هل نشهد هذه الأيام تحولا فى مسارات العنف وتوصيفاته؟ لقد عشنا سنوات طويلة فى ظل ما عُرف باسم “الحرب على الإرهاب”، وهى حرب دولية بكل معانى الكلمة خاضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها ليس فقط فى الغرب وإنما فى كل أنحاء العالم، ضد مجموعات كثيرة غير محددة ممن أطلق عليهم “الجماعات الإرهابية”، وإن كان “تنظيم القاعدة” هو رمز “الشر” الذى ارتبطت به هذه الحرب أكثر من غيره. ولكن منذ مقتل بن لادن فى عملية مبهمة تغير الموقف، والذى تزامن مع ما صار يعرف بالربيع العربى، فلم نعد نسمع كثيرا أصداء الحرب على الإرهاب كما كان فى السابق. وتحركت منطقة العنف والعمليات نحو حوض البحر المتوسط وشمال أفريقيا ضمن حزام جديد يضم أيضا مالى وربما منطقة الصحراء فى أفريقيا.
وربما ليس غريبا أن تتراجع نبرة الحرب على الإرهاب، مع دعم جماعات بعضها كان يصنف ضمن خانة “الإرهاب” فى مواجهة حلفاء كانوا داعمين للاستراتيجية الأمريكية ضد الإرهاب. ويعتبر هذا التحول على درجة كبيرة من الأهمية على الرغم من أنه لم يحظ بالقدر الكافى من الإهتمام والتحليل حتى الآن. فقد انصب الإهتمام على محاربة “الديكتاتوريات” العربية عوضا عن محاربة “الإرهاب” الدينى. وأصبح العنف الذى يجرى متابعته، وتغذيته فى عدد من البلدان، عنفا محليا وليس دوليا. وأصبحت كلمة “الإرهابيين” لا يتم تداولها كثيرا وصعدت كلمات أخرى أهمهما “البلطجية” و “الشبيحة” لتصف فاعلين على المستويات المحلية وليس الدولية، وهذه الجماعات أيضا مازال يشوبها كثيرا من الغموض حيث أطلق عليها فى مصر مثلا “الطرف التالت”، أو بالعبارة المصرية “اللهو الخفى”.
ونلاحظ فى مصر فى الآونة الأخير وفى إطار الاحتفال بالذكرى الثانية لثورة 25 يناير وجود لغة جديدة حول “العنف” الذى تشهده البلاد، وظهور مجموعات لم تكن معروفة فى السابق مثل “البلاك بلوك”. ولكن الملفت للنظر أن لغة “الإسلاميين” بشأن العنف وكأنها تستدعى لغة “الحرب على الإرهاب” ولكن على المستوى المحلى. فثمة نزوع لوصف هذه الجماعات بالإرهاب، وإلصاقهم بخصومهم السياسيين، مع إفراط الإخوان المسلمين فى الحديث عن الديمقراطية وأدواتها وكأنها مكون اصيل فى فكرهم السياسى! وهذا تحول آخر جدير بالملاحظة.
وأضيف وجه شبه آخر بين استراتيجية الحرب على الإرهاب، وما يتشكل الآن محليا فى الجدل وطريقة التعامل مع العنف المحلى، وهو غياب الشفافية والعدالة. لقد اتسمت الحرب الأمريكية على الإرهاب بدرجة عالية من عدم الشفافية فيما يتعلق بالتحقيقات والمسئوليات الجنائية لمرتكبى جرائم الإرهاب. بل لقد تم شن حرب كبرى ضد صدام حسين باسم الإرهاب وعلى أساس أنه يمتلك أسلحة دمار شامل وهو ما تبين عدم صحته لاحقا. والآن فنحن نسمع ونشاهد أعمال عنف، بما فى ذلك العنف المنظم ضد النساء الناشطات سياسيا، ومع ذلك لم نلحظ أن ثمة تحقيق واحد يوضح لنا من هم فعليا المتهمين بممارسة العنف وأى عنف؟. وكما تساءل البعض ما الذى يجعل، بالمعنى القانونى، أن ما تقوم به جماعة البلاك بلوك يمكن أن يصل إلى حد الإرهاب، فى حين أن ما تقوم به جماعة حازم أبو إسماعيل يمكن أن يوصف باللاعنف؟
وعلى أى حال فإن العنف يعد ظاهرة تستدعى دائما كلما مصطلحات الشجب والإدانة، ولكن للعنف السياسى أيضا وظائف تعرفها السلطات، وقد يعرفها أيضا خصومها السياسيين. وما نتطلع إليه ليس عبارات الشجب والإدانة المعروفة، لكن وقف منهج التوظيف السياسى للعنف.