كثيرون مثلى، صدمهم موقف أولتراس الأهلى بعد الحكم فى قضية مذبحة بورسعيد.. فقد شكَّل الاحتفال بميدان التحرير، ثم الانسحاب، صدمة حقيقية لكل من يدركون دور الأولتراس فى نجاح الثورة المصرية.
وعلى قدر الحب يكون العتاب، كما أن الدهشة تحل محل الإعجاب.
الأولتراس ظاهرة برزت كرويا، وعُرفت بانتمائها إلى الأندية التى يشجعونها حتى باتت بالنسبة إليهم وطنا.. لكن مع الثورة أخذت منحى آخر، وأصبحوا جزءا منها، إذ كان دورهم واضحا يوم 25 يناير وبارزا فى جمعة الغضب، وحاسما خلال موقعة الجمل، ثم توالت مواقفهم الثورية المميزة.
وفى الفترة الأولى من الثورة -وحسب اعتقادى- كان غضب الأولتراس ينصبّ على الشرطة فقط، لا على النظام ككل.. فهى العدو اللدود لروابط الأولتراس فى كل دول العالم.. ومهاجمتها من ثوابت هذه الروابط، فالعلاقة بينهما «كرّ وفرّ» دائما.
لكن مع توالى أيام الثورة أصبح الهدف إسقاط النظام، لا الداخلية فقط.. ومع المحن التى قابلتها الثورة فى العديد من المواقع (من محمد محمود إلى مجلس الوزراء مرورا بالعباسية واحد واثنين وغيرها) أصبح الهدف تحقيق مبادئ الثورة والقصاص للشهداء، وصار أغلب المراقبين للثورة على قناعة بأن مفاهيم الأولتراس تطورت، خصوصا مع وقوع ضحايا وشهداء ينتمون إليهم.. وأن الأمر لديهم أكبر من الانتماء إلى ناد بعينه.. وتحولت الشعارات إلى بلد اسمها مصر.. والأغانى والأهازيج باتت تنشد للثورة وشهدائها.. وأن العيش والحرية والكرامة الإنسانية أسمى من أى أهداف أخرى.
وكان موقفهم مشرفا ورائعا يوم الاعتداء على المعتصمين أمام قصر الاتحادية، احتجاجا على الإعلان الدستورى الباطل، وتصديهم للمعتدين من الإخوان والتيارات السلفية كان قويا ومحكما.. وبدا أنهم الأمل لدى قطاعات عديدة من المواطنين فى أن هناك قوى قادرة على منازلة شباب الإخوان والتفوق عليهم.. وأصبح الاطمئنان لدى الكثيرين، هو نزول الأولتراس إلى المظاهرات.
حقيقة.. أعطى الأولتراس زخما للثورة، وفى المقابل منحهم الثوار من التيارات السياسية وجها جميلا ورائقا ورونقا براقا، إذ كان الطرفان يكمل بعضهما بعضا.. ومن هنا كانت صدمة الفرحة يوم الحكم. فالاحتفال، ثم الانسحاب جعلا القضية شخصية ومحدودة والثأر شخصيا وليس عامًّا.. وأن ما حدث مجرد حادثة فى مبارة كرة قدم، لا مؤامرة على الوطن.
وبدا الأمر كما لو كان فقط خصومة بين ناديين أو محافظتين أو بين أولتراس الأهلى وأولتراس المصرى.. وهو أمر خطير وغير مقبول.. فهو يحول الكارثة إلى مجرد جريمة جنائية، والشهداء إلى ضحايا مباراة عادية، لا يمكن أن يكونوا على قدر ومكانة شهداء الثورة الذين دفعوا حياتهم من أجل الوطن!
كنت أعتقد أن أولتراس الأهلى لن يقبل إلا بالعدل، وأنه سيظل يطالب بمحاكمة القتلة الحقيقيين.. فهل اقتنع الأولتراس بأن المحكوم عليهم هم الفاعلون حقا؟
وإذا كانوا هؤلاء شاركوا فيها بالفعل، فمن -إذن- اليد التى دفعتهم إلى ارتكاب الجريمة؟
هل ما حدث مجرد جريمة عابرة خلقتها الصدفة أم أن وراءها مؤامرة كبرى على البلد والثورة والأولتراس؟
هل وراءها أشخاص أم جماعة وتنظيم؟!
هل ارتاح الأولتراس بالحكم على أشخاص قد يكونون أبرياء، أم أنهم تعبوا فأقنعوا أنفسهم بالانتصار، وأن تهديداتهم أثمرت بالفعل، وأن الجميع يخشى قوتهم؟!
خطورة انسحاب الأولتراس من المعركة، سيدفع فاتورتها الأولتراس نفسه.. وسيكون أولى ضحاياها، فهو يعزل نفسه عن الثورة، ليعود إلى موقع «مشجع كرة» ينتمى إلى مجرد نادٍ، هو بالتأكيد أصغر كثيرا جدا من بلد.. فالانتماء إلى أى ناد، أيا كان، لا شىء مقارنة بالانتماء إلى وطن، يحتاج كل أبنائه.
فما حدث من الأولتراس لا يعنى إلا المشاركة فى مؤامرة تقسيم الوطن، والموافقة على إشعال النار بين أبناء الشعب، وإذكاء روح الانتقام من «المجرم الوهمى» وترك «الجانى الحقيقى!».
وإذا عزل الأولتراس نفسه عن القوى الثورية فهو الخاسر الأكبر.. ففى هذه الحالة، وبعد أسابيع أو شهور، سيجد نفسه وحيدا، محاطا بالعسكر، وستمتلئ السجون بقياداته، إذ لن يكون -حينها- الثائر الذى خرج من أجل هدف سامٍ، وإنما مجرد مشجع لناد كبر أم صغر!
ووقتها لن ينفع الندم، وسيدرك أنه أُكل يوم ابتعد عن جماعة الثورة.
وفى الوقت نفسه فإن الميدان يزداد أنصاره يوما بعد يوم، وكلهم على استعداد للتضحية بأنفسهم والتصدى لمن يعتدى على الثوار أو يحاول إجهاض الثورة.
أثق بوطنية الأولتراس وفى قدرتهم على فهم الأمور، لذا فإننى أجزم بأنهم سيعودون إلى الميدان، وسيكملون مع رفاقهم طريق الثورة، وأنهم سيدركون أن ثأرهم ليس مع بورسعيد، لكن مع المجرم الحقيقى الذى سيُكتشف أمره ولو بعد حين.. ووقتها سيكون القصاص العادل لكل شهداء الثورة لا شهداء مذبحة بورسعيد فقط.
موقن أنا، أننا سنرى الأولتراس بمختلف انتماءاته، فى أول مظاهرة يحمل راياته، ويجدد ثورته -وقد يكون هذا غدا (الجمعة)- وهو يهتف (عيش – حرية – عدالة اجتماعية).