الحوار يعنى التعاون واحترام الآخر والتعايش المشترك .. وحوار العقيدة قد يكون مصدراً للخلاف
تمر مصر و العالم بأكمله ,بمرحلة شديدة الصعوبة والتعقيدة,سواء بين الدول أو داخل البلد الواحد . وأصبح الحوار املاً كبيراً تعلق عليه الكثير من فرص التلاقى والسلام والعيش المشترك
تمر مصر و العالم بأكمله ,بمرحلة شديدة الصعوبة والتعقيدة,سواء بين الدول أو داخل البلد الواحد . وأصبح الحوار املاً كبيراً تعلق عليه الكثير من فرص التلاقى والسلام والعيش المشترك , خاصة فى هذا الزمن الذى يشهد اضطرابات وتوترات على المستويين المحلى والعالمي. وهنا يبرز ما أصطلح على تسميته حوار الثقافات والأديان. ويلعب الدكتور على السمان رئيس المؤسسة الدولية لحوار الثقافات والاديان دورا بارزا فهو الرائد فى هذا التخصص منذ سنوات . إلتقينا الدكتور السمان فكان هذا اللقاء..
*فى البداية ما معنى حوار الآديان من منظور د.على السمان؟
**حوار الأديان بكل تواضع هو محاولة كل طرف تفهم واحترام دين الآخر ,حيث كان فضيلة الشيخ محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر الشريف يقول : لا نُريد حوار فى العقيدة ,لان الحوار فى العقيدة قد يكون مصدر للخلاف ,وبالتالى فالحوار يعنى التعاون واحترام الآخر والتعايش المشترك وهذا الكلام تمسكت به بأن يوضع فى نص اتفاقية الأزهر والفاتيكان فى عام 1998.
*وماذا عن دور المؤسسات كالاعلام والتعليم فى خلق هذا الحوار؟
دور المؤسسات فى غاية الأهمية خاصة المؤسسات الدينية لأن دورها رئيسى يُدعم ويُعطى الشرعية ,وكذلك مؤسسات التعليم الدينية .وبالتالى فالمؤسسات الدينية لها مكانة متميزة فى عملية حوار الأديان .لكن دور المؤسسات الدينية على أرض الواقع لايكفى .وإنما للمدرسة دور كبير أيضاً فى التنشئة .فمنذ أكثر من عامين طالبت بتغيير القانون الأساسى للمؤسسة الدولية لحوار الأديان لتصبح حوار الثقافات والأديان وتعليم السلام .فتعليم السلام فى حد ذاته هدف والعيش المشترك هدف أيضاً ,ولكن حوار الثقافات يأتى لدعم دور حوار الأديان ,وفى رأيى أنه إذا لم يحصل حوار للثقافات بشكل حقيقيى ,فإن ذلك سيؤدى إلى الصدام بين أتباع الأديان,وبالتحديد المتطرفون والجهلاء بينهم . وهذا قُلته وقت حدوث الصدام والضجة التى أحاطت ماسُمى الاعتداء على نصوص القرآن والصور الكاريكاتيرية الُسيئة للإسلام فى الدانمارك,قُلت وقتها لوأن هناك حوارا حقيقيا للثقافات لكُنا قادرين على تفادى مثل هذةه الصدامات ,فحوار الثقافات مكون أساسى بجانب حوار اللأديان ,وايضاً محصلة للقاءات ومؤتمرات دولية عشتها فى الخمس سنوات الماضية .
وهناك أيضاً مؤسسات دورها أساسى رغم أن قليل منا يتحدث عنها فى مسألة ترسيخ حوار الأديان ؛وهى مؤسسات التعليم ,فإذا لم تهتم المدرسة مثلا بالكتاب المدرسى والعمل على تنقيته من الكثير من المعانى التى لاتشجع الحب والمحبة بين الناس واحترام دين كل منا للآخر .إذاً دور الكتاب المدرسى كبير جداً ,لذلك أعطيته دور كبير عند إنشاء الفرع المصرى للا تحاد الدولى لحوار الثقافات والأديان ,والذى سعيت فيه بأن ينضم إلينا بعض الشخصيات القبطية العزيزة عليا فكرياً ونفسياً ,منها نجيب ساويرس ومنير فخرى عبد النور .وقدمت لنا الدكتورة العالمة زينب رضوان ورقة عمل حول الكتاب المدرسى ,كان لها اثر كبير فى أوساط المهتمين بالشأن الثقافى ,وبدأت وقتها بعض الاتصالات بوزارة التربية والتعليم الذين تعاقبوا على تحمل المسئولية .ثم جاءت أحداث الثورة ,فحصل تباطى فى الحركة ,ولكن من جديد بدأنا مع المركز السويدى بالأسكندرية فى الإعداد لمؤتمر قبل نهاية هذا العام حول موضوع “الكتاب المدرسى “.
