النص المطعون عليه أخل بالمساواة ورتب جزاء بالحرمان من الحقوق السياسية بدون حكم قضائى
قضت المحكمة الدستورية العليا بجلستها المنعقدة اليوم برئاسة المستشار / عبدالوهاب عبدالرازق وعضويه كل من المستشارين السيد حشيش ، والدكتور عادل شريف ، ورجب سليم ، وبولس فهمى ، والدكتور حسن البدراوى .
وبحضور المستشار الدكتور / محمد عماد النجار رئيس هيئة المفوضين.
بعدم دستورية نص المادة الأولى من القانون رقم 17 لسنة 2012 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية ، وبسقوط نص المادة الثانية من القانون رقم 17 لسنة 2012 المشار إليه .
وكانت لجنة الانتخابات الرئاسية قد أحالت إلى هذه المحكمة نص البند ( 4 ) من المادة ( 3) من قانون مباشرة الحقوق السياسية الصادر بالقانون رقم لسنة 1956 ، المضاف بالقانون رقم 17 لسنة 2012 للفصل فى دستوريته .
أكدت المحكمة فى صدارة أسباب حكمها أن لجنة الانتخابات الرئاسية تعد من قبيل الهيئات ذات الاختصاص القضائى ، التى عناها المشرع فى نص المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا حيث توافر لها المعيار الشكلى لاعتبارها كذلك عندما أفصح الإعلان الدستورى الصادر بتاريخ 30/3/2011 عن الطبيعة القانونية لهذه اللجنة بما نص عليه فى صدر الفقرة الأولى من المادة 28 من أن ” تتولى لجنة قضائية عليا ، تسمى لجنة الانتخابات الرئاسية ، الإشراف على انتخابات رئيس الجمهورية ، بدءاً من الإعلان عن فتح باب الترشيح وحتى إعلان نتيجة الانتخاب وفضلاً عن ذلك فقد أوردت الفقرة الثانية من المادة ذاتها بيان تشكيل اللجنة بقصره على العناصر القضائية ـ على خلاف ما كان عليه الأمر فى المادة 76 من دستور 1971 المعطل العمل بأحكامه . كما توافر لها المعيار الموضوعى للهيئات ذات الاختصاص القضائى وفقاً لما نصت عليه المادة ( 6 ) من قانون الانتخابات الرئاسية رقم 174 لسنة 2005 من اختصاصها بالبت فى الأنزعة القضائية التى تدخل فى اختصاصاتها ممثلة فى التظلم المقدم ممن لم تقبل أوراق ترشيحه ، والطعون المقدمة من المرشحين فى قرارات اللجنة العامة . ومن ثم يكون قرار الإحالة إلى هذه المحكمة قد استوفى الشروط الشكلية المقررة لاتصال الدعوى المعروضة بالمحكمة الدستورية العليا .
وقالت المحكمة فى أسباب حكمها أن قرار الإحالة ينعى على النص المحال أنه قد استحدث عقوبة الحرمان من مباشرة الحقوق السياسية عن واقعات سابقة على صدوره ، بالمخالفة لقاعدة عدم رجعية العقوبات ، فضلاً عن كونه أنشأ قرينة قانونية ، فرض عليها جزاء ، بغير حكم قضائى ، بعد محاكمة يكفل فيها حق الدفاع . كما أسس الجزاء الوارد فيه على مجرد صفات وحالات ، لا على أفعال محددة .
وأخيراً مخالفته مبدأ المساواة أمام القانون ، بأن ميز ـ تحكماً بين بعض من تقلد وظائف بعينها ، والبعض الآخر ، دون أن يرتكن ذلك إلى معيار موضوعى معتبر .
