوضا أن يعري الإنسان من إنسانيته… فليمنعه من أن يفقد معنى هذه الإنسانية. وعوضا أن ينقص من قيمة الجسد… فليعطه حقه من الاحترام.وعوضا أن يكون رفضا للغذاء… فليصبح غذاء للمشاركة والاتحاد.لذا علينا أن نؤسسه على الإيمان والرجاء والمحبة.
بالإيمان يجد الصوم سبب وجوده. فهو ليس وسيلة للوصول الى الإيمان، إنما هو انبعاث طبيعي منه.. فلا يشكل بعدئذ هدفا بحد ذاته ولا طريقا للوصول إلى الهدف، بل يظهر الهدف حاضرا في حياتنا.
في الرجاء يبدو الصوم كإنتظار لمجيء المسيح في حياتنا. فيحول كل صلوات المسيحي إلى صرخة واحدة يطلقها للعروس : ” ماراتانا ” أى ” تعال أيها الرب يسوع “.
والمحبة تجعل الصوم استعدادا لعطاء الذات من أجل خلاص الأخرين. وبواسطتها يغدو الصوم عملا يتحول فيه سلطان الخطيئة والموت إلى حرية القيامة.