*وفى مصر ما تقديرك لجهود حوار الأديان بين المسلمين والمسيحيين ؟
**منذ اختيارى لهذا العمل لم استعمل كلمة حوار الأديان بين الأقباط والمسلمين فى مصر ,فقد كان بالنسبة لى حوار الأديان هو الحوار الذى يتم مع الآخر ,والآخر بالنسبة لى يعنى الأجنبى ,أما الأقباط والمسلمين فهى لقاءات نتكلم فيها تحديداً عن العيش المشترك ,وبالتالى هذا الموضوع أعمق من كلمة إتفاقيات أوتعاون بيننا وبين الكاثوليك فى الفاتيكان ,لأن الحوار بين المسلمين و الأقباط هو أساساً حياتى ويتعامل مع مصالح مشتركة مصيرية .
ودور ما أسميه ممارسة مسئولية التعايش بين مسلمى وأقباط مصر هى مسئولية مارستها بصفة شخصية ,ومستثمراً ما يربطنى بالأطراف جميعاً من علاقات ود ومحبة ,فلقد ربطتنى علاقة طيبة بالبابا شنودة منذ أكثر من 20عاماً وأيضاً من حوله مثل الأنبا بسنتى والأنبا أرميا ,وكل كان من كان حول قداسة البابا .وحينا كانت تقع أحداث مؤ سفة ,كنت أولآً أٌمارس دورى الإعلامى ,لإحساسى أن الإعلام فى هذه المواقف بالغ الأهمية .فكنت اقول كلمة وبكل جراءة .وهناك دور آخر كنت أًمارسه على المستوى الشخصى وعلى المستوى المؤسسى ,وكانت هناك أدوار وفقنى الله فيها على طول الخط ,وعرف بها الرأى العام وكان موضع تقدير من عُقلاء هذه الأمة ,وكنت قد نجحت فى ترتيب لقاء بين قداسة شنودة وفضيلة العالم الشيخ محمد متولى الشعراوى ,وقى وقت أثارت فيه بعض التصريحات الإعلامية حفيظة أقباط مصر .وأقتربت من قداسة البابا لأفيده بأن الشيخ الشعراوى سافر إلى لندن للعلاج ,وبسماحته ومحبته بعث إليه برجال الكنيسة فى انجلترا لزيارة الشيخ الشعراوى أكثر من مرة ,بل أنهم دعوا لله له بالصحة ,وعند عودته تم إعداد لقاء تاريخى وكان ذلك سبب مولد علاقة توثقت إلى النهاية .اما اللقاء الثانى الذى مازلت اذكره هو البيان المشترك بين قداسة البابا شنودة الثالث وفضيلة الدكتورأحمد الطيب بعد حادث كنيسة القديسين قبل الثورة ,حيث باشرت مع الأنبا أرميا خلال يومين كاملين مسالة إعداد هذا البيان ,وذهبت إلى لقاءه فى الكاتدرائية الثامنة صباحاً ونصف ساعة قبل أن يبدأ علاج الغسيل الكلاوى ,وفى هذه الفترة بالتحديد لمست بشدة كل الجهد الذى كان يبذله والعناء الذى كان يتكبده لأجل الحفاظ على السلام والتعايش المشترك.
*إذاً كيف يحترم أتباع كل دين الآخر ؟
**أعتقد أن البذرة تأتى من أن ننشر فى كل مكان شاشة التليفزيون ,ومنها المُداخلات الذكية والواعية ما يغذى الإحترام المُتبادل ,ونشر ثقافة حب كل منا للآخر.وعلى أتباع كل دين الإتجاه نحو الاخر ,لأن ذلك يفترض فى الأعتراف بأن الجهل هو الخطر الأكبر ,وحينما يعلم كل منا عن اللآخر ويقدم صحيح الدين لديه الذى يدعوا إلى محبة الآخر ,ومن هنا توضع البذرة الصحيحة .
*وماذا عن الجهود المتعلقة بحوار الاديان ؟هل ذهبت هباءاً ؟
**يجب أن أعترف فى البداية أن جهود حوارت الآديان كانت محدودة على مدى السنين السابقة ,كما يجب أن نعترف أننا لم ننجح أن ننقل هذه الحوارات من حوارات النخبة إلى حوا ر الأغلبية الساحقة من الرأى العام ,وهذا لن يأتى الإحينما ينضم إلى دور النخبة دور المدرسة ودور شاشة التليفزيون التى اُسميها بلغة “المدرسة الشعبية التعليمية “.
*وكيف يمكن إيجاد حواربين الشمال والجنوب بما فيه العالم العربى والغربى ؟
**الحوار بين الشمال والجنوب ثقافياً ودينياً فقد مارسناه على أرض الواقع ,سواء بالاتفاقيات أو من خلال الوثيقة مثلاً التى تم توقيعها عام 1998بين الأزهر والفاتيكان ,حيث كان لهل وقع كبير على الرأى العام الغربى إنذاك ,حينما شعر أن الأزهر يُريد التعايش مع الأديان الآخرى ,وحوار الشمال والجنوب يجب أن يكون ثقافياً أيضاً . وقد شاركت فى مؤسسة عملت من أجل هذا الهدف ,وكانت تحمل أسم” مؤسسة حوار منتدى مُنت كارلو “وكان آخر لقاء قبل نهاية العام الماضى فى الدوحة .ويجب الإكثار من هذه الحوارات التى تحوم اهتماماتها حول البحر الأبيض . وفيما يخُصنى فقد وقعنا إتفاق مع المؤسسة التى أرأسها وبين مؤسستى تحالف الحضارات فى نيويورك ومدريد ,وكان يركز على اثراء الحوار الثقافى ,ثم جاء بعد ذلك دور مؤسسة تحالف الحضارات أن تشارك مع الفرع المصرى بإرسال أعضاء دائمين .