واستطردت المحكمة فى حكمها بأن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الدستور هو القانون الأساسى الأعلى الذى يرسى القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم ، ويقرر الحريات والحقوق العامة ، ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها ، ويحدد لكل من السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية وظائفها وصلاحياتها ، ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها ، فإنه بذلك يكون قد عين لكل منه التخوم والقيود الضابطة لولايتها ، بما يحول دون تدخل إحداها فى أعمال السلطة الأخرى ، أو مزاحمتها فى اختصاصاتها التى ناطها الدستور بها ، وفقاً لأحكام المادة (33) منه ، كما اختص السلطة القضائية بالفصل فى المنازعات والخصومات ، بموجب نص المادة (46) ، فإن لازم ذلك أن اختصاص السلطة التشريعية بسن القوانين ، لا يخولها التدخل فى أعمال أسندها الإعلان الدستورى إلى السلطة القضائية وقصرها عليها ، وإلا كان ذلك افتئاتاً على عملها ، وإخلالاً بمبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية والقضائية ، وانتحالاً من المشرع لاختصاص هو من صميم اختصاص السلطة القضائية .
وأضاف الحكم أن نص الفقرة الثانية من المادة (19) من الإعلان الدستورى المشار إليه على أنه ” لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائى ، ……. ” ، فقد دل على عدم جواز توقيع عقوبة إلا بحكم قضائى ، هادفاً بذلك إلى تحقيق استقلال السلطة القضائية بهذا الاختصاص ، مع مراعاة عدم قصر نطاق نص المادة (19) من الإعلان الدستورى على العقوبة الجنائية ، ومد نطاق تطبيقه ليشمل العقوبات الأخرى التى تأخذ حكمها ، وإن لم يكن الجزاء المقرر من طبيعة عقابية أو تقويمية ، وإنما يكفى أن يكون وقائياً وهى جميعها لا يجوز توقيعها إلا بحكم قضائى .
وأوضح الحكم أن النص المحال ، إذ رتب الحرمان من ممارسة الحقوق السياسية ، لمدة عشر سنوات تالية لتاريخ 11/2/2011 ، لكل من عمل بأى من المناصب التى أوردها حصراً ، فإنه بذلك يكون قد رتب جزاء ، يوقع عليهم تلقائياً ، ودون حكم قضائى ، بما يمثل افتئاتاً من السلطة التشريعية على اختصاصات السلطة القضائية ، وانتحالاً من المشرع لهذا الاختصاص ، وذلك بالمخالفة لنص المادتين ( 19 ، 46 ) من الإعلان الدستورى المشار إليه .
وأردف الحكم مقرراً أن ممارسة المواطنين لحقوقهم السياسية ، خاصة حقا الترشيح والانتخاب ، تعد أهم مظاهر وتطبيقات ممارسة السيادة الشعبية ، سواء كان ذلك بصفتهم ناخبين يتمتعون بالحق فى اختيار مرشحيهم ، على ضوء اقتناعهم بقدرتهم على التعبير عن القضايا التى تعنيهم ، أم كان بوصفهم مرشحين يتناضلون ـ وفق قواعد منصفة ـ من أجل الفوز بالمقاعد التى يتنافسون للحصول عليها وهما حقان مترابطان ومتكاملان ، يتبادلان التأثير فيما بينهما . ومن ثم ، كانت ممارسة المشرع لسلطته التقديرية فى تنظيم تلك الحقوق رهنا بالتقيد بالحدود والضوابط التى نصت عليها الوثيقة الدستورية ، وتضحى كفالتها ، وضمان حق كل مواطن فى ممارستها ، وفق قواعد موضوعية ـ لا تنال من جوهرها ، أو تنتقص منها ، أو تؤثر فى بقائها ، أو تتضمن عصفاً بها ، أو إهداراً ومصادرة لها ـ التزاماً دستورياً على عاتق المشرع ، لا يملك منه فكاكاً ، وإلا وقع ما يسنه ، خروجاً عليها ، فى حومة المخالفة الدستورية .
وإذ كان ما قضى به النص المحال ، من وقف مباشرة الحقوق السياسية ، خلال المدة الى حددها ، لكل من عمل بأحد المناصب التى عددها ، إنما يمثل ـ فى واقع الأمر ـ حرمانهم من مباشرة هذه الحقوق ، ومن المشاركة فى الحياة العامة طيلة المدة الى حددها ، دون مقتض أو مبرر يتفق وأحكام الإعلان الدستورى ، بما ينطوى على إهدار لأصل هذه الحقوق ، ويمثل اعتداء عليها ، ومصادرة لها ، وقيداً على ممارستها ، يجاوز حدود دائرة تنظيم الحقوق التى يملكها المشرع ، الأمر الذى يضحى معه ذلك النص ، وما تضمنه من أحكام ، مصادماً لنصوص المواد ( 1 ، 26 ، 27 ، 31 ، 32 ، 35 ، 38 ، 39 ) من الإعلان الدستورى المشار إليه .
