من الغريب الان فى مصر ان من يناصر القرار الباطل و العمل المعدوم، ليس رجل السياسة فقط ، الذى نعذره لجهله بالقانون و نلتمس له المعاذير ايضا لجهله بامور السياسة ذاتها
من الغريب الان فى مصر ان من يناصر القرار الباطل و العمل المعدوم، ليس رجل السياسة فقط ، الذى نعذره لجهله بالقانون و نلتمس له المعاذير ايضا لجهله بامور السياسة ذاتها، و انما طرة من المتفيهقين الذى كان الاصل فيهم العلم بالقانون و احكامه و الا يغلب لديهم الهوى على الموضوعية او التحزب على اليقين العلمى.
و لا اعتقد ان الاسباب الى اعرضها هنا لبطلان ما سمى خطا باعلان دستورى هى بالمجهولة للعالم بالقانون و لا حتى لطلاب السنه الثالثة بكليلت الحقوق. و مع ذلك فينبغى ان ننوه ان فارقا كبيرا يفصل بين موقف القانون كعلم له قواعده العلمية الموضوعية و اكاد اقول اليقينية الثبوت و الدلالة و موقف الراى الحزبى المساند عن هوى و يبتعد عن علمية العلم و موضوعية العالم. ان مثل هؤلاء المؤيدين كمثل طبيب تجرد من العلمية وادعى ان قلب المريض يوجد فى ذراعه و كبده فى ركبته اليسرى. نعم الخطا العلمى الذى تحتويه ادعاءات الطبيب الافاق او الجاهل مساو تماما للخطا العلمى الذى تحتويه الحجج الباهته التى تزعم مشروعية قرارات الرئيس الاخيرة بلا اى سند دستورى سليم. لذا فانا لا ازعم فيما اقول نجابة او حذقا و لكن ارجو ان يكون مقالى لاخواته رتقا. فبعد ما سمعنا من دفاع عن الباطل و الفاسد و بعد ما راينا من اضغاث و شجون ، لا نملك الا التساؤل : لماذا يمقتون العلم المدرار الذى ينقذ مصر من فخ البوار و يجنبها اليوم الحديد و النار؟ .
و رغم سذاجة الادعاءات بوجود اسباب للمشروعية فسوف اقوم بتفنيدها و احدة بعد الاخرى.
اولا. حالة الضرورة تتقرر بنص دستورى سابق على صدور القرار حتى يستند له هذا الاخير فى مشروعيته و حتى يتم تحديد نطاق العمل بالسلطات الاستثنائية لرئيس الجمهورية وفقا لشروط سابقة على اتخاذ قرارات الضرورة و تسمح له باتخاذ ما يلزم لمواجهة حالات بعينها يذكرها النص الدستورى المخول لصلاحيات الضرورة بشروط و اوجه رقابة محدده. فالضرورة اذن ليست حالة عشوائية بلا قانون و بلا تنظيم و لا ترتيب و انما هى حالة قانونية تفرضها و تنظمها نصوص. فلا ضرورة الا بنص و لا احكام استثنائية الا برقابة قضائية عليها. هذا هو مفاد مبدا المشروعية و مقتضاه فى حالات الضرورة ( انظر رسالتنا الاولى فى الدكتوراه بعنوان السلطات الاستثنائية لرئيس الجمهورية فى مصر و فرنسا- منشاة المعارف. ١٩٨٨).
نتيجة : انعدام الضرورة بالمعنى القانونى لانعدام تنظيم دستورى لها سابق على صدور الاحكام الاستثنائية يحدد شروط و نطاق تطبيقها و اوجه الرقابه على اعمالها.
ثانيا . رئيس الجمهورية ليس له اى صفة دستورية فى اصدار اى نوع اخر من القرارات الا القرارات الادارية بمعناها القاعدى الواسع و القرارات بقوانين و جميعها انما تخضع لرقابة المشروعية و الدستورية . فهو كرئيس للسلطة التنفيذيه و كحائز للسلطه التشريعية بحكم الواقع لا يجوز له قانونا ممارسة اية وظيفة قانونية اخرى الا وظيفته التنفيذية و استثناء التشريعية من خلال القرارات بقوانين. و لهذا السبب يستحيل ان نطلق على الوثيقة الصادرة فى ٢٢ نوفمبر مسمى اعلان دستورى لان المعيار الشكلى الغالب فى تكييف الاعمال القانونية يجعلنا ننظر لمن اصدر القرار و حدود اختصاصه. و بهذه المثابة لا يحق له اصدار اعلانا دستوريا اللهم ان يعتبر نفسه سلطة انتقالية تستقيل بمجرد العمل بالدستور الجديد.
ثالثا. استند ” الاعلان بالمسمى” الى الاعلان الدستورى الحقيقى الذى يحكم مصر الان و منذ ٣٠ مارس كدستور مؤقت تطبقه المحاكم. و قد نص هذا الاعلان بصراحة ووضوح على مادتين تكفى الواحدة منها بذاتها لتقرير عدم مشروعية قرارات الرئيس فى هذه الوثيقة الفجة المفتقرة لابسط الاسس القانونية او الدستورية السليمة . الاولى وهى الماده ٢١ فيما تنص عليه من ان “التقاضى حق مصون و مكفول للناس كافة و لكل مواطن حق اللجوء لقاضيه الطبيعى و يحظر النص فى القوانين على تحصين اى عمل او قرار ادارى من رقابة القضاء”. و لا شك ان الماده الثانية مما يسمى بالاعلان الدستورى تنتهك جذريا حق التقاضى و تحصن قرارات الرئيس و باثر رجعى ضد رقابة القضاء. و هو باطل بطلان مطلق وجسيم لاخلاله بحقوق دستورية ثابته. اما كما نصت الماده ٤٧ من الاعلان الدستورى الصادر فى ٣٠ مارس على عدم جواز تدخل اى سلطة فى القضايا و فى شئون العدالة و اتحدى ان يكون الرئيس قد قرا هذا النص . فلو فعل لما كان قد قرر انقضاء كافة الدعاوى المرفوعة على قراراته الصادرة منذ ٣٠ يونيه الماضى و حتى انتخاب مجلس الشعب الجديد و العمل بالدستور الجديد ( مادة ٢ من اعلان نوفمبر). و ذات الحظر من التدخل فى شئون العدالة كما ورد فى المادة ٤٧ من الدستور الحالى و جد انتهاكا غير مسبوق فى نص المادة الخامسه من و ثيقة الرئيس التى تحصن و عثاء الشورى من القضاء ببطلان قانون انتخابه بينما دعوى قضائية منظورة اليوم امام القضاء الدستورى تنتهى – وفقا لصخيح نص الدستور الى بطلان هذا التشكيل الفاسد. و ذات الانتهاك الجسيم و التدخل فى سير العدالة ينجم من منع القضاء من الحكم بعدم دستورية قانون انشاء اللجنه التاسيسية بما يتبعه ذلك من اثار و هو بطلان التشكيل القائم على اغتصاب للسلطة على نحو مخالف لاحكام القضاء و القانون .
و البطلان فى كل هذه الاحوال ناتج عن انتهاك جسيم لنصوص دستورية صريحة تكفلها المبادئ الطستورية العامة و لكن عصف بها قرار رئيس الجمهورية الذى اكتسى ثوب الاعلان الدستورى البراق ليحجب ما فيه من عوار و فساد و انتهاك لابسط الحقوق و هو حق التقاضى و لاعز المبادئ و هى استقلال القضاء و عدم التدخل فى القضايا او فى سير العدالة. هذه هى المبادئ الدستورية التى خالفها رئيس الجمهورية مخالفة جسيمة . و الغريب ان نجد من المتخصصيين فى القانون من يسبح للباطل و من يزهو بالفاسد و يساند الهوان.
احمد الله فى النهاية اننى قد قضيت اللوامة رغدا و اديت الامانة سددا و ما كنت متخذا المضلين عضدا
* د. وجدى ثابت
كلية الحقوق و العلوم السياسية
جامعة لاروشيل الفرنسية