*وكيف ترى عودة الحوار الإسلامى المسيحي مع الفاتيكان ؟
**أعلم أن الحوارات قد توقفت بسبب أن تغيرت القيادة الدينية على رأس الفاتيكان ,والتى مثلها بابا الفاتيكان الحالى ,كانت لها لغة استفزت معظم المسلمين ,لانه لم يتمتع مثل ماكان الراحل البابا “جان بول ” الذى التقيت به خمس مرات ,وكان نموذجاً للقلب والعقل المفتوحين . ولكن قد يكون لى رأى أختلف فيه مع إخواتى واحبائى فى مؤسسة الأزهر وهو أنه حينما تختلف الرؤية فإن تجميد الحوار ليس هو الحل,بل يجب إجراء محاولات حوار جديدة على اسس جديدة .وذلك نابع من عقيدتى الشخصية :”لايأس مع الخوار”.
*حدثنا عن دور المؤسسة الدولية لحوار الثقافات والآديان ؟
**دور المؤسسة الحالى هو محاولة الإنتشار على أرض مصربالتعاون مع مؤسسات ثقافية مثل المركز الثقافى السويدى بالاسكندرية ,والتعاون أيضاً مع أسبانيا ,وسنحاول فى المرحلة القادمة أن نُفعل اتفاقاً وقعناه مع المسئولين فى معهد تعليم السلام فى الأندلس , لكى تتبادل بين الشمال والجنوب مؤتمرات , الأولى هى لقاءات للشباب من مختلف الأجناس والآديان لمدة أسبوع ,لإكتشاف كل منهم للآخر .وسيكون الإجتماع القادم وبالتعاون مع المركز السويدى فى جنوب مصر بالأقصر ,وإجتماع يعقبه فى الاسكندرية .
*كيف ترى تصريحات السلفين هنا وهناك سواء بعد انتقال البابا شنودة أو بعد رحيل اللواء عمر سليمان ؟
**بالنسبة لتصريحات الجماعات المتشددة التى قالت :لا نصلى على عمر سليمان ,فإن فضيلة المفتى رد رداً حسما عبرًفيه عن شعور المسلمين جميعاً.أما الدخول فى طقوس الدين الآخر مثل كيف نتعامل مع وفاة قداسة البابا مثلاً,فهذا شأن أقباط مصر وحدهم ويجب لمن يريدون السلام الأ يختاروا تعبيرات تؤدى إلى جروح لدى اخواتنا المسيحين .ولنذهب إلى قاعدة شرعية “لكم دينكم ولىّ دينى ” وأضافت عليها كلمات القرآن”لاإكراه فى الدين “.ليت كل أتباع الآديان يذهبوا إلى النصوص والنصائح الغالية فى دين كل منا ,وليعلموا أن إختيارنا فى كثير من الاحوال لأفكار وكلمات تعبر أكثر منه عن حالة الجهل ,وتعبر أكثر منه عن روح الكراهية ,وهى العدو الثانى لما أُسميه دائماً “السلام والعيش المشترك بيننا”.
*وماذا بالنسبة لجماعة الأمر بالمعروف والنهى عن الُمنكر؟
**بالنسبة لما يسمون أنفسهم بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكروالذى يُحتمل أن تؤكد جهات التحقيق أنهم كانوا المسئولين عن حادث شاب السويس,ولاشك أن هؤلاء بالنسبة لى وأقولها بصوت لايعرف اللإرتعاش هم خارجون عن القانون والشرع ,وقد رد علماء الأزهر عن ذلك بلغة صريحة وواضحة ,وليت عقلاء الأمة يستمعون إلى هذه الكلمات وينبذون عُنفها .والغريب أننا فى مصر بدأنا نعطيهم مكاناً فى الوقت الذى بدأ فيه البيت الأم لهم وهى المملكة العربية السعودية أن تُحدد من دورهم ,وتُحدد من إعتداءهم على النساء ,إذاً لا يُعقل أن تأخذ المملكة دور التحرر ,وأن يصر البعض على أننذهب إلى أعماق الجهالة .
*إذاً كيف نستطيع نقل الحوار إلى المجتمعات الشعبية ؟
**يجب أن يذهب مثقفى هذه الأمة والمتعلمين فيها، واقول الوطنيون منهم ,إلى عمق هذا البلد وأحياءه الشعبية وأقول العشوائية لانقاذهم من خطر الجهالة والبؤس الإجتماعى ,وأن ينشروا كلماته فى هدوء وبلغة يفهمها الرأى العام الشعبى ,وهنا أيضاً دور التعليم لشاشة التليفزيون .
إ س