وأكد الحكم أن النص المحال قد تضمن حرماناً لفئة من المواطنين من مباشرة حقوقهم السياسية ، استناداً إلى سبق تقلدهم المناصب الواردة فيه قبل تاريخ 11/2/2011 بعشر سنوات ، إبان حكم النظام السابق وقد حصر تلك المناصب فى كل من عمل ” رئيساً للجمهورية أو نائباً لرئيس الجمهورية أو رئيساً للوزراء أو رئيساً للحزب الوطنى الديمقراطى المنحل أو أميناً عاماً له أو كان عضواً بمكتبه السياسى أو أمانته العامه ” ، وذلك دون غيرهم ممن شغلوا المناصب ذاتها ، خلال مدة سابقة للسنوات العشرة المشار إليها ، وكذلك من تولى مناصب تماثل ، من حيث طبيعتها ومسئولياتها المناصب الواردة بالنص ، وخلال المدة المحددة فيه ، ومن ذلك منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ، والوزراء ، والأمناء العامين المساعدين بالحزب الوطنى المنحل .
وبذلك يكون قد تضمن تمييزاً تحكمياً لا يستند إلى أسس موضوعية تبرره ، فضلاً عن تبنيه تقسيماً تشريعياً بين المواطنين لا يرتكن إلى أسس أو مقاييس منطقية ، وما استتبعه ذلك من انفصال أحكامه عن أهدافها ، ليصير اتصالها بها واهياً ، وليغدو التمييز الذى أورده مستنداً إلى وقائع يتعذر حمله عليها ، ومصطنعاً لفوارق غير حقيقية بين أصحاب المراكز القانونية المتماثلة ، بما يوقعه فى حومة مخالفة مبدأى المساواة وتكافؤ الفرص ، المقررين بالمادة (7) من الإعلان الدستورى .
وذكر الحكم أن النص المحال قد رصد جزاء الحرمان من مباشرة الحقوق السياسية لمدة عشر سنوات ، لمجرد تلقد أى من المناصب الواردة حصراً فيه ، دون أن يتطلب لذلك أن يثبت فى حق من تولى أياً من هذه المناصب إتيان فعل أو انتهاج سلوك يستأهل هذا الجزاء ، فإنه يكون قد ابتنى على افتراض لا يستقيم مع طبائع الأشياء وتأباه العدالة ويخالف من ، مفهوم الدولة القانونية ومن جانب آخر ، فإن رصد هذا الجزاء لكل من عمل بأى من تلك المناصب خلال السنوات العشر السابقة لتاريخ 11/2/2011 ، يعد توقيعاً لعقوبة بأثر رجعى ، مما يوقع النص فى حومة مخالفة المادتين ( 8 ، 19 ) من الإعلان الدستورى .
وانتهى الحكم إلى أنه ولئن كانت كل مخالفة دستورية اعتورت النص على نحو ما تقدم ، تكفى بذاتها لإبطاله ، إلا أن اجتماع تلك المثالب الدستورية ، مع عدم خفاء أمرها على أعضاء المجلس التشريعى ـ على ما كشفت عنه مضابط مجلس الشعب ذات الصلة ـ واتجاه المجلس فى غالبيته لتجاهلها ، وإقراره لمشروع القانون ، ما يجافى ـ عن قصد ـ الأغراض التى كان يجب أن يتوخاها التشريع وهو الأمر الذى يفقده عموميته وتجريده ويوقعه ـ بالتالى ـ فى حومة الانحراف التشريعى .
كما وأنه لما كانت المادة الثانية من القانون رقم 17 لسنة 2012 المشار إليه ـ والخاصة بنشر هذا القانون فى الجريدة الرسمية وتاريخ العمل به ـ لا يمكن تصور وجودها مستقلة ومنفصلة عن مادته الأولى ـ التى قضى بعدم دستوريتها ـ بالنظر إلى ارتباطهما ارتباطاً لا يقبل التجزئة ، فإنها تسقط تبعاً لإبطال مادته الأولى .
—
س.س