جمع مؤتمر “مبادرة جينف”، في مدينة القدس، بين متحدثين إسرائيليين وفلسطينيين، تطرقوا إلى مسألة الربيع العربي وتأثيره على العملية السياسية. وحذر المتحدثون من أن المرحلة القادمة لجمود العملية السياسية، ستكون انتفاضة
جمع مؤتمر “مبادرة جينف”، في مدينة القدس، بين متحدثين إسرائيليين وفلسطينيين، تطرقوا إلى مسألة الربيع العربي وتأثيره على العملية السياسية. وحذر المتحدثون من أن المرحلة القادمة لجمود العملية السياسية، ستكون انتفاضة واحتجاجات، وشدد بعضهم على أن الربيع العربي فرصة وليس عائقا في وجه التسوية.
وبدأ النقاش الدكتور إيال زيسر من جامعة تل أبيب، قائلا إن المنطقة شهدت ربيعا عربيا من قبل، وهو فترة الانقلابات في العالم العربي في أواخر الاربعينيات، وبداية الخمسينيات من القرن الماضي، وكان محوره الصراع مع إسرائيل، وعلى وجه الخصوص رفض الكيان الصهيوني في الشرق الأوسط. وخلافا لما سبق، فإن الربيع العربي الراهن، أي الثورات التي بدأت في تونس، مرارا بمصر ودول عربية أخرى، لم يرتكز على نفس المحور، بل كانت إسرائيل على هامش القضايا التي شغلت الميدان العربي.
وأشار زيسر إلى أن الربيع العربي الراهن فرصة كبيرة للسلام، من وجهة نظره، وأن الاعتماد على سياسة الوضع القائم لا تلائم الفترة، بل يتعين على الزعماء، خاصة في إسرائيل، المبادرة والتأثير.
“سلام مع مرسي لمدة نصف سنة أفضل من سلام مع مبارك لمدة ثلاثين عاما” قال زيسر، مفسرا أن كل خطوة يقوم بها الرئيس محمد مرسي، رجل الإخوان المسلمين في السابق، إزاء إسرائيل، لها صدى أكبر لدى الجماهير.
ووافق السياسي يوسي بيلين، وهو من المبادرين الكبار لعملية السلام مع الفلسطينيين، مع زميله الإسرائيلي، أن الربيع العربي لم يقلّص احتمالات السلام بل خلق فرصا جديدة. وقال بيلين إنه عرف زعماء عرب صرحوا بلقاءات مغلقة أن القضية الفلسطينية لا تهمهم كما يُظهرون أمام الجماهير. ومن يولي الاهتمام للقضية الفلسطينية في الحقيقة، ويتضامن مع الشعب الفلسطيني، هو الشعب العربي. وشدد بيلين في ذلك على أهمية الفترة الراهنة، وأن مقاليد الحكم أصبحت للشعب، وأنه يتوجب مخاطبة الجماهير وإطلاق المبادرات.
ونصح بيلين القيادة الإسرائيلية بفحص مبادرة السلام العربية، قائلا “هنالك مبادرة صادقت عليها الجامعة العربية، وعلى إسرائيل اختبارها، ووضعها تحت المجهر لكي نتفقد مدى جديّة الدول العربية بالنسبة لتسوية نهائية مع إسرائيل”.
ولم يخفِ المشاركون الإسرائيليون الحقيقة أن الشارع العربي يحمل مشاعر الكراهية والعداء لإسرائيل، وأن هنالك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الزعماء العرب، واستغلالهم إسرائيل كورقة لصرف نظر الجماهير عن مشاكلهم الداخلية، واجتثاث غضب الشارع بواسطتها. ولكن رغم الكراهية، اتفق المتحدثون على أن الدول العربية تتجه نحو بناء دول ومجتمعات أقوى، وأن التسوية أصبحت ملحّة أكثر من ذي قبل، لتحقيق هذا الهدف.
وبرز في الجانب الفلسطيني المتحدث أشرف عجرمي، وزير الأسرى السابق، وكاتب في صحيفة الأيام الفلسطينية، والذي نبّه في حديثه أن الشارع الفلسطيني تسوده حالة من الإحباط الشديد. وقال إن الشباب في فلسطين ينظرون إلى محيطهم، ويرون شباب مثلهم يثورون على حكامهم، ويعيدون لأنفسهم الكرامة والحقوق الأساسية، أما هم، الفلسطينيون، فيعانون من الفقر والذل، وليسوا قادرين على القيام بثورة حقيقية.
ورجّح عجرمي أن الأوضاع لن تبقى جامدة، وأنها ستتحرك نحو انقلاب واحتجاجات ربما عنيفة، وبعد أن تجتاح الاحتجاجات المناطق الفلسطينية، ستنتشر وتأثر على إسرائيل، وتصبح ضد الاحتلال.
ونصح عجرمي القيادة الفلسطينية بالجلوس مع نتنياهو، واختبار الرجل، وتساءل: “لماذا لا تجلس القيادة الفلسطينية مع نتنياهو وتستمع لاقتراحاته؟” وإنْ كانت اقتراحاته ضعيفة، يمكن حينها كشفها على الملأ. وأضاف أن المحاولات الحالية عبر أروقة الأمم المتحدة تجعل من القيادة الفلسطينية سلطة ضعيفة، تمر في أزمة حقيقية، وهي عالقة بين رفض الدول العظمى لهذه الخطوات، وغضب الشارع إثر فشلها.
وبالنسبة لإسرائيل قال عجرمي إن كلمة السحر هي حدود 1967، وإنْ تبناها الجانب الإسرائيلي، فيصبح هو الجانب الذي سيختبر جدّية أقوال الجانب الفلسطيني.
وفي مرحلة متقدمة، أضاف عجرمي، ستجتاح الاحتجاجات قطاع غزة، وتحدث عجرمي بنبرة شخصية وقال إن حماس مكروهة جدا، خاصة في غزة. وأوضح أن حماس تمارس القمع في القطاع، ولم تُغيّر الوضع للأفضل، بل للأسوأ، رغم وعودها. وقال إن “الشعب لا يخرج إلى الشارع بغزة لأن حماس لا تسمح، وليس لأن الوضع جيد”. وأضاف عجرمي أن حماس تفضل المصالحة في هذه الفترة على الانتخابات، لأنها فقدت شعبيتها.
واختتم المتحدثون المناسبة بنداء للزعماء، ولصناع القرار، بأن يبذلوا قصارى جهودهم ليعيدوا الكلام عن السلام لكلام واقعي، بعد أن أصبح “يوتوبيا”، وهذا قبل فوات الأوان، وجر المنطقة للمجهول.
يُذكر ان “مبادرة جنيف” هي اتفاقية ابرمت على أساس عملية السلام في الشرق الاوسط والتي بدأت في مدريد عام 1991، وإعلان المبادئ عام 1993، والاتفاقات اللاحقة، ومفاوضات الوضع الدائم، بما في ذلك قمة كامب ديفيد عام 2000 وأفكار كلينتون التي أعلن عنها عام 2000.
وانطلقت “مبادرة جنيف” من قبل شخصيات فلسطينية وإسرائيلية بارزة من مختلف الأطياف السياسية والأمنية والاقتصادية والأكاديمية ومؤسسات المجتمع المدني. وترأس المفاوضات عن الجانب الفلسطيني في حينه السيد ياسر عبد ربه، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والدكتور يوسي بيلين وزير العدل الإسرائيلي السابق.
